كابوس الحرب وصدمة الهدنة
نّ الاحتلال سيحاول تحويل عملية الهدنة وتبادل الأسرى… إلى انتصار إعلامي نفسي سياسي أمام بيئته الداخلية من جهة، وإلى تحسين صورته "الإنسانية" لينسى العالم جرائم الإبادة بالمقابل!
قصف قطاع غزة بما يعادل ثلاث قنابل نووية يعني أنّ قطاع غزة منطقة منكوبة كجغرافيا طبيعية وكبيئة اجتماعية تعاني من مخاطر صحية وبيئية تراجيدية.
وهذه تحديات تواجه القيادات الفلسطينية والمجتمع الدولي على وجه التحديد.
إلا أنه ومن الناحية السياسية فمجرد التوصّل إلى هذه الهدنة التي تشمل عدة بنود يعني:
1- الاعتراف بصمود المقاومة.
2- أنّ المقاومة عموماً ما زالت تسيطر على قطاع غزة.
3- وأنها هي "الشريك" الخصم المعتمد.
4- وأنّ اهتمام المقاومة بملف الأسرى ما زال قضية تتصدّر أجندتها.
هذه الهدنة ليست الأولى بين الاحتلال وحماس على وجه التحديد ولن تكون الأخيرة. إلا أنه هذه المرة وبشكل خاص فإن الهدنة هي صراع مع الزمن لأنها سيف ذو حدين: تمنح الوقت لكن يمكن أن يتمّ خرقها وأيضاً تمديدها.
الوقت الممنوع إضاعته في الهدنة سيسمح بالتخفيف من المعاناة قليلاً.
سيستغلّ الفلسطينيون في قطاع غزة (وبقدر المستطاع) تحسين شروط معيشتهم الأساسية الملحّة جداً.
1- الحصول على غذاء ودواء ووسائل وقاية وعلاج الجرحى ودفن الموتى (إن أمكن).
2- التواصل مع من لم تسنح لهم ظروف القتل والدمار بالاطمئنان عنهم رغم وجود الآلاف تحت الردم، وقد تتكشّف الأهوال.
3- العديد من المباني ما زالت واقفة، لكن الاحتلال الإسرائيلي سيحاول منع عودة الفلسطينيين في قطاع غزة إلى "بيوتهم" من الجنوب إلى الشمال ولعدة أسباب :
4- لم ينجز توغّله ودماره وسيطرته التخريبية بعد.
5- يريد بقدر المستطاع محو آثار جرائمه.
6- سرقة ما يمكن سرقته.
7- دفن أو خرق أو سرقة جثث ما زالت ملقاة وغير مدفونة.
8- زرع ألغام وأجهزة رصد وحواجز.
من ناحية أخرى وبما أنّ المقاومة في أرضها وبيئتها ستعمل هي أيضاً على تحسين مواقعها وتنسيقها وبرمجة عملها.
أحد الأهداف قصيرة الأمد قد تكون تمديد الهدنة والاتفاق لاحقاً على وقف إطلاق النار.
خلال هذا الفترة ستكون المفاوضات (الإنسانية) مستمرة، بينما يتمّ تداول العديد من الملفات بالمقابل: التهجير، الإعمار، من سيدير قطاع غزة إدارياً ومن يسيطر عليه أمنياً وسياسياً.
هذه "روشيتا" (وصفة) إعلامية هامة!!!
الاحتلال الإسرائيلي سيحاول تحسين صورته خلال الهدنة وتبادل الأسرى وذلك على حساب جرائم الإبادة ضد الفلسطينيين!!!
من دون العودة إلى الأزمات السياسية الإعلامية الكثيرة في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، نُذكّر أنّ الاحتلال سيحاول تحويل عملية الهدنة وتبادل الأسرى… إلى انتصار إعلامي نفسي سياسي أمام بيئته الداخلية من جهة، وإلى تحسين صورته "الإنسانية" لينسى العالم جرائم الإبادة بالمقابل!
لن نذكر الكثير من الحالات السابقة في عدم الكفاءة في إدارة الأزمات السياسية الإعلامية من الطرف الفلسطيني ونكتفي بذكر واحدة، وهي عندما فكّ أرييل شارون الارتباط مع قطاع غزة عام 2005 بعد اغتيال ياسر عرفات في 2004 ليصوّر حالة التضحية التي قدّمها المستعمرون. عندها كانت الحالة الإعلامية الرسمية الفلسطينية في أضعف مستوياتها.
أذكر هذا لأنني على يقين أنه في الـ 36 ساعة المقبلة سنرى حملة إعلامية كبرى تركّز على معاناة رهائنهم في "أسر" المقاومة الفلسطينية ليبدأ نسج القصص والروايات لنيل عطف "الغرب" الرسمي.
هناك قواعد تدار وفقاً لها هذه الحروب الإعلامية ومن المفضّل عدم الاستهتار بها هذه المرة وبكلّ اللغات.