عمليات الداخل الفلسطيني.. جمر تحت الرماد

فلسطين اليوم أمام تحولات ومنعطفات مفصلية تشتعل فيها الأحداث بشكل لم يسبق له مثيل.

  • عمليات الداخل الفلسطيني.. جمر تحت الرماد
    عمليات الداخل الفلسطيني.. جمر تحت الرماد

من ديزنكوف على مرمى عين من أراضينا المحتلة في تل الربيع إلى ثنايا بريق الوطن، نشمّ عبير التحرير ببندقية الثائر التي لم تهدأ، وبأزيز رصاص يمسح العار عن أمة تواقة إلى النصر المبين، والتي يقف حاجزاً أمامها أولئك اللاهثون نحو براثن التطبيع، الذين يبحثون عن أمل البقاء على عروشهم التي مزقت قوام الأمة وشتّتتها، وجعلت من الاحتلال بعبعباً يصعب اجتثاثه، وعلى طاولة شرذمة لقاء النقب، ووقع تفتّت حكومة الاحتلال، وببارودة العياش، وبإلهام القسام من قلب يعبد، قضاء جنين، التي خرجت الأبطال، رُسمت الحكاية، ورسمت خارطة الوطن.

لم تكن كلمات الشهيد القائد مازن فقها: "تغلي المعادن داويات في الثرى، حتى تثور فيطفح البركان"، عبثاً من القول أو كلمات رنانة، فها هي ضفة العياش والهنود وطوالبة وعبيات والكرمي تلملم غبار الملل، وتنتفض من جديد، لترسم صورة النصر.

وها هي القدس برجالها الأبطال الميامين المعتكفين في باحات المسجد الأقصى يتصدون لاقتحامات المستوطنين. وها هو الداخل المحتل يقف على قدم واحدة لتظهر ثمار "سيف القدس". وها هي غزة الأبية الشامخة خلف كلّ فعل وعمل، يدها الضاغطة على الزناد تنتظر ساعة الصفر لتقطع جذور هذا الكيان الغاشم.

فلسطين اليوم أمام تحولات ومنعطفات مفصلية تشتعل فيها الأحداث بشكل لم يسبق له مثيل، فلم تتكاتف كلّ ساحات الوطن في عمل مشترك وانخراط في الفعل مع الاحتلال كما بعد "سيف القدس"، والتي رسمت قواعد جديدة مع الاحتلال، كان وما زال عنوانها القدس والمقدسات، ولم يجد ولن يجد الفلسطيني أفضل من هذه الأيام في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، ولنسمِّها نواة الفعل الرئيسية التي تثخن الجراح في الاحتلال.

المشهد اليوم يتطلَّب استراتيجية عمل متراكم ومستمر، يحافظ على انصهار كل ساحات الوطن في إطار تطوير العمل واستمراره وديمومته، لتكون الرؤية الشاملة ممتدة إلى سنوات، إذ إنّ كثيراً من الوقائع ستفرض نفسها على الأرض.

القوة هي السياسة والسياسة هي القوة

في ظلِّ ضرب منظومة الأمن، وتشتيت العدو، وعدم تحقيق الاستقرار له، وفي إطار الاستثمار السياسي للأحداث وما ستجنيه في العمل السياسي، إذا ما استثمرت بشكل يحقق أهادفاً سياسية في الحد الأدنى الذي يسمح لمساحات العمل بالازدياد، سيتقلص دور هذا الاحتلال ونفوذه في كلّ أماكن تأثيره وفعله، عبر تخريب كل جهوده السياسية والأمنية وتهشيم دوره الريادي الذي يطمح إليه في الاتساع الإقليمي.

 إنَّ لقاء النقب الإقليمي الذي هدف إلى بناء تحالف جديد، أو سمِّه تطوير بنية التحالف، في ضوء الإجراءات التي تمت في الأعوام السابقة ضمن تمكين الاحتلال في المنطقة، يعد قوة الفعل الميداني، وضرب نظرية الأمن الصهيوني في العمق ستكون له تداعياته المهمة، وهي لا تخرج من دائرة الانكشاف الصهيوني، وخصوصاً في ظل ما يشهده العالم من تحولات استراتيجية ستؤثر في وضعية الاحتلال أيضاً.

وكما أنّ الإمبراطوريات والقوى الكبرى سقطت من الداخل، كما حدثنا التاريخ، على الرغم من توسعها وامتدادها، فإن الكيان الكرتوني المحاط بعوامل فنائه وخاصرته الحرجة ككيان مزروع غير مقبول، أسهل من اندثار القوى الكبرى وزوالها.

إنَّ العمليات البطولية التي تأخذ الطابع المنظّم، والتي لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه الآن لولا تهيئة البيئة، وفرض المعادلات على الأرض، وفحص الإجراءات وتمكين القوة، وسنوات من العمل والإعداد، تؤشر إلى استمرارية نظامية يصعب التعامل معها، فبين ضعف رغبة الاحتلال في الوقوع في مغبة مواجهة مع غزة، ومخاوف من ثورة في الضفة المحتلة تؤثر في وضعيته ووضعية سلطة التنسيق الأمني، وخوف من هبة في القدس، وضعف تمكين مشروعه الذي يتطلّع إليه الأحبار والرهبان في بناء الهيكل المزعوم، وبناء وتوسيع الوحدات الاستيطانية، وأجندته الإقليمية والدولية في تمكين نفوذه وبناء اقتصاديات فاعلة، ووعود يعطيها أو ظروف يهيئها بأن لا تتفجر الأوضاع الفلسطينية، يجد نفسه أمام ارتباك وعجز وشلّ لقدرته، الأمر الذي يتطلَّب من قوى المقاومة استمرار هذا العمل. 

حينها، ستجد تلك القوى نفسها أمام معادلة سياسية تبنيها قوة الأبطال وبسالتهم في الميدان، تحقق استثماراً كبيراً لمصلحة القضية الفلسطينية.