كيف تحاول "إسرائيل" إبادة الطفولة الفلسطينية؟
إدراج "إسرائيل" مؤخراً في "قائمة العار" التابعة للأمم المتحدة يشكل لحظة محورية ذات عواقب قانونية ودبلوماسية وسياسية أهمها أن "إسرائيل" باتت تحت المجهر.
في خطوة غير مسبوقة، شهد شهر يونيو/حزيران لحظة تاريخية، إذ أضاف الأمين العام للأمم المتحدة "إسرائيل" رسمياً إلى "قائمة العار" بسبب انتهاكاتها حقوق الأطفال في فلسطين المحتلة. وقد تم التأكيد على هذا الحدث الهام من خلال مشاركة فيرجينيا غامبا، المسؤولة المرموقة في الأمم المتحدة، التي قدمت نتائج التقرير إلى مجلس الأمن.
وأكدت غامبا في مراجعتها بشكل لا لبس فيه أن جرائم "إسرائيل" تضعها على رأس هذه القائمة بسبب نمط مثير للقلق من الانتهاكات الممنهجة ضد الأطفال.
وتشمل هذه الانتهاكات قتل الأطفال الأبرياء وتشويههم، والاستهداف المتعمد للبنية التحتية التعليمية والمستشفيات، وعرقلة إيصال المساعدات الأساسية إلى الأطفال. إضافة إلى ذلك، كانت هناك العديد من حالات الاعتقال التعسفي والتعذيب للشباب والأطفال ممن هم دون سن 18 عاماً.
وما يضيف طبقة من القلق إلى هذا الإجرام الإسرائيلي هو أن التقرير الحالي يغطي فقط الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب على غزة، وتحديداً من أكتوبر إلى ديسمبر 2023.
"إسرائيل" تحاول إبادة أطفال فلسطين بشكل منهجي
في مناطق الصراع في العالم، تبرز فلسطين باعتبارها المنطقة الأكثر خطورة على الأطفال. سجلت الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي تشمل غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، أكبر عدد من الانتهاكات ضد الأطفال. ويفوق هذا الوضع المزري حتى المناطق المضطربة الأخرى، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وميانمار، والصومال، ونيجيريا، والسودان.
وأكدت فيرجينيا جامبا، مسؤولة الأمم المتحدة، هذا الواقع المرير بقولها: "لقد تصاعد الصراع في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، إلى مستويات غير مسبوقة، ما تسبب بمعاناة لا يمكن تصورها لآلاف الأطفال".
وتكشف البيانات عن زيادة مذهلة بنسبة 155% في الانتهاكات، مع وجود أكثر من 8000 حالة مؤكدة تؤثر في 4360 طفلاً في هذه المناطق. إضافة إلى ذلك، هناك 23.000 حالة انتهاك تتعلق بأطفال فلسطينيين قيد التحقق.
ونسبت الأمم المتحدة 5698 انتهاكاً ضد الأطفال إلى القوات المسلحة (الجيش الإسرائيلي) وقوات الأمن الإسرائيلية. ويتحدث التقرير عن النتائج التالية:
الوفيات: قُتل 2,267 طفلاً فلسطينياً، معظمهم في غزة، في الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و31 ديسمبر/كانون الأول 2023، ويُعزى ذلك بشكل أساسي إلى القصف الإسرائيلي.
الاعتقالات: اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 906 أطفال فلسطينيين بتهم ارتكاب جرائم أمنية. يعاني هؤلاء الأطفال الحبس التعسفي وانعدام المحاكمات العادلة، إضافة إلى التعذيب داخل السجون.
الهجمات على البنية التحتية: نُسب 371 هجوماً على المدارس والمستشفيات إلى القوات المسلحة الإسرائيلية والمستوطنين وعملاء مجهولين تابعين للحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي يقودها نتنياهو وبن غفير وسموتريش.
انتهاك "إسرائيل" قرارات مجلس الأمن: "إسرائيل" دولة مارقة
تجاهلت الأمم المتحدة وأمينها العام مرّات عديدة جرائم "إسرائيل" بحق المدنيين والأطفال على وجه التحديد في الأراضي الفلسطينة المحتلة، ووصل هذا التجاهل المتعمد إلى درجة دفعت جو بيكر، مسؤولة الدفاع عن حقوق الأطفال في منظمة هيومن رايتس ووتش، العام الماضي، وتحديداً في 12 يوليو 2023، إلى انتقاد الأمين العام للأمم المتحدة والقول إنه يطبق معايير مزدوجة في ما يخص الأطفال الفلسطينيين.
بحسب بيكر، لم تظهر "إسرائيل" مطلقاً في قائمة العار، على الرغم من أن الأمم المتحدة وجدت أن القوات الإسرائيلية كانت مسؤولة عن قتل أو إصابة أكثر من 7000 طفل فلسطيني بين عامي 2015 و2022.
لقد بلغ حجم الجرائم الإسرائيلية مستوى لم يعد يمكن لأحد تجاهله، إضافة إلى انتهاكات "إسرائيل" المتكررة لقرارات مجلس الأمن، وهي كالتالي:
حماية المدنيين في الصراعات المسلحة
ويدعو القرار 1265 (لعام 1999) إلى تعزيز الحماية للسكان المدنيين المعرضين للخطر مع التركيز على أهمية المساعدات الإنسانية. أدت حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة إلى مقتل أكثر من 15,500 طفل فلسطيني وإصابة الآلاف.
وأفادت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بأن عدد الضحايا الأطفال في غزة يفوق نظيره في مناطق الصراع الأخرى في جميع أنحاء العالم على مدى السنوات الأربع الماضية.
الرصد والإبلاغ عن تجنيد الأطفال
ينشئ القرار 1612 (لعام 2005) آليات لرصد استخدام الجنود الأطفال وغير ذلك من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال. وفي غزة، يتعرض الأطفال للقتل والتشويه والاعتقال التعسفي.
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تم اعتقال ما لا يقل عن 460 طفلاً فلسطينياً، وغالباً ما يواجهون معاملة غير إنسانية. لقد أدى التدمير المنهجي للمنازل والبنية التحتية إلى تشريد عدد لا يحصى من الأطفال، ما يعرضهم لمزيد من العنف والاستغلال.
حماية المدارس والمستشفيات
ويؤكد القرار 1998 (لعام 2011) على الحاجة إلى حماية المدارس والمستشفيات من الهجمات وضمان المساءلة. أدت الحرب في غزة إلى التدمير المنهجي لقطاعها الصحي، ما حدَّ بشدة من إمكانية حصول الأطفال على الرعاية الصحية. بدءاً من يناير/كانون الثاني 2024، تم تسجيل أكثر من 600 هجوم على مرافق الرعاية الصحية في غزة، ما أدى إلى شل البنية التحتية الطبية الحيوية في غزة.
أهمية التعليم في حالات النزاع
ويسلط القرار 2143 (لعام 2014) الضوء على أهمية التعليم وحماية المدارس أثناء النزاعات. أدى الدمار الواسع النطاق الذي لحق بالبنية التحتية التعليمية في غزة إلى ترك معظم المدارس غير صالحة للعمل.
وحذر خبراء الأمم المتحدة من "الإبادة التعليمية المتعمدة" بعد تدمير أكثر من 80% من المدارس، وأدى الصراع إلى مقتل الآلاف من الطلاب والمدرسين وأساتذة الجامعات.
آثار إدراج "إسرائيل" في رأس قائمة العار الأممية
إن إدراج "إسرائيل" مؤخراً في "قائمة العار" التابعة للأمم المتحدة يشكل لحظة محورية ذات عواقب قانونية ودبلوماسية وسياسية، لعل أهمها:
"إسرائيل" تحت المجهر: تهدف آلية الأمم المتحدة للرصد والإبلاغ إلى جمع بيانات دقيقة وموثوقة بشكل منهجي عن الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد الأطفال في مناطق النزاع. ومع إدراج "إسرائيل" في "قائمة العار"، ستركز آلية الرصد والإبلاغ على 6 انتهاكات خطيرة: قتل الأطفال وتشويههم، وتجنيد الأطفال واستخدامهم، والعنف الجنسي، والهجمات على المدارس والمستشفيات، والاختطاف، والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية. بالنسبة إلى "إسرائيل"، يعني هذا الإجراء زيادة التدقيق والمساءلة، مع تقارير منتظمة توضح بالتفصيل التقدم والامتثال للمعايير الدولية لحماية الطفل.
دليل على الجريمة الإسرائيلية المشهودة أمام المحاكم الدولية: إن إدراج إسرائيل في "قائمة العار" يعزز المطالبات القانونية ضدها في المحافل الدولية، مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. يقدم تقرير الأمم المتحدة أدلة حاسمة يمكن استخدامها للقول إن الأعمال العسكرية الإسرائيلية تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي، بما في ذلك الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
ويمكن لمحكمة العدل الدولية التي تدرس حالياً العواقب القانونية للإجراءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أن تستخدم هذه التقارير لدعم فتاواها وقراراتها القادمة.
تعتبر هذه الأدلة أيضاً محورية للتحقيقات الجارية التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، ما قد يؤدي إلى تسريع إصدار مذكرات الاعتقال ضد المسؤولين الإسرائيليين وزيادة الضغوط الدولية من أجل المساءلة.