فلسطين: من جنين إلى القدس وانهيار "علوم" الاحتلال!
المشاهدة العلميّة المستمرة لتكوين نفسية الفرد الفلسطيني ومنظومته القيمية تثبت مراراً، رغم جرائم الاحتلال الإسرائيلي وقمع "التنسيق الأمني"، أن الروح الفلسطينية الوقادة ترفض الانهزام
من جنين إلى القدس، المشاهد دموية والتضحيات قاسية، ونزيف دموع الأمهات الفلسطينيات مستمر، رغم تحولها المذهل من حداد الحزن والخسارة ولوعة الفقدان إلى دبكة التحدي والصمود والمقاومة في مشهدية "الحِدَادَبكة الفلسطينية"، التي تحمل أعلى درجات الإصرار على "سُلَّم المقاومة".
ولأنَّ المواجهة دمويّة، فيجب ألّا يُحجب العامل النفسي في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. على مدى عقود من الزمن، قامت الحركة الصهيونية العالمية بضخ بروباغندا الاستعلاء الإسرائيلي على جميع الأصعدة، وذلك للإطباق على فلسطين ومحاولة "تدجين" الشعب الفلسطيني وتثبيط عزيمته على التحرر والاستقلال.
بدأ ذلك بالتلاشي تدريجياً منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت في كانون الأول/ديسمبر 1987، مروراً بانتفاضة عام 2000، وعملية "سيف القدس" في أيار/مايو 2021، ولكن ما يلفت الانتباه هو استمرار الاحتلال في تبني النهج العنيف وانعدام التفكير الذكي لدى أجهزة الاحتلال، فهم ينظرون عبر نظارات القتل العسكري العنيف في الأمد الفوري (الحاضر المستمر)، ويتجاهلون المدى المتوسط والبعيد الذي يحمل في طياته عمليات التفاعل الفلسطيني مجتمعياً وسياسياً واقتصادياً ونفسياً.
كذلك، فهم يلوحون بعلو شأن مراكز أبحاثهم وتحليلاتهم اللولبية وذكائهم ("العقل اليهودي"). وبناءً على ذلك، يقتحمون الأسواق العالمية بمنتجاتهم التكنولوجية، فيما يقترفون أبشع المجازر بحقِّ الشعب الفلسطيني بواسطة تلك "التكنولوجيا". كل ما ينتج تكنولوجياً في الشركات الإسرائيلية يتمّ توظيفه لترسيخ القمع الاحتلالي ضد الشعب الفلسطيني من آليات عسكرية، وحتى برامج الذكاء الاصطناعي، وفي كل مكان.
وعلى الرغم من "برامجهم ومخططاتهم"، فإنَّهم يتصرفون بفاشية إجرامية من دون التفكير في العواقب، وهذا يتناقض مع ما يروجون له كجزء من الحرب النفسية، لأنهم يظنون أن عودة المجرمين القتلة من جنين إلى بيوتهم في غرب فلسطين ووضع الحماية خارج منازلهم قد يكفلان لهم النوم بسلامة.
يعتقد الإسرائيليّون أيضاً أنَّ "التنسيق الأمني" (ذا التدريب "الدايتوني" والتمويل الصهيو-أميركي من قبل أحد أجنحة السلطة الفلسطينية) سيضمن سلامتهم، وأنهم سيعيشون بسلام على جثث الفلسطينيين، إذا "شُلَّت" عملية قوات الأمن الفلسطيني ومُنعت من النضال الشعبي، فماذا يحصل في "عقولهم"؟
علم الإحصاء يوفر الأرقام والنسب، وعلم الاجتماع يمدّنا بنماذج التصرف والأنماط، وعلم النفس يوفر لنا أيضاً دوافع الوعي واللاوعي للسلوك البشري. ألم تجرِ كلّ مؤسساتهم العلمية المسح والأبحاث لفهم النفس الفلسطينية؟ إنَّ نسبة من يتعاونون معهم (رغم السلاح والمال والخيانة) لا تتعدى 1% من الشعب الفلسطيني الذي يعد في أغلبيته الساحقة ثائراً، وبإصرار لا متناهٍ.
كلّ عنجهية الاحتلال بالتفوق العلمي لا تُطبق على الأرض "للسيطرة الذكية"، فكلّ تصرفات الاحتلال تشير إلى جهل مطبق بالشّعب الَّذي يحتله بكلِّ ما أوتي له من قوة، وأصحاب الاستراتيجيات الأمنية والمنظومة العسكرية التي لا تقهر باتت خطاباتهم جوفاء أمام الإصرار والعناد الفلسطيني.
لدى الاحتلال آلية عسكرية (من المفروض أنَّها بمقاييس عالمية الجودة). ورغم ذلك، فقد انهارت كلّ استخباراته الإسرائيلية وميزانيته الخيالية و"معرفته" العلمية (التي يدّعي وجودها) والتكنولوجيا الفائقة التي يمتلكها للسيطرة على الفلسطيني، وذلك أمام (أي شاب) شاب فلسطيني امتلأ قلبه بالحزن وأنفاسه بالغضب، وانطلقت عزيمته المسلحة بالإحساس الهائل بالغبن والظلم، وبضرورة تأدية واجبه بالمقاومة، وبتكنولوجيا وميزانية منخفضة جداً: مسدس.
المشاهدة العلميّة المستمرة لتكوين نفسية الفرد الفلسطيني ومنظومته القيمية تثبت مراراً، رغم جرائم الاحتلال الإسرائيلي وقمع "التنسيق الأمني"، أن الروح الفلسطينية الوقادة ترفض الانهزام وَتَتَصَوْرَخ عالياً إلى السماء كمشعل حرية من نار.
لم يتعلَّم الاحتلال الإسرائيلي شيئاً عن الشَّعب الفلسطيني، ولم ينسَ شيئاً من فاشيته لزرع الاستعمار الاستيطاني منذ ذروة النكبة عام 1948 على أنقاض شعب يطور أداءه على جميع الجبهات، وترفض جبلة تربته التي ارتوت بالدم زرع الشتلة الغريبة في حقوله الخضراء!