غداً تظهر عملة جديدة تحوّل العالم: أين نحن؟
نشأة "البريكس"، عام 2006، هدفت إلى تشكيل قوة تلغي أحادية القطب.
أيام قليلة تفصلنا عن الانقلاب العالمي المنتظر بإعلان نشوء عملة جديدة لمنظومة "البريكس"، وتوسّع الدول المنضوية في المنظومة، وذلك في القمة الخامسة عشرة لمجموعة دول "البريكس"، والتي ستُعقد بين الثاني والعشرين والرابع والعشرين من شهر آب/أغسطس الجاري في جوهانسبورغ، في جنوب أفريقيا.
من أبرز بنود أعمال القمة توسيع المشاركة العالمية فيها، بناءً على طلبات رسمية. فبعد أن كانت حتى اللحظة خمس دول، هي البرازيل، والهند، وروسيا، والصين، وجنوب أفريقيا، تقدمت إلى الدخول لـ"البريكس" دول متعددة، تزيد على العشرين، منها خمس دول نفطية عربية. ومن الدول المتقدمة الجزائر، وإيران، والمملكة العربية السعودية، والأرجنتين، ومصر، وتركيا، وتونس، والإمارات العربية المتحدة، ونيجيريا، والمكسيك وإندونيسيا، وسواها.
67 دولة دُعِيت إلى القمة، و20 منظمة دولية، بالإضافة إلى انضمام مجموعة كبيرة من الدول إلى "البريكس". ومع ما يعنيه ذلك من تصاعد لقوة المنظّمة، يُرتقب إعلان تدشين عملة جديدة موحّدة، مدعومة بالذهب، الأمر الذي يشكل استغناءً عن التغطية بالدولار لدى الدول الملتزمة قرارات المنظمة.
نشأة "البريكس"، عام 2006، هدفت إلى تشكيل قوة تلغي أحادية القطب، وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على العالم، في مختلف الصعد، عقب سقوط الاتحاد السوفياتي أوائل تسعينيات القرن الماضي.
دول "البريكس" الخمس تشكل 31% من حجم الاقتصاد العالمي، و26% من مساحة العالم، و43% من عدد سكان العالم، وتُنتج أكثر من ثلث حبوب العالم. وبعد انضمام الدول المرتقبة إليها، ستتغيّر المعطيات بصورة كبيرة، بحيث ستكون قارة آسيا قارة "بريكسيّة" تقريباً، وهي التي تضم أغلبية سكان الكرة الأرضية، منها مليار ونصف مليار في الصين، ومليار وأكثر في الهند وحدهما، بالإضافة إلى ما يشكله البلدان من قوة اقتصادية كبيرة، إلى جانب أميركا اللاتينية، التي ستصبح شبه "بريكسية"، عبر انضمام الارجنتين، وهي والبرازيل تشكلان الأغلبية الساحقة من القارة الجنوبية، مِساحةً، وعددَ سكان، وقوةَ اقتصاد، وعسكرياً.
تضم دول "البريكس" الحالية أربعة من أقوى جيوش العالم، ويقارب عدد عناصر هذه الجيوش 11 مليون جندي، وهي روسيا والصين والبرازيل والهند، علاوة على امتلاك ثلاث من دولها السلاح النووي.
لم تنتظر دول "البريكس" القمة الخامسة عشرة المرتقبة كي تبدأ إجراءات الانقلاب العالمي التمهيدية، فبدأت منذ أعوام التعامل بالعملات الوطنية، وسعت دولها الكبرى لتأمين تغطية كبيرة بالذهب، جعلت عملتها الوطنية ذات مكانة عالية، أضعفت تأثير الدولار فيها، وهذا ما بدأه عدد من الدول بمبادرة أولى بين الصين وروسيا، ثم الهند، فدول أخرى، بحيث بات التبادل التجاري يجري بالعملات الوطنية لهذه الدول، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع ميزانيات الدول التجارية بنسبة ملحوظة، فارتفع إجمالي التجارة الثنائية مع دول المنظمة من 81 مليار دولار عام 2017 إلى 128 مليار دولار عام 2021، و160 ملياراً عام 2022.
وسعت "البريكس" لتأسيس "بنك التنمية الجديدة" وفق نمط تعامل جديد متباين عن نمط "سويفت" الأميركي، ويُرتَقَب أن تكون عملته الأساس هي العملة التي ستعلنها القمة المقبلة.
حفّز التسريع في إنشاء البنك، والعملة الجديدة، سياسة العقوبات الأميركية على مختلف الدول، وسياسة الحصار، التي أدّت إلى خسائر كبيرة لدى الدولة المستهدَفة، وأضعفت قدراتها، وأوقفت نموّها.
واستطاعت الولايات المتحدة الأميركية أن تضع الدولار الأميركي ميزاناً لعملات العالم عبر اتفاقية "برتون وودز"، التي قامت عام 1944، بعد انتصار الحلفاء في الحرب، وقبل قليل من توقفها، ثم أسست الهيمنة الأميركية الكاملة عبر الدولار بعد أن أدّت لعبة شراء الذهب من أغلبية دول العالم بإجراءات مغرية عام 1971، ولم يعد الذهب غطاءً للعملات الوطنية، وأحلّت الدولار عملة وحيدة للتعامل بين الدول، وجعلته غطاءً للعملات الوطنية، الأمر الذي جعل اقتصادات معظم دول العالم مرتهنة للولايات المتحدة الأميركية.
ويُرتقب أن تتجاوز "البريكس"، من حيث الحجم الاقتصادي، مجموعة السبع التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، بحلول عام 2028، بحيث ستشكل مجموعة السبع أقل من 28% من الاقتصاد العالمي، بينما سيحقق "البريكس" 35%.
قطعت دول البريكس، وعدد من حلفائها، أشواطاً في الاستقلال عن الدولار، لكن ليس بصورة تامة، كما سيظل عدد من دول العالم معتمداً على الدولار بصورة رئيسية، وسوف يستغرق التحوّل أعواماَ كثيرة، ولا يُعرف كيف سيكون تفاعل التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة مع توسّع "البريكس"، وإعلان عملته، وهذا التحالف على دراية بكل ما يجري، لكن قوة الدول التي تشكل "البريكس" تمنع الولايات من الإبقاء على سيطرتها، وستكون القمة الخامسة عشرة لـ"البريكس" بداية التحول الرسمي الجديد للعالم الذي لم يعد أحادي القطب.
أما المشرق العربي، فلا تزال دوله خاضعة للهيمنة الأميركية التامة، كما في لبنان، والأردن، والعراق، ولا يُعرف كيف ستنعكس سياسات "البريكس" على الشرق العربي، مع العلم بأن سوريا ما انفكت تدفع الثمن الغالي نتيجة حصارها بقانون قيصر، بينما ظلّت بين الدول القليلة المحافظة على استقلالية عملتها عن الدولار، ومحافظة على صفر ديون خارجية على رغم الحرب العالمية التي شُنَّت عليها.
أيام قليلة، ويرتسم شكل جديد للعالم، في ظل صمت كبير مقارنة بضخامة الحدث، ويغيب عنه عالمنا المشرقي، كي يظل تحت هيمنة الدولار، وسيده الأميركي القائم شخصياً بين ظهرانينا.