غزة في ظلال رحيل السيد رئيسي

حضور الرئيس الراحل في تفاصيل القضية الفلسطينية في حرب الشهور الثمانية على غزة كان مؤشراً على ثبات الرجل على رغم حالة التحريض والتهويل والهجوم الإعلامي الأميركي والإسرائيلي والغربي على إيران بعيد عملية طوفان الأقصى.

  • رحيل السيد رئيسي خسارة كبيرة لإيران أولاً، ولفلسطين ثانياً.
    رحيل السيد رئيسي خسارة كبيرة لإيران أولاً، ولفلسطين ثانياً.

حرصت الجمهورية الإسلامية منذ الثورة الإسلامية، التي نجحت عام 1978م، على تحويل نظام الشاه محمد رضا بهلوي الموالي لأميركا و"إسرائيل" إلى ثورة تعادي "إسرائيل" وتواجه الظلم الأميركي ضد الشعب الفلسطيني، وتحالف فلسطين وتنصرها.

ومنذ إعلاء الإمام السيد روح الله الخميني مبادئ الثورة، وأهمهما أن تكون فلسطين وقضية المسلمين المركزية القدس واحدة من أهم القضايا التي تحرص إيران على دعمها وتبنيها دعما لم يقتصر على نوع أو شكل محدَّد من أشكال الدعم، بل كان دعماً غير مجدود، منذ هذا التاريخ لم يظهر هناك تذبذب في قوة هذا الدعم سلباً، حتى مع تغير فترات الحكم في إيران، ولاسيما بعد رحيل الإمام روح الله الخميني، ومع تولي سلفه الإمام على خامنئي، وبقيت مبادئ الثورة تتخذ فلسطين قضية مركزية لها.

وعلى رغم تعاقب الرؤساء على إدارة البلاد، سواء ممن ينتمون إلى التيار المحافظ أو الإصلاحي بقيت فلسطين حاضرة في تفاصيل المشهدين السياسي والانتخابي في إيران لسبب أن واحداً من معايير اختيار الشخصيات لخوض سباق الرئاسة هو مدى انحياز هذه الشخصية إلى فلسطين، وتبني مبادئ الثورة الخاصة بهذه القضية.

السيد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي كان من أكثر الرؤساء حضوراً في فلسطين وانفتاحاً عليها وعلى قيادتها، وكانت حرب طوفان الأقصى بالون اختبار بصورة تاريخية وعملية لمواقف إيران ومحور المقاومة بشكل عام، والسيد إبراهيم رئيسي بشكل خاص، والذي لم يتردد لحظة في إعلان مواقف صريحة وواضحة داعمة لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة العدو الإسرائيلي، وأوفد وزير خارجيته الراحل حسين أمير عبد اللهيان عدة مرات إلى المنطقة للقاء قادة محور المقاومة وقادة المقاومة في فلسطين منذ السابع من أكتوبر، وجال في العالم مدافعاً عن قضية الشعب الفلسطيني وحقه.

من المواقف الأبرز والأهم التي ميزت الرئيس الراحل عن أسلافه من الرؤساء في إيران هو اختياره أن يكون ضيفاً وخطيباً عبر الفيديو في احتفال جماهيري أقيم في قطاع غزة بمناسبة يوم القدس العالمي، بحيث نظمت اللجنة الفلسطينية ليوم القدس العالمي احتفالاً جماهيرياً بهذه المناسبة وسط حضور الآلاف من المشاركين بتاريخ الـ 14 من نيسان/أبريل 2023، في ملعب فلسطين الدولي، وصفه حينها الإعلام الإسرائيلي بالخطاب غير المسبوق. أكد يومها الرئيس الراحل في كلمته، وهو مرتدٍ الكوفية الفلسطينية، مبادئه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية ودعم إيران اللامحدود لمقاومة الشعب الفلسطيني، وسط ترحيب وهتاف من الحضور فخراً بما يقول.

هذا الظهور للرئيس الإيراني لم يكن عادياً، فهو أول خطاب سياسي لرئيس في العالم كله يُبَثّ في قطاع غزة، وكان موجَّهاً إلى أهل غزة، وإلى عموم الشعب الفلسطيني في القطاع، الذي يُفرض عليه حصار غير مسبوق منذ عام 2007، في تحدٍّ سياسي لهذا الحصار الظالم.

حضور الرئيس الراحل في تفاصيل القضية الفلسطينية في حرب الشهور الثمانية على غزة كان مؤشراً على ثبات الرجل على رغم حالة التحريض والتهويل والهجوم الإعلامي الأميركي والإسرائيلي والغربي على إيران بعيد عملية طوفان الأقصى، ومحاولة تحميل إيران مسؤولية ما حدث كونها داعمة أساسية للمقاومة.

هذا التحريض، الذي كان سيكون له ثمن كبير، سياسياً واقتصادياً، بالإضافة إلى ما تواجهه إيران من عقوبات بسبب هذا الدعم لفلسطين، لم يدفع إدارة الرئيس رئيسي إلى التنصل من دعمها للمقاومة وتبنيها، ومواصلة هذا الدعم المعلن، على رغم إعلانها أنها ليست جزءاً من التخطيط لهذه العملية، وهي إبداع فلسطيني بصورة كاملة 

ولم يقتصر هذا الدعم عند هذا الحد، فبات محور المقاومة، الذي ترعاه وتدعمه إيران، منخرطاً بصورة كاملة في هذه المواجهة، ويدفع فيها ثمناً، وتدفع "إسرائيل" ثمناً، من لبنان إلى اليمن إلى العراق. وبذلك تكون إيران، بزعامة مرشدها الإمام علي خامنئي، وبعده الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي وإدارته، نجحت في أهم الاختبارات التي واجهت وحدة محور المقاومة وتماسكه وقوته.

ومن أبرز ما ميز هذه الفترة الرئاسية هو الهجوم الصاروخي الإيراني على "إسرائيل" رداً على قصف سفارتها في دمشق. وقُدِّر لي أن أرى من سماء غزة صواريخ إيران تسقط في أراضينا المحتلة، وعلت تكبيرات أهل غزة فرحاً وفخراً بهذا الهجوم.

رحيل السيد رئيسي بلا شك خسارة كبيرة لإيران أولاً، ولفلسطين ثانياً، لكن تبقى آمال الفلسطينيين أن تُفرز إيران رئيساً، كما رئيسي، محباً وداعماً لفلسطين، ومنتمياً إليها.