طوفان الأقصى والمسار السياسي..
ثمانية شهور من الحرب على غزة وشعبنا لم يشاهد صورة تجمع قيادة الشعب الفلسطيني بفصائله المختلفة بلقاء واحد وفي مواضع كثيرة لم يجمعها اتصال واحد.
مما لا شكّ فيه أنّ عملية طوفان الأقصى تعدّ العملية العسكرية والأمنية الأهم والأقوى في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وواحدة من أهم العمليات ضد "إسرائيل" في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
لقد نجحت المقاومة الفلسطينية وفي طليعتها كتائب القسّام في التخطيط الدقيق والبارع لتنفيذ هذه العملية التي أفقدت "إسرائيل" توازنها الأمني والعسكري والسياسي لأيام، وبالتالي لا غبار على التخطيط العسكري والأمني لتنفيذ هذه العملية وجدواها وضرورتها وأهميتها.
لكن على المسار السياسي الرديف للمسار العسكري الذي اتخذته المقاومة لردع العدوان الدموي والنازي ضد قطاع غزة كان هناك ما يشبه الإخفاق، حيث كان من المفترض أن تشكّل خلية أزمة فلسطينية للتخطيط فلسطينياً للمسار السياسي الموازي للمسار العسكري، تدرس كلّ خطوة وكلّ قرار يجب اتخاذه من خلال ميزان مصلحة شعبنا وصدّ العدوان ووقف المجازر..
لطالما أطلق شعبنا ومثقّفوه وقادة الفصائل الدعوات للرئيس محمود عباس لعقد لقاء للأمناء العامّين للفصائل للتباحث في مسار إنهاء الانقسام، وقد كانت هذه الدعوات في ظروف أقلّ تعقيداً من هذه الظروف المأساوية التي يعانيها شعبنا، الآن وللأسف لم يحدث ذلك إلّا مرّة أو مرّتين.
وعليه كان المفترض أن تلتقي هذه القيادة بعد ساعات ممّا حدث في السابع من أكتوبر، وأن تكون اللقاءات دورية ومع كل تطوّر وحدث، وأن تتعالى قيادة الشعب الفلسطيني عن أيّ ملاحظات أو تحفّظات أو مواقف مهما بلغت، وأن تكون قيادة فلسطين على قدر التضحيات التي يقدّمها شعبها والبسالة التي تقدّمها مقاومته.
فلسطينياً يجب أن نسأل بتعجّب ما الذي جعل هذه اللقاءات تتأخّر حتى اليوم الـ 240 من هذه الحرب القاسية، ألم تكن هذه الدماء كافية لتمسح من ذاكرة الفرقاء فرقتهم؟ ألم تلامس آهات أطفالنا ونسائنا وشيوخنا آذانهم ليتعالوا عن خصومتهم وفرقتهم! د
منذ إعلان "إسرائيل" أنّ واحداً من أهداف الحرب هو إنهاء حكم حماس، وأيضاً عدم السماح للسلطة الفلسطينية بالعودة لحكم غزة، وبدء الحديث عن أفكار لحكم غزة، وأخذ وزير الخارجية الأميركي بليكن التخطيط لهذا اليوم والتنقّل بين عواصم العرب لتدبير أمر كيفية إقصاء حكم حماس ومن هو البديل المقبل، والحديث عن إمكانية وجود قوات عربية وتبنّي أفكار كلّها تحاكي بديلاً لحكم حماس، لن يكون السلطة وقد لا يكون فلسطينياً أصلاً، وإن كان فلسطينياً فهم يبحثون عن حكم صحوات جديد أجزم أنهم لن يجدوا فلسطينياً يقبله.
كلّ هذه التطوّرات والقرارات كان يجب أن تواجهها قيادة الشعب الفلسطيني بمسار فلسطيني سياسي موازٍ لما تقدّمه المقاومة من بسالة وتضحية، لتفرض من خلال هذا المسار رؤيتها على الجميع الذي يقدّم حلاً وطنياً فلسطيناً لكلّ الثغرات التي ستحدثها هذه المعركة البطولية والأسطورية.
ثمانية شهور من الحرب على غزة وشعبنا لم يشاهد صورة تجمع قيادة الشعب الفلسطيني بفصائله المختلفة بلقاء واحد وفي مواضع كثيرة لم يجمعها اتصال واحد.
أرى أنه من الضروري أن تتداعى قيادة الشعب الفلسطيني فوراً ومن دون أيّ تأخير أو تردّد أو حسابات، وتبحث مسارات إنهاء هذه الحرب والاتفاق على اليوم التالي، وأن يتعالى الجميع على مواقفه التي لا تساوي أيّ شيء مهما بلغت عظمتها وقيمتها أمام هذه الدماء وهذه التضحيات التي يقدّمها شعبنا، وأن يبحثوا كلّ السبل المتعلقة بقضايا شعبنا بدلاً من أن يبحثها بلينكن في عواصم العرب.
شعبنا يستحقّ وتضحياته التي بلغت ذروتها يجب أن لا تضيّع قيادته ثمرتها السياسية بسبب خلافات هنا أو هناك.
لقد استوقفني تصريح لنائب الأمين العام للجهاد الدكتور محمد الهندي الذي يزور القاهرة ضمن وفد يترّأسه الأمين العام الأستاذ زياد النخالة حيث قال إن أحد أهداف هذه الزيارة، إضافة إلى بحث وقف الحرب على غزة، هو بحث مستقبل غزة والقضية ضمن رؤية فلسطينية فلسطينية وطنية تتحقّق من خلالها طموحات شعبنا وآماله، نأمل أن تكون باكورة هذه اللقاءات بداية جديدة تقود شعبنا إلى الوحدة أمام هذا العدوان، وتنجح هذه اللقاءات في سدّ الطريق أمام مسارات شيطانية تخطّط لها واشنطن لمستقبل غزة والقضية الفلسطينية.