فشلٌ أميركي جديد لعزل روسيا عبر قمة إندونيسيا
أندونيسيا تنجح في الصمود أمام الضغط الغربي والحفاظ على بروتوكول قمة العشرين المقبلة، التي تعقد في جاكرتا، عبر توجيه دعوة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضورها.
حتى الآن، تبدو العقوبات التي فرضتها واشنطن وشركاؤها على روسيا، تقودهم من فشلٍ إلى فشل، ولم تنجح بتحقيق غالبية أهدافها، على الرغم من قسوة تلك العقوبات والضغوط الخارجية، ولم تؤدِ إلى إحداث شرخٍ أو انقسامٍ سياسي أو اجتماعي في الشارع الروسي، وحول شخص الرئيس بوتين، الذي حافظ على رصيده الشعبي، وسط تأييد غالبية الشعب الروسي للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
كذلك لم تنجح محاولات تدمير الاقتصاد الروسي، وإلحاق الهزيمة بالروبل، والتأثير في توريدات الطاقة. ويبدو أن موسكو "تتعامل بشكلٍ جيد مع العقوبات"، بحسب رئيس الوزراء البولندي.
ولم تؤثّر العقوبات أيضاً في معنويات المؤسسة العسكرية والقوات الروسية على الأرض، نتيجة موجات الأسلحة النوعية والثقيلة التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية وغيرها لأوكرانيا.
والآن، نشهد بداية تصدع الصفوف الأوروبية التي حاولت تشكيل جدارٍ عسكري وسياسي وإعلامي صلب بوجه مواقف الخارجية الروسية ووسائل إعلامها.
الرئيس الفرنسي الذي أعيد انتخابه مؤخراً، عاد مجدداً إلى الدعوة لمواصلة المفاوضات مع الرئيس بوتين، فيما وافقت عدة دولٍ أوروبية على شراء الغاز الروسي مقابل الروبل، ولوحظ انخفاض واضح بإمدادات الأسلحة نحو أوكرانيا، وبدأت تتبلور ملامح فشل المخطط الأميركي، واستحالة عزل روسيا، مع مواصلة تعاون معظم دول العالم مع موسكو، والتفاوض معها لدعم صيغ التعاون وإبرام الصفقات التجارية. وبدا واضحاً أن الفريق الدولي لعزل روسيا يعتمد على عدة دول، وعلى رأسها الولايات المتحدة وكندا واليابان وأستراليا وأوروبا.
وفي إطار المحاولات الأميركية لرأب الصدع ودعم تماسك الصفوف المناهضة لروسيا، كان لا بد لها من تحقيق أي انتصار سياسي أودبلوماسي، فكانت فكرة إقصاء موسكو واستبعادها عن قمة العشرين القادمة في جزيرة بالي الإندونيسية هدفاً أميركياً.
لكن استبعاد دولة محددة، بموافقة 19 دولة، بدا لها مستحيلاً، فصبت واشنطن تركيزها وجهودها وضغوطها على إندونيسيا، بوصفها البلد المضيف المعني بتوجيه الدعوات إلى الدول المشاركة، ولم تفلح واشنطن، رغم محاولات إقناع أو تهديد الدول الغربية، بمقاطعة القمة.
وصمدت الحكومة الإندونيسية أمام الضغوط كافة، وقامت بتوجيه الدعوة إلى روسيا والرئيس بوتين، وحافظت بذلك على سمعتها ومكانتها الدولية وفي جنوب شرق آسيا، وقطعت الطريق أمام إدارة بايدن التي قد تطلب استبعاد دول أخرى كالصين مثلاً.
لأجل أهدافها ومصالحها الخاصة، حاولت واشنطن استبعاد روسيا كواحدة من دول مجموعة العشرين، في سياق سياستها لتهميش المؤسسات الأممية، وهدم الكيانات والهياكل الدولية، التي ستساهم في رسم ملامح العصر الجديد متعدد الأقطاب.
وبناء عليه، تأتي أهمية انعقاد قمة العشرين السنوية، التي تُعنى بالأساس بمناقشة السياسات المالية والاقتصادية، ومعالجة القضايا والأزمات المختلفة التي تتعرض لها دول المجموعة، والتي من شأنها التأثير في استقرار النظام المالي والاقتصادي العالمي بشكلٍ مباشر.
ويزيد من أهمية القمة الحضور الأممي بمنظماته الدولية، كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي، إذ يعتمد الحوار العالمي وسيلةً لمناقشة أهم القضايا السياسية والاقتصادية والمالية؛ بغية الحفاظ على الاستقرار المالي في العالم، وتعميق التعاون، ومناقشة المشاكل والمصاعب الاقتصادية والقيام بالإصلاحات الضرورية في النظام المالي العالمي، واتخاذ الإجراءات الوقائية لتلافي الأزمات... هذه الأمور بمجملها لا تشكل هدفاً أميركياً، بل على العكس، تبدو أموراً مزعجة وتعرقل جوهر السياسات الخارجية الأميركية وأهدافها.
على الرغم من إمكانية الدولة المضيفة لقمة العشرين توجيه الدعوات إلى بعض الدول من خارج إطار العشرين كمراقبين أو ضيوف، لم تكلل الدعوة التي تلقاها الرئيس الأوكراني بموافقة الرئيس الإندونيسي على إرسال السلاح إلى أوكرانيا، كما طالب زيلينسكي أثناء محادثتهما الهاتفية...
إن إصرار واشنطن على دعوة الرئيس الأوكراني وحضوره، لا تعدو كونها إحدى محاولات الاستفزاز التي فازت بها إدارة بايدن نتيجة ضغوطها على جاكرتا، بعدما خسرت مخطط استبعاد موسكو والرئيس بوتين، في سياق عزلها الدولي.
من الواضح أن واشنطن تسعى إلى إطالة أمد الحرب على روسيا، الأمر الذي دفعها إلى محاولة استبعاد موسكو والرئيس بوتين من حضور قمة إندونيسيا التي ستعقد بعد حوالى 6 أشهر، وتحديداً في تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام، ومن المفروض أن تشكل فترةً كافية للبحث عن الحلول، وليس عن المزيد من التصعيد. هذا الأمر إن دلّ على شيء، فإنما يدل على عزم إدارة بايدن على إبقاء الساحة الأوكرانية في حالة اشتعال، وربما تقدم على إشعال ساحات أخرى، على حساب إيجاد الحلول ووقف الحرب لإحلال السلام.