على حافة الحرب: الكيان الصهيوني ومحدودية الخيارات
يبدو أن شهية الكيان الصهيوني بشأن المخاطرة قد زادت في الأشهر الماضية. شهية تدفعه أكثر نحو الذهاب بالمنطقة إلى أبعد مما قد يتصوره البعض، في ظل واقع داخلي يؤرّق الأوساط السياسية والعسكرية والدينية فيه
في إبان زيارته الولايات المتحدة الأميركية في عام 2006، التقى نتنياهو واحدة من أهم مجموعات الضغط اليهودية في لوس أنجلوس. حينها ربط بنيامين نتنياهو، الذي كان رئيساً للوزراء الصهيوني آنذاك، بين الإبادة الجماعية التي أدت إلى قيام "إسرائيل" في القرن العشرين بالتهديد الأكبر الذي واجهته "إسرائيل" في القرن الحادي والعشرين. فـ"إيران اليوم هي ألمانيا نفسها في عام 1938. إيران تسابق الزمن من أجل امتلاك السلاح النووي".
في يوم الجمعة 9 حزيران/يونيو 2006 أجرى الجيش الصهيوني مناورة أطلق عليها "غضب الله" حاكت قيام سلاح الجو الصهيوني باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، عبر استخدام قنابل طورتها الصناعات العسكرية الصهيونية بصورة خاصة من أجل تدمير المواقع المحصَّنة، بحيث يُفترض وجود المواقع النووية الإيرانية. اللافت في المناورة المذكورة هو إشراك من هم من المفترض أنهم عملاء الكيان الصهيوني في الداخل الإيراني.
خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012، عرض نتنياهو رسماً كاريكاتورياً لقنبلة ترمز إلى برنامج إيران النووي الذي يتطور بسرعة. حينها رسم نتنياهو خطاً أحمر بالقرب من الجذع الضيق للقنبلة، من أجل تمثيل اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء 90%، لتوضيح وجهة نظره القائلة إنه يجب القيام بكل شيء لمنع إيران من تحقيق هذا الإنجاز.
"الخطوط الحمراء لا تؤدي إلى الحرب"، قال نتنياهو لقادة العالم المجتمعين أمامه: "الخطوط الحمراء تمنع الحرب".
دأبت الحكومات الصهيونية المتعاقبة على تسليط الضوء على البرنامج النووي الإيراني وتضخيم مخاطره، وأنه بات يشكل خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني. وبالتالي، فإن هذا الأخير يعيش مرحلة مصيرية تدفعه في اتجاه عمل استباقي يجنّبه الكأس المرة، وخصوصاً أن قدرات إيران وحلفائها في المنطقة تتعاظم وتكبر وتنذر بأن طبيعة المرحلة المقبلة ستكون من أكثر المراحل صعوبة على الكيان، الذي يعتقد قادته أيضاً أنه بات مطوَّقاً بقدرات هائلة، لا من جبهه وتدميره، وخصوصاً بعد فشل استراتيجية "المعركة بين الحروب" التي صاغتها المؤسسة العسكرية الصهيونية بغية تحقيق ثلاث وظائف، هي: وظيفة "المنع" لتعاظم قدرات العدو، ووظيفة "التشويش" على أنشطة العدو، على نحو يربك خططه لشن عمليات ضد الكيان الصهيوني، ووظيفة "الردع" التي من شأنها أن تعزز حضور السطوة والتهديد الإسرائيليين في وعي الأعداء، وبالتالي إضعافهم، وحتى شل قدراتهم على توجيه ضربات ساحقة إلى الكيان الصهيوني، ومنعهم من كسر التفوق الصهيوني وتحقيق التوازن الرادع له. وبالتالي، فإن الصورة الراهنة تعكس إخفاق هذه الاستراتيجية وفشلها في تحقيق الوظائف الثلاث، وهذا ما يعترف ويقر به الوسطان السياسي والعسكري في الكيان، وعبّر عن ذلك إيال زيسر، وهو محاضر وباحث ومؤرخ إسرائيلي، ويُدرّس في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة "تل أبيب"، ويشغل منصب رئيس مركز موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، والتابع للجامعة ذاتها، بالقول "إن هذه المعركة (يقصد المعركة بين الحروب) على ما يبدو استنفدت نفسها". وعليه، فإن كلامه يتضمن ضرورة الإسراع في إرساء خيارات أخرى في هذه المواجهة الوجودية.
اليوم، عاد نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الصهيونية، بعد أن أُطيح في عام 2021 وسط موجة من الاتهامات الأخلاقية، ليعود في وقت سابق من العام المنصرم رئيساً لتحالف قومي يميني متطرف.
عودة نتنياهو هذه ترافقت مع انطلاق سلسلة من الاحتجاجات غير المسبوقة ضد حكومته في الداخل الصهيوني، زاد فيها حدةً مشروعُ قانون تعديلات قضائية تسعى حكومة بنيامين نتنياهو لإقراره، وسط حديث متزايد عن قرب الخراب الثالث الذي ينذر بتفكك هذا الكيان، كدولة وكمجتمع، والذي بدأ يتأكَّل من الداخل، إذ لم يشهد الداخل من قبلُ هذا الشرخ والانقسام والكراهية والتخوين، بحيث يبدو أن المشهد الداخلي بات أقرب إلى الصدام الذي قد يتخذ أشكالاً عنفية من قبيل الحرب الأهلية، التي لم تكن تخطر في بال بن غوريون عندما أسس قيامَ هذا الكيان.
هذه التهديدات الوجودية الخارجية والداخلية للكيان قد تدفع نتنياهو وأركان حكومته نحو تصدير أزماتهم إلى الخارج، إذ بات من الواضح أن جملة من المعطيات والمؤشرات، التي تتجمع، تشير كلها إلى احتمال قرب قيام الكيان الصهيوني بعمل عسكري ضد إيران. هذه المعطيات تتخلص فيما يلي:
1 ـــ الزيارات المفاجئة لمسؤولين أميركيين، بدأها مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام ج. بيرنز للقدس المحتلة، أواخر الشهر الماضي، والتي كانت إيران وبرنامجها النووي طبقاً رئيساً في سلسلة اجتماعاته بالمسؤولين الإسرائيليين. عقب هذه الزيارة شن الكيان الصهيوني هجوماً عبر طائرة من دون طيار على منشأة عسكرية في مدينة أصفهان الإيرانية، والتي قيل إنها تحتوي أيضاً على جزء من برنامج الأسلحة النووية الإيرانية، وظهر لاحقاً أنه هجوم فاشل.
بعيد زيارة بيرنز بمدة قصيرة، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً أشارت فيه إلى أنها اكتشفت جزيئات يورانيوم مخصَّب بدرجة نقاء عالية في منشأة فوردو النووية في إيران، قدّرها خبراؤها ومفتشوها بنسبة 84%، وهي نسبة تلامس النسبة المطلوبة لإنتاج الأسلحة النووية.
تزامن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع الكلام اللافت، الذي جاء على لسان كولن كال، وكيل وزير الدفاع الأميركي للشؤون السياسية، من خلال تحذيره، في أثناء إدلائه بإفادته في إحدى جلسات الكونغرس، من أن إيران يمكن أن يكون لديها ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية في غضون أسبوعين تقريباً. هذا من ناحية. من ناحية ثانية، ثمة موقف أميركي يجدر التوقف عنده، إذ قال وليام بيرنز في مقابلة مع برنامج "فايس ذي نايشن"، عبر شبكة "سي بي سي"CBC ، إن إيران "تقدمت جداً إلى درجة أن الأمر لن يستغرق سوى أسابيع قبل أن تتمكن من تخصيب (اليورانيوم) بنسبة 90 في المئة، إذا أرادت تجاوز هذا الحد"، واصفاً التقدم بأنه "مقلق جداً". وبعبارة أخرى: إيران على وشك أن تصبح دولة ذات عتبة نووية.
2 ـــ زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي غير المقررة للكيان الصهيوني، ولقاؤه كلاً من رئيس الأركان الصهيوني ورئيس الموساد ووزير الدفاع، والتي كانت غايتها الرئيسة التنسيق المشترك لصد التهديدات التي تشكلها إيران ومنعها من امتلاك أسلحة نووية، على حد تعبير بيان البنتاغون، وأن وزير الدفاع لويد أوستن سيفعل الشيء نفسه في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
بالتزامن مع زيارة رئيس هيئة الأركان الأميركي، أعلن الجيش الصهيوني أنه أنهي مناورات مشتركة مع القوات الأميركية، حملت اسم جونيبر أوك، والتي شملت لأول مرة تنسيق ضربة جوية محتملة ضد منشآت نووية إيرانية، شاركت فيها 142 طائرة، وعدد كبير من قطع الأسطولين البحريين، الأميركي والصهيوني، على نحو شمل سفناً حربية وغواصات وحاملة طائرات أميركية، وصلت خصيصاً إلى المنطقة. وعلق مسؤول دفاعي أميركي لشبكة "أن بي سي نيوز" (NBC News) على هذه المناورات، قائلاً: "لن يفاجئني أن ترى إيران حجم هذه المناورات وطبيعتها، وتفهم ما يمكن أن نفعله نحن الاثنان".
ردت إيران على هذه الخطط عبر مناوراتها العسكرية الخاصة، وعلق قائد مقر خاتم الأنبياء في الحرس الثوري الإيراني، اللواء غلام علي رشيد، إن هذه المناورات المشتركة الأميركية الصهيونية هي "نصف حرب وحتى حرب قبل الحرب".
3 ـــ زيارة وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، لعدد من دول المنطقة، وأيضاً للكيان الصهيوني، وأكد فيها أوستن أن التزام الولايات المتحدة أمن "إسرائيل" صارم، وسيبقى على هذا النحو، وأن واشنطن "لن تسمح لطهران بامتلاك سلاح نووي"، مضيفًا "أن أميركا قلقة من قيام إيران بنقل الأسلحة وطائراتها المسيرة إلى أوكرانيا وإلى الشرق الأوسط". بدوره، تحدث نتنياهو عمّا سمّاه اتحاد "إسرائيل" والولايات المتحدة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وتابع نتنياهو قائلاً: "إنني أدرك حدوث تغيير في الموقف تجاه إيران في الأشهر الأخيرة في الولايات المتحدة وفي الغرب" مضيفاً: "لدينا أجندة مشتركة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، ومنع العدوان الإيراني والمحافظة على ازدهار هذه المنطقة وأمنها"، على حد قوله.
من جانبه، تحدث وزير الأمن الصهيوني يوآف غالانت، بصورة مطولة، عن المشروع النووي الإيراني، قائلًا: "نحن في فترة زمنية حرجة، وسنحتاج قريباً إلى اتخاذ قرارات مهمة ومصيرية لإسرائيل"، متابعاً القول إن "إيران تضغط لامتلاك سلاح نووي وتهدد إسرائيل، والعالم بأسره".
وبشأن الخيار العسكري، قال غالانت إن "التهديد الإيراني يُلزمنا بالاستعداد لأي عمل، وأنا أكرر أي عمل".
تزامن هذا الحراك الدبلوماسي الأميركي تجاه الكيان الصهيوني مع زيارة وفد صهيوني رفيع المستوى للولايات المتحدة، ضم كلاً من وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي ومسؤولين رفيعي المستوى من وزارات الخارجية والدفاع والاستخبارات، والذين يتعاملون مع الملف الإيراني، وعقد اجتماعات عمل مع نظرائهم الأميركيين، خُصِّصت لبحث الملف البرنامج النووي الإيراني. أحد أعضاء الوفد الصهيوني أكد تطابق الموقفين الأميركي والصهيوني حيال الملف النووي الإيراني.
وبشأن الزيارة، قال البيت الأبيض، في بيان، إن الفريق الأميركي، بقيادة مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، والوفد الإسرائيلي، ناقشا قلقهما المشترك بشأن التقدم في البرنامج النووي الإيراني. وأضاف البيت الأبيض أن الفريقين ناقشا تعزيز التعاون الأمني وزيادة التنسيق بشأن الإجراءات التي "من شأنها منع إيران من الحصول على أسلحة نووية وردع عدوانها في المنطقة".
4 ــــ إن التقارب المتنامي الإيراني الروسي، والذي يتمظهر في أحد وجوهه في الحرب الأطلسية الروسية في أوكرانيا، يعني أن الكيان الصهيوني قد يفقد قريباً حريته في العمل ضد القوات الإيرانية في سوريا، التي يوجد لروسيا حضور قوي فيها. إيران النووية، والتي لديها تحالف استراتيجي مع سوريا، هي بمثابة التهديد الوجودي الذي لا يمكن للكيان الصهيوني قبوله.
كما علينا أن نذكر أن القوى الغربية اليوم تنحاز بقوة ضد روسيا، إلى درجة أن بعض العواصم الغربية يصف الرئيس فلاديمير بوتين بــ "الشرير". حقيقة أن إيران تساعد روسيا في حربها على أوكرانيا تجعل من السهل على "إسرائيل" أكثر من أي وقت مضى إقناع الغرب بأن إيران هي أيضاً عدو مشترك يجب إيقافه. وهذا ما يوفر للكيان الصهيوني فرصة نادرة في الهروب من الإدانة الدولية، إذا قررت الهجوم. وبات واضحاً أن الدوائر الغربية، وتحديداً الأوروبية، بدأت التخلي عن مقاربتها الدبلوماسية التي اعتمدتها في الأعوام السابقة، والتي أدت إلى توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما بات يُعرف بالاتفاق النووي الإيراني.
5 ـــ زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي لإيران، ولقاؤه عدداً من المسؤولين الإيرانيين، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية السيد إبراهيم رئيسي، إذ قال غروسي، في معرض رده على سؤال لأحد الصحافيين بشأن تهديدات "تل أبيب" وواشنطن بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، إذا ما رأتا أن السبل الدبلوماسية إلى منع طهران من امتلاك قنبلة ذرية وصلت إلى طريق مسدود، "إن أي هجوم عسكري على المنشآت النووية محظور، بمعنى أنه غير قانوني".
كلام غروسي استفزّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي قال إن "رافائيل غروسي شخصية لها قيمة أدلت بتصريح بلا قيمة". وتساءل نتنياهو: "غير قانوني بناءً على أي قانون؟ هل يجوز لإيران، التي تدعو صراحة إلى تدميرنا، أن تعدّ أدوات الذبح لتدميرنا؟ هل نحن ممنوعون من الدفاع عن أنفسنا؟ من المسموح لنا أن نفعل ذلك بطبيعة الحال".
6 ـــ إعلان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، على هامش مشاركته خلال مؤتمر "هارتوغ" للأمن القومي في القدس المحتلة، أنه أقر خطة للتعامل مع الملف النووي الإيراني في الفترة المقبلة، لافتاً إلى أنه أطلع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا على استعداد "إسرائيل" لشن هجوم على إيران وحدها.
وأضاف نتنياهو أن "التهديد النووي الإيراني لن يتراجع إلّا عبر عمل عسكري موثوق به وذي صدقية، والعقوبات الاقتصادية ليست كافية"، متابعا أن "الشيء الوحيد، الذي منع بصورة موثوق بها الدول المارقة من تطوير أسلحة نووية، هو تهديد عسكري موثوق به أو عمل عسكري ذو صدقية".
وأردف نتنياهو: "تاريخياً، تم إحباط طموحات العراق وسوريا النووية من جانب القوة العسكرية الإسرائيلية"، بحيث أشار إلى الضربة الإسرائيلية عام 1981 ضد مفاعل تموز/يوليو، أو أوزيراك النووي في العراق، وضربة عام 2007 ضد ما ادّعت "إسرائيل" أنه مفاعل نووي مشتبه فيه في سوريا. وأوضح أن "ليبيا تخلت عن سعيها لامتلاك أسلحة نووية خوفاً من ضربة أميركية، بينما سعت كوريا الشمالية بلا هوادة لتحقيق طموحاتها النووية".
7 ـــ استنفذت إدارة جو بايدن سياستها المتمثلة بالضغوط القصوى التي ورثتها من إدارة دونالد ترامب. ففي أثناء مشاركة بايدن في تجمع انتخابي في مدينة أوشنسايد في ولاية كاليفورنيا، في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2022، سأله أحد الحاضرين عن الصفقة الإيرانية، فأجاب بايدن: "لقد ماتت، لكننا لن نعلن ذلك، إنها قصة طويلة"، فضلاً عن الإخفاق في خلخلة الوضع الداخلي من خلال دعم موجة الاحتجاجات الداخلية الأخيرة في إيران، زد على ذلك أن بايدن نفسه وعد قبيل انتخابه بأنه سينخرط مجدداً في الاتفاق النووي الإيراني، لكن الذي ظهر أن بايدن خضع لرؤية المحافظين الجدد في إدارته، ولرغبة لوبي السلاح في الولايات المتحدة، بل أكثر من ذلك: هناك من يشجع ويروج داخل إدارة بايدن أن الخيار الوحيد المتبقي هو توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، تطبيقاً لنظرية جو بولتون، صاحب الفكرة الرهيبة، والتي تقوم على أنه "لإيقاف قنبلة إيران اقصفْ إيران بقنبلة".
8 ـــ دورية "فورين أفيرز" نشرت مقالاً للباحثة في مركز بيركل للعلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا، داليا داسا كاي، حذرت فيه من مخاطر حرب الظل التي تخوضها "إسرائيل" ضد إيران، وقالت "إن إسرائيل لطالما عبّرت، بصورة واضحة، عن استعدادها لممارسة الضغط العسكري، من أجل منع إيران من إكمال مشروعها النووي وصادرات الأسلحة، وفي الفترة الأخيرة المسيّرات العسكرية".
وخلصت الباحثة داليا داسا إلى أن الولايات المتحدة ترددت في مساعدة الهجمات الإسرائيلية ضد إيران، ونفت في الماضي أي دور فيها، إلّا أنه، في ظل المناخ الحالي، باتت فكرة الردع جذابة، وخصوصاً أن الولايات المتحدة وحلفاءها يريدون إضعاف القدرة العسكرية الروسية. وربما لن تعترض واشنطن على أي هجوم إسرائيلي على العمق الإيراني.
9 ـــ صدور تقرير لمركز "ريسبونسبل ستيت كرافت"، التابع لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد، يتهم الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته بفتح الباب أمام "إسرائيل" لشن حرب كارثية ضد إيران، في خطوة رفضها كثير من أسلافه في البيت الأبيض، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
واستشهد التقرير، في هذا الصدد، بتصريحات أدلى بها سفير الولايات المتحدة في "إسرائيل"، توم نيديس، أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، قال فيه إن "إسرائيل تستطيع وينبغي لها أن تفعل كل ما تحتاج إليه للتعامل مع إيران، ونحن نساندها"، وذلك في إشارة ضمنية، إلى حد ما، إلى العمل العسكري. وعندما سُئل وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن ذلك في اليوم التالي، لم يُبد أي انتقاد أو قلق بشأن احتمال زعزعة أي عمل عسكري ضد إيران للاستقرار، ناهيك بإدانته، بل قدم الوزير الأميركي ما يرقى إلى مستوى الدفاع والتبرير للضربة الإسرائيلية، قائلاً إن "من المهم جداً أن نواصل التعامل والعمل ضد الإجراءات المتعددة، والتي شاركت فيها إيران في جميع أنحاء المنطقة وخارجها، والمهددة للسلام، بحسب الضرورة والأمن".
10 ـــ صحف أميركية متعدّدة تحدثت عن قرب المواجهة في الشرق الأوسط. صحيفة "وول ستريت جورنال" نشرت مقالاً للباحث في معهد هدسون، والتر رسل ميد، بعنوان "الحرب في الشرق الأوسط أقرب مما نعتقد"، قال فيها "إنه أجرى الأسبوع الماضي مقابلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما كان مشاركاً في مؤتمر تكفا الأمني الإسرائيلي في تل أبيب، وأن الاخير يعتقد بصورة جازمة أن إسرائيل باتت مستعدة لتدخل عسكري ضد إيران من أجل وقف ما تعتقد ومجموعة من الدول الغربية أنه يمكن أن يكون تطوراً كارثياً يجب منعه بأي ثمن". وتابع الكاتب قائلاً "إنه خرج معتقداً أن الولايات المتحدة أقرب إلى التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط أكثر مما يفهمه معظم الناس في واشنطن، وإن التقليل من هذا الخطر يتطلب تغييراً سريعاً وشاملاً في السياسة من إدارة ما زالت تكافح من أجل فهم أخطر أزمة دولية منذ أواخر الثلاثينيات".
11 ـــ وفقاً لتقرير صادر عن شبكة التلفزيون "الإسرائيلية"، "كيشيت 12"، عقد نتنياهو في شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير المنصرمين "سلسلة من الاجتماعات السرية رفيعة المستوى مع كبار المسؤولين العسكريين بهدف تكثيف الاستعدادات لمواجهة محتملة مع إيران".
12 ـــ ثمة متغير مهم واستراتيجي، ولا يمكن تجاوزه، سيترك تداعياته على المنطقة، ويتمثل بالتحول الجيوسياسي، الذي مثله الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية، والذي أعاد خلط الأوراق في المنطقة، إذ كان هناك رهان أميركي إسرائيلي على انخراط المملكة العربية السعودية في اتفاقات "ابراهام"، مع ما يشكله هذا الانخراط من اكتمال حلقات الحصار على إيران. الاتفاق قلب الطاولة، وشكل انتكاسة كبرى لمساعي رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لعزل طهران. ووصف مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن الاتفاق، بالقول: "هذه خطوة ذكية من الصين وإيران لتقويض التطبيع السعودي الأميركي والسعودي الإسرائيلي. إنها تساعد على عودة طهران إلى الساحة مرة أخرى، وتقوض الجهود الأميركية والإسرائيلية لبناء تحالف إقليمي لمواجهة إيران، التي تقترب من تطوير أسلحة نووية".
يبدو أن شهية الكيان الصهيوني بشأن المخاطرة قد زادت في الأشهر الماضية. شهية تدفعه أكثر نحو الذهاب بالمنطقة إلى أبعد مما قد يتصوره البعض، في ظل واقع داخلي يؤرّق الأوساط السياسية والعسكرية والدينية فيه. فوحدة هذا الكيان باتت هشة إلى حد كبير، ويزيد في أزمتة الوجودية تصاعد قدرات المقاومة في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، بصورة مقلقة وعصية على الاحتواء والقضاء عليها، وفي ظل تنامٍ هائل لقدرات قوى المقاومة ومحورها في كل المنطقة، وتحوّلها إلى كابوس مرعب، عمّقها أكثر الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية، والذي تحول إلى مادة دسمة إضافية لتعميق الشرخ والانقسام الداخليَّين.
علينا أن نتذكر أنه لا يمكن إنكار أن أوقات الصراع الكبيرة جلبت تاريخياً الوحدة إلى مجتمع صهيوني منقسم.