طوفان الأقصى قواعد اشتباك جديدة وحسابات استراتيجية دقيقة
ربما من يتمكّن من الدخول إلى عقلية المقاومة التي خططت لعملية طوفان الأقصى، قد يدرك أن أحد الأهداف المتمثّلة في اختطاف هذا العدد الكبير من الجنود هو لردع جيش الاحتلال من تصعيد عدوانه على قطاع غزة.
بدأت الكثير من مراكز الأبحاث والتقديرات البحثية تشير إلى أن عملية طوفان الأقصى، قد تضمّنت العديد من الأبعاد الاستراتيجية في إطار الصراع مع الكيان الصهيوني، وخاصة فيما يتعلّق بتغيير قواعد الاشتباك التي أثّرت بدورها على موازين القوى، إذ تبلورت العديد من هذه المؤشرات من خلال الساعات الأولى لانطلاق هذه العملية والتي شكّلت صدمة استراتيجية على المجالات كافة، لم تكن ضمن حسابات الكيان الإسرائيلي وأجهزته الأمنية والعسكرية وحتى أكثر الداعمين للفصائل المسلحة، لاعتبارات عديدة تتجلى أبرزها بفرض الحصار الممنهج على قطاع غزة.
هذا التطور الاستراتيجي المتضمّن مروحة متكاملة من التداعيات بمختلف المجالات، دفع الكيان الإسرائيلي نحو تصعيد ممنهج بعد إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حالة الحرب، والتوجّه نحو تشكيل ما يسمّى "حكومة طوارئ" لاستقدام المعارضة إلى جانبه، التي تتفق مع توجّهات حكومة نتنياهو اليمينية في تبنّي "سياسة الأرض المحروقة"، لتحقيق أهداف حيوية تصبّ في صالح نتنياهو الشخصية السلطوية، بالتوازي مع مصالح تأمين مقوّمات أمن كيانه.
وهو ما أثار إشارات استفهام عديدة!!! وطرح العديد من الأسئلة؟؟؟ عن موقف محور المقاومة من هذه التطورات، ولا سيما بعد إعلان الولايات المتحدة الأميركية إرسال حاملة طائراتها الأكثر تطوراً "يو أس أس جيرالد فورد" إلى شواطئ المتوسط بذريعة ردع اتساع الحرب ومنع دخول فواعل ذات تأثير عسكري من محور المقاومة إلى جانب الفصائل الفلسطينية، إضافة إلى نشر أكثر من 20 طائرة حربية في المنطقة، وفتح جسر جوي لتزويد "إسرائيل" بالأسلحة النوعية التي تضمن تفوّقها الأمني.
ملامح قواعد الاشتباك الجديدة
أولاً: من حيث التوقيت فإن عملية الطوفان التي أطلقتها كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، جاءت بعد يوم واحد من ذكرى اليوبيل الذهبي لحرب تشرين التحريرية، في دلالة على أهمية هذه الحرب التي شكّلت أول هزيمة للكيان، وجاءت أيضاً ثالث أيام ما يسمّى "عيد العرش" اليهودي، الذي تمّ توظيفه من قبل المستوطنين المتطرفين لاقتحام الأقصى بذريعة تأدية الطقوس الدينية المزعومة.
ثانياً: المباغتة والمفاجأة وهما عنصران مكّنا الفصائل المقاومة من خلق واقع الإرباك على المستويين الرسمي وغير الرسمي داخل الكيان، حتى أن الصحف الأميركية وفي مقدّمتها "واشنطن بوست" نقلت عن قادة إسرائيليين قولهم: "بالرغم من مرور يوم كامل على الهجوم... فإننا في صدمة أمام هول ما حصل".
ثالثاً: لأوّل مرة منذ حرب تشرين التحريرية عام 1973، باتت زمام المبادرة في اتخاذ قرار شنّ الحرب أو البدء بعمل عسكري ضد الكيان الإسرائيلي بيد طرف عربي أو فاعل ضمن محور المقاومة، فعنصر المبادرة في إطلاق هذا الرد القاسي على عنجهية الكيان المغتصب وسياسته المتطرفة، التي يتباهى بها من خلال عملية طوفان الأقصى، ومع بزوغ فجر يوم السبت الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر لعام 2023، وخاصة في ظل وصول معلومات إلى محور المقاومة عن التجهيز الإسرائيلي للقيام بعمل عدواني ضد أحد أطراف وقوى المقاومة في سوريا أو لبنان أو فلسطين للبدء بها بعد انتهاء الأعياد اليهودية المزعومة.
رابعاً: قدرة الفصائل الفلسطينية وعناصرها بإمكاناتها المتواضعة ووحداتها البرية والجوية والبحرية على تعطيل كلّ ما بناه الكيان الإسرائيلي على مدى أكثر من عقد، من أسوار إسمنتية بعمق 9 أمتار تحت وفق الأرض (سور غزة)، والأسلاك الشائكة ونقاط المراقبة وأجهزة الرصد والإنذار المبكر، بتكلفة تزيد عن مليار دولار، حتى أن "بني غانتس" وزير الدفاع السابق زار مستوطنات غلاف قطاع غزة بعد الانتهاء من بناء الأسوار عام 2021، وصرّح مخاطباً المستوطنين: " الآن بات في إمكانكم العيش بسلام".
خامساً: صحيح أن حزب الله ومن بعده الفصائل الفلسطينية تمكّنوا في جولات صراع سابقة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، من استهداف المستوطنات داخل مدن الأراضي المحتلة بالصواريخ، وتمكّنوا من فرض قواعد للاشتباك قائمة على تجاوز قدرات المضادات الدفاعية الإسرائيلية، إلّا أن عناصر المقاومة الفلسطينية وخاصة "النخب المختلفة لكتائب القسام" تمكّنوا لأول مرة في تاريخ الصراع مع هذا الكيان، من نقل الاشتباك إلى داخل هذه المدن والمستوطنات بمساحة قدّرت بأكثر من 650 كيلومتراً، أي ما يقارب ضعف مساحة قطاع غزة، وإخراج فرقة عسكرية بأكملها من الخدمة "فرقة غزة "، وتعطيل المطارات القريبة، وتدمير مواقع عسكرية تمثّل مراكز إدارة العمليات ضد القطاع في السابق.
وما زالت هذه الفصائل حتى إعداد هذه المقالة أي بعد أكثر من 100 ساعة تشتبك مع جنود الاحتلال في هذه المناطق، وقدرة المقاومة على استبدال عناصرها وإمدادهم بالأسلحة والمؤنة اللازمة، وهو ما يمثّل إخفاقاً استراتيجياً في القدرات العسكرية المقاتلة لجيش الاحتلال.
سادساً: توظيف إمكانات الفصائل المتواضعة تحت الحصار وإدارتها بأكبر كفاءة ممكنة مثل الدراجات، أو ابتكار طرق جديدة مثل الأشرعة الطائرة، لامتلاك عناصر المرونة والانتقال والحركة والمناورة، والتي تستوجب انتشاراً مكثّفاً متباعداً لتفادي الخسائر المحتملة في الأرواح، ونشر أكبر قدر من الذعر لدى جيش الاحتلال ومؤسساته وتشتيت انتباههم.
سابعاً: الإخفاق الاستخباراتي، هنا لا نطرح جملاً ولا شعارات عاطفية، بل إنها حقيقة تمسّ سلباً بسمعة وهيبة ليس فقط المؤسسات العسكرية والأمنية الإسرائيلية بل الأميركية أيضاً، كون معظم الأجهزة التي تستخدمها مؤسسات الكيان هي أجهزة أميركية، ومعظم أجهزتها تتعاون مع نظيرتها الأميركية لضمان تفوّق الكيان في المنطقة، وهذا الفشل الاستخباراتي يتمثّل في عدم القدرة على تقدير إمكانات الفصائل وقدراتها واحتمال شنها عمليات عسكرية.
والأهم من ذلك الفشل في تقدير قدرات جيش الاحتلال في التصدي لهذه العمليات، كما أن هذ الفشل الاستخباراتي يقابله تفوّق استخباراتي للمقاومة، من حيث القدرة على الإيحاء بعدم قيامها بأي عمل عسكري أثناء الأعياد اليهودية، وقدرتها على سرّية اتصالاتها وتواصلها للتحضير للعملية، أو من خلال معرفتها لانتشار قواعد الاحتلال وتمركز نقاطها العسكرية خلف خطوط الغلاف، أو من حيث اختراقها للاتصالات العسكرية.
ثامناً: صراع الأدمغة والتوظيف التكنولوجي وإدارة الحرب النفسية خلال مراحل عملية الطوفان، وهو ما برز في الحرب السيبرانية التي شنتها حركات المقاومة لتعطيل الرادارات الإسرائيلية، واستخدام طائرات "الدرونز" التي أوقعت خسائر بمعدات جيش الاحتلال وقواته، وإدخال جيل جديد منها تحمل اسم "الزواري" نسبة للمهندس التونسي "محمد الزواري" الذي يعود الفضل إليه لتصنيع كتائب القسام الطائرات المسيّرة، وتمّ اغتياله عام 2016.
تاسعاً: الكثافة النارية التي بدأت بها عملية طوفان الأقصى عبر إطلاق 5 آلاف صاروخ، بالتزامن مع تكتيك جديد اتبعته المقاومة تمثّل في المباغتة الجوية والبحرية والبرية، وهو ما ساهم بشكل كبير في انهيار الصفوف المتقدّمة للنقاط العسكرية الإسرائيلية، كما حافظت المقاومة على القدرة الخاصة بإطلاق الصواريخ بالرغم من شن طائرات الاحتلال الإسرائيلي اعتداءات بعشرات الأطنان على غزة.
عاشراً: من خاض هذه العمليات وربما قام بالتخطيط والإعداد لها، هم من الشباب الفلسطيني الذين لم يعيشوا حقبة نكبة عام 1948، ولا خضعوا لإهانة نكسة عام 1967، وهو ما يعني أن كل محاولات الكيان وحكوماته المتعاقبة بتغييب القضية بتغيّر الأجيال هو مجرد محاولات فاشلة مليئة بالأوهام، وما قام به هؤلاء المقاومون ليس اعتداء كما وصف من قبل الساسة الغربيين، بل تحرير لأراضي آبائهم وأجدادهم.
أحد عشر: لا نريد هنا أن نستبق تقدير الموقف ونطلق أحكاماً مسبقة، في أن حزب الله كان له دور لا يستهان به في التدريب والتجهيز والتخطيط لهذه العملية، وربما إدارتها عبر قادة موجودين داخل القطاع، وخاصة أن جزءاً مما قد شاهدناه من عملية اجتياح المقاومة لمستوطنات غلاف غزة، كان شبيهاً للمناورات التي أجراها الحزب خلال الشهرين الماضيين، وبعد عدة اجتماعات حصلت بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مع قادة الفصائل الفلسطينية.
الأرض المحروقة والتدمير الممنهج
ربما من يتمكّن من الدخول إلى عقلية المقاومة التي خططت لعملية طوفان الأقصى، قد يدرك أن أحد الأهداف المتمثّلة في اختطاف هذا العدد الكبير من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين ونقلهم إلى قطاع غزة، ونشرهم في أرجاء القطاع كافة لردع جيش الاحتلال من تصعيد عدوانه على قطاع غزة المنهك، وهذا لا يعني أن الهمجية في التدمير واتباع سياسة الأرض المحروقة من قبل حكومة اليمين غائبة عن أذهان قادة القسّام، وذلك في ظل وجود اليمين الأكثر تطرّفاً في مراكز صنع القرار الإسرائيلي، والنكسة الهزيلة التي تلقّاها هذا الكيان خلال الساعات الأولى لبدء هذه العملية.
فقد عكست تهديدات نتنياهو بتدمير كل أماكن انتشار حماس، ومن ثم إعلان وزير دفاعه "يوآف غالانت" بقطع كل وسائل الحياة من مياه وكهرباء واتصالات عن قطاع غزة، تبنّي هذه الحكومة ما يعرف ببروتوكول "هانيبال" وهو إجراء يستخدمه جيش الاحتلال الإسرائيلي لمنع خطف جنوده من قِبل فصائل المقاومة الفلسطينية أو أي طرف آخر، وصيغته المعروفة هي أن "عملية الخطف يجب أن تتوقّف بكل الوسائل، حتى لو كان ذلك على حساب ضرب قواتنا وإلحاق الأذى بها".
وهو ما يفسّر الهمجية بسياسة الأرض المحروقة الإسرائيلية ضد قطاع غزة وقصفها بأطنان من المتفجّرات واستخدام غاز الفوسفور، كل ذلك هدفه تحقيق ما يلي:
أولاً: الإيحاء الإسرائيلي بأنه استعاد زمام المبادرة في هذه الحرب بعد إطلاق فصائل المقاومة لعملية طوفان الأقصى، وإدخال الكيان وجيشه ومؤسساته ومستوطنيه في حالة ذهول وتشتت وصدمة مضطربة.
ثانياً: استعادة هيبة الكيان الإسرائيلي وجيشه أمام الرأي العام الداخلي والإقليمي والدولي، بعد تلقّيه صفعة مؤلمة من فصائل المقاومة التي أظهرته بصورة العاجز الضعيف المهترئ، وخاصة المستوطنين الذين باتوا يهاجمون رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويحمّلونه مسؤولية ضعف الكيان نتيجة تمسّكه بالسلطة. وهو ما أدى -وفق ادعائهم-لانشغال الكيان بالانقسامات والتجاذبات السياسية الداخلية، على حساب الاستعداد والجاهزية لأي تصعيد عسكري محتمل.
ثالثاً: إيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية في قطاع غزة لتأليب الرأي العام والحاضنة الشعبية ضد فصائل المقاومة، وتحميلها مسؤولية هذه النتائج بعد إطلاقها عملية "طوفان الأقصى".
رابعاً: الضغط على الفصائل الفلسطينية لإيقاف عمليتها وتسليم الأسرى من دون أي شروط.
خامساً: تدمير البنية الصاروخية والقتالية لكتائب القسام خاصة والفصائل الفلسطينية بشكل عام، بشكل يمكن استثماره من قبل نتنياهو لتحسين وضعه السياسي وضمان ديمومة واستمرار حكومته وتحقيق هدوء داخلي.
سادساً: التمهيد لاجتياح بري كلي أو جزئي محتمل لقطاع غزة، ولكن بعد إيجاد ثغرة تمهّد لإقامة منطقة فصل داخل القطاع بمسافة تتراوح بين 1 إلى 1.5 كم، بعد تدمير الأبنية السكنية وضمان تدمير شبكة الأنفاق التي تتضمّنها، ودفع المواطنين إلى النزوح منها بشكل جماعي.
سابعاً: إرسال رسائل إسرائيلية إلى مدن الضفة الغربية وقوى المحور الداعمة للفصائل الفلسطينية لعدم الدخول في هذه الحرب، وخاصة جبهة الجنوب اللبناني.
الدعم الأميركي المفرط
تواتر العلاقة وعدم استقرارها بين رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن لا تعكس طبيعة العلاقة الأميركية-الإسرائيلية ومحدّداتها، بل إن مسألة الدعم والعلاقة ضمن هذه المحدّدات لا تتأثّر بتوتر العلاقة الشخصية أو ربما الحزبية بين الطرفين، فالولايات المتحدة الأميركية التي أرسلت فخر صناعتها البحرية مرفقة بـ 5 مدمّرات، وزيادة عدد طائراتها الحربية في المنطقة ورفع جاهزية قواتها، وفتح جسر جوي مع "تل أبيب" وإرسال قوات دلتا إليها، وغير ذلك الكثير من الدعم غير المعلن، ارتفعت نسبة دعمها العسكري لهذا الكيان إلى ما يفوق 260 مليار دولار في ظل سوء العلاقة بين بايدن ونتنياهو، وهو ما يطرح تساؤلاً عن مدى مشاركة القوات الأميركية مباشرة في دعم "إسرائيل" ضد الفصائل المسلحة؟
الإجابة عن ذلك تكمن في الامتعاض الأوكراني الذي كشفت عنه الصحف الأميركية من مسارعة الولايات المتحدة الأميركية لإرسال قواتها للدفاع عن أمن "إسرائيل"، وهو ما يؤكد أن أمن الأخيرة هو مرتبط بأمن الأولى، بل يشكّل ضمان تفوّق الكيان بالمنطقة والحفاظ على أمنه المزعوم وتعميم وجوده، أبرز المحدّدات المسلّم بها ضمن السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد حقيقة المقاربة التي تؤكد: "أن هيمنة أميركا على النظام الدولي ووجودها في الشرق الأوسط صمام ضامن لبقاء وديمومة هذا الكيان".
لذلك من المؤكد والمسلّم به هنا أن الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية التي تتغنّى بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان _وشنت حروباً تحت مظلتها_ لن تقف مكتوفة الأيدي أمام انهيار "إسرائيل"، وقد تتبنّى إجراءات سياسية تتمثّل في منع صدور أي قرار ضد جرائم الاحتلال داخل المنظمات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها، وقد تمعن في قطع المساعدات، وتمنح الكيان الشرعية لارتكاب المزيد من الانتهاكات للقانون الدولي، وتلجأ لتصنيف فصائل المقاومة ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية _وهو ما يفسّر ربط نتنياهو كتائب القسام بتنظيم "داعش" الإرهابي، وممارسة الضغوط الأميركية على الدول العربية لعدم تقديم أي مساعدة للقطاع في ظل تمسّك المقاومة هناك بالشروط التي تبنّتها.
أما التدخّل العسكري المباشر وخاصة للقوات الأميركية، فإنه يحتاج إلى الكثير من الدقة في الحسابات، إلا في حال منع انهيار هذا الكيان، وهذه الحسابات تبدو معقّدة للرئيس بايدن، فهو لا يريد الدخول في حرب مباشرة قد تتسع رقعتها مع اقتراب انطلاق سباق الانتخابات الأميركية، كون تداعيات مثل هذا التدخّل قد تنعكس سلباً على صناديق الانتخابات في حال تكبّد خسائر كبيرة، وهو يريد في الوقت ذاته تفادي ابتزاز الجمهوريين المطالبين بشن حرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بالتزامن مع كسب ودّ اللوبي الصهيوني المؤثّر على مسار النتائج الرئاسية الأميركية.
أين محور المقاومة؟ وهل من تدخّل؟
تعالت خلال الأيام السابقة الأصوات المطالبة بتدخّل محور المقاومة عموماً وحزب الله بشكل خاص، وازدادت التساؤلات حول دور محاور المقاومة في الدفاع عن قطاع غزة، وسط تخاذل عربي ودولي أمام كارثة هي الأكبر ربما في تاريخ العالم السياسي الحديث.
هنا، أنا سأحاول قدر الإمكان الإجابة على ذلك بناء على مؤشرات تحليلية وليست معلومات، وهو اجتهاد يحاول من خلاله الباحث وضع النقاط على الحروف من خلال تصويب بعض النقاط، وخاصة بالنسبة لحزب الله الذي حافظ على قواعد الاشتباك التي بلور معالمها بعد عدوان تموز2006، وكرّسها بعد عام 2019.
لذلك فإن دخول حزب الله للحرب ضد الكيان الإسرائيلي له حسابات وتعقيدات داخلية لبنانية، وإقليمية مرتبط بوحدة قرار محور المقاومة، إلى جانب البعد الدولي الذي يشهد توتراً أميركياً روسياً قد يتسع ليصل إلى منطقة الشرق الأوسط، إلا أن زيادة نسبة مشاركة الحزب في عملية طوفان الأقصى تزداد في حال حصول أي من التطورات التالية:
أولاً: إقدام الولايات المتحدة الأميركية بشكل مباشر على ممارسة الاعتداء ضد الفصائل المقاومة في قطاع غزة.
ثانياً: الإمعان الإسرائيلي بسياسة الأرض المحروقة ودفع مواطني غزة إلى النزوح تمهيداً لاجتياح بري محتمل.
ثالثاً: ارتباك الكيان الإسرائيلي لحماقة أو مغامرة في الأراضي اللبنانية أو السورية أو ضد فاعل آخر من فواعل محور المقاومة.
رابعاً: شعور حزب الله بأن وضعية الفصائل المقاومة في قطاع غزة يحتاج إلى التدخّل نتيجة إحكام الخناق عليها.
عليه، فإن الحزب وباقي فواعل المقاومة هم في أعلى الجاهزية، وأمامهم فرصة تاريخية لتكريس الوعود الاستراتيجية ضد الكيان الإسرائيلي والوجود الأميركي في المنطقة، وما ردّ حزب الله السريع على الاعتداءات الإسرائيلية وتنوّع أهدافه، سوى خير دليل على جاهزية الحزب والمحور لاتخاذ قرار مصيري هم بحاجة إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى.