صومال التائهة بين الثروات والأمن والجفاف
تشتهر الصومال بتوفّر الموارد الطبيعيّة فيها، حيث يتوفّر لديها كمّ كبير من احتياطي الغاز الطبيعي والنفط، إضافة إلى ذلك فهي غنية بالحديد، القصدير، النحاس والملح.
الصومال، وكانت تعرف فيما قبل باسم جمهورية الصومال الديمقراطية، هي دولة عربية تقع في منطقة القرن الأفريقي في شرق أفريقيا ويحدها من الشمال الغربي جيبوتي، ومن الجنوب الغربي كينيا، ومن الشمال خليج عدن ومن الشرق المحيط الهندي ومن الغرب إثيوبيا. وتملك أطول حدود بحرية في قارة أفريقيا، عدد سكان الصومال 17 مليون نسمة، ومساحتها: 637.657 كم² .
انضمت الصومال إلى جامعة الدول العربية في عام 1974 قبل دخولها الحرب مع إثيوبيا بقرار من الرئيس الصومالي، محمد زياد بري، بعد مشاورات مكثفة مع النخبة المثقفة. ومما يُروى عن الذين عاصروا تلك الفترة أن زياد بري بعد أن فكَّر وقدَّر لم يجد أقرب هوية إلى الفرد الصومالي من الهوية العربية ولهذا قرّر الانضمام إلى جامعة الدول العربية.
هذا القرار أثار جدلاً في الأوساط الثقافية الصومالية والعالمية لم ينتهِ إلى اليوم بين مُبارِك ومرحِّب بالقرار بل واعتباره خطوة تاريخية تُحسَب لزياد بري، وبين من يعتبر القرار خطأ تاريخيّاً دفع الصوماليون ثمنه بفاتورة طويلة من الدماء والمآسي التي ترتَّبت على هذا القرار السياسي.
موارد طبيعية
وتشتهر الصومال بتوفّر الموارد الطبيعيّة فيها، حيث يتوفّر لديها كمّ كبير من احتياطي الغاز الطبيعي والنفط، إضافة إلى ذلك فهي غنية بالحديد، القصدير، النحاس والملح. وتتميّز الزراعة في الصومال بأنها من أكبر المجالات الاقتصادية، حيث تشتهر بوجود ثروة حيوانية ضخمة فيها. ومن أهم صادرتها اللحوم، الأسماك، والمنتجات الزراعية. إضافة إلى ذلك السكر، الموز، والذرة.
كما أن الصومال تعد أكبر مستودع للمستكة والمرّ حيث تصدّرهما على مستوى العالم إلى معظم الدول، وتعمل على تصدير المواشي والأغنام من الحيوانات. أما في المجال الزراعي فيعد القطاع أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد إذ يشكّل مع الثروة الحيوانية 40% من إجمالي الدخل القومي في الصومال كما يشكّل 65% من إجمالي عوائد الصادرات، إذ تقدّر الأراضي الصالحة للزراعة بـ 8 ملايين هكتار تجعل الصومال سلة غذائية لدول المنطقة.
أما في الثروة الحيوانية فيشغل قطاع الثروة الحيوانية المرتبة الثانية في الاقتصاد الصومالي من حيث الأهمية، إذ تمتلك الصومال أكثر من 40 مليون رأس من الإبل والبقر والغنم، حيث تصدّر سنوياً ملايين رؤوس الماشية إلى الخارج بعائدات تقدّر بالملايين. فموارد البحر حاضرة أيضاً إذ يملك الصومال نطاقاً ساحلياً وصف بأنه الأطول في المنطقة، ممتداً على خليج عدن والمحيط الهندي، وهذه الكمية الضخمة من السواحل غنية بالثروة السمكية واللؤلؤ والأصناف البحرية والملاحات الطبيعية، ومع هذا فإن استغلالها اقتصادياً ما زال في مرحلة أولية.
في المعادن، تمتلك الصومال احتياطيات غير مستغلة من العديد من الموارد المعدنية، بما في ذلك اليورانيوم، خام الحديد، القصدير، البوكسيت، النحاس، الملح والغاز الطبيعي. وفي أواخر الستينيات اكتشف علماء الجيولوجيا التابعون للأمم المتحدة رواسب كبيرة من اليورانيوم ومخزونات معدنية نادرة أخرى في الصومال. كان الاكتشاف الأكبر من نوعه، حيث قدّر خبراء الصناعة الودائع بأكثر من 25% من احتياطيات اليورانيوم المعروفة في العالم والتي بلغت 800 ألف طن.
ومن حيث المواد الصناعية يمثل النشاط الصناعي في الصومال حالة ثانوية في الوقت الحاضر فلا يساهم بأكثر من 5% من جملة الاقتصاد الوطني لأن أغلب الصناعات الموجودة ما زالت في مراحلها الأولية، إذ تقتصر معظم الصناعات الأولية في تعليب المنتجات الصغيرة، لكن يبدو أن البلاد ستشهد مصانع كبيرة في السنوات المقبلة.
أما في السياحة فيتمتع الصومال بمواقع أثرية تاريخية في أنحاء البلاد كافة، فهذا القطاع مهمّش تماماً في السياسات الوطنية للنهوض باقتصاد البلاد، والظروف الأمنية تدعو إلى صرف النظر عنها.
مقتل 43 ألف شخص نصفهم من الأطفال نتيجة الجفاف بالصومال
قال باحثون إن موجة الجفاف القياسية المستمرة في الصومال قتلت ما يصل إلى 43 ألف شخص العام الماضي نصفهم من الأطفال دون سن الخامسة في أول محاولة لتقدير الوفيات في أنحاء البلاد. ووجد البحث الذي صدر بتكليف من اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية ونفّذته كلية لندن للصحة والطب الاستوائي وإمبريال كوليدج لندن، أن نصف الوفيات من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأن الأزمة قد تكون أسوأ من آخر موجة جفاف كبيرة في الصومال في عامي 2017 و2018.
وقال التقرير إن معدل الوفيات قد يرتفع في النصف الأول من عام 2023، وتوقّع أن يتراوح إجمالي الوفيات لهذه الفترة بين 18100 و 34200.
الرئيس الصومالي يتعهّد بإجراء الانتخابات المقبلة بالاقتراع العام المباشر
أكّد الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، أنّ الانتخابات العامّة المقبلة ستجري وفق نظام الاقتراع العام المباشر بدلاً من نظام الاقتراع غير المباشر المعتمد منذ عقود والذي أغرق البلاد في أزمات عديدة.
وقال محمود إنّ "الانتخابات المقبلة... إن شاء الله... ستجري وفق قاعدة رجل واحد-صوت واحد على أساس نظام حزبي سياسي". ومن المقرّر إجراء الانتخابات العامة المقبلة في أيار/مايو عام 2026.
وفي الواقع فإنّ النظام الانتخابي المعتمد في الصومال يتّبع نموذجاً معقّداً يرتكز على مبدأ الاقتراع غير المباشر، ويعود فيه للمجالس التشريعية في الولايات ولمندوبي العشائر أن يختاروا أعضاء البرلمان الاتّحادي الذين يختارون بدورهم رئيس البلاد. ومنذ أكثر من 50 عاماً لم تشهد الدولة المضطربة انتخابات وفق نظام "رجل واحد، صوت واحد".
حركة الشباب الصومالية
هي تنظيم مسلّح يوالي تنظيم القاعدة، فقد نفّذت الحركة هجمات إرهابية عديدة أوقعت مئات القتلى ومن بينها الهجوم على جامعة "غاريسا" الكينية وعلى مركز للتسوّق في نيروبي. تأسست "حركة الشباب الإسلامية" الصومالية في عام 2006 كذراع عسكرية لقوى سلفية مرتبطة بتنظيم القاعدة. تضم الحركة مئات الجهاديين العرب والأجانب وهي تهدف إلى إقامة دولة الشريعة. تنشط حركة الشباب بشكل خاص في مناطق وسط وجنوب الصومال ولديها علاقات قوية مع منظمات إرهابية أخرى مثل جماعة بوكو حرام النيجيرية.
الزعيم الحالي لتلك المنظمة هو أحمد ديري أبو عبيدة والذي خلف أحمد عبدي غودني (تزعّم الحركة من 2008 إلى 2014) المشهور بـ (الشيخ مختار عبد الرحمن أبو الزبير) والذي قُتل في غارة جوية أميركية في أيلول/سبتمبر 2014 جنوب الصومال، والذي تولى زعامة التنظيم خلفاً لآدم حاشي فرح عيرو الذي لقي حتفه في1 أيار/مايو 2008 في غارة جوية أميركية على منزله في مدينة غوريعيل وسط الصومال.
وفي عهد غودني وصلت الحركة إلى ذروة قوتها حيث سيطرت على ثلاثة أرباع العاصمة مقديشو وكادت تقضي على الحكومة الصومالية برئاسة شيخ شريف أحمد والمدعومة غربياً وأفريقياً لولا انسحابها المفاجئ من العاصمة في إثر ظهور خلافات بينه وبين المتحدث السابق باسم الحركة الشيخ مختار علي روبو أبو منصور الذي انسحب بمعظم قواته من العاصمة وانعزل عن الحركة إلى الآن ويعمل بشكل مستقل وهو أكثر اعتدالاً من القادة الآخرين.
الرئيس الأميركي يمدّد الطوارئ الوطنية بشأن الصومال لمدة عام
في 10 نيسان/أبريل 2023 مدّد الرئيس الأميركي، جو بايدن، حالة الطوارئ في الصومال لمدة عام واحد، إلى ما بعد تاريخ انتهاء مدتها في 12 نيسان/أبريل الجاري بسبب انعدام الأمن في البلاد. وقال بايدن في كلمة ألقاها أمام الكونغرس "لا يزال الوضع في الصومال يمثّل تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة". وأضاف "لذا قرّرت أنه من الضروري استمرار حالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق بالصومال".
وأدت أعمال القرصنة المستمرة قبالة سواحل الصومال وانتهاكات حظر الأسلحة التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إعلان حالة الطوارئ في 12 نيسان/أبريل 2010. وفي عام 2012 تم اتخاذ إجراءات بشأن تصدير الفحم الذي كان مصدر دخل رئيسياً لجماعة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة.
وزادت الحكومة الصومالية من هجماتها ضد حركة الشباب في الأشهر الأخيرة بدعم السكان المحليين، وكان ذلك الإجراء جزءاً من عدة قرارات اتخذها الرئيس حسن شيخ محمود الذي وعد عندما تولى منصبه بأن تكون مكافحة الإرهاب في قلب الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في أفريقيا.
الأمم المتحدة وجهود التسوية
وصل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى العاصمة الصومالية مقديشو في 11نيسان/أبريل 2023 ومن المقرّر أن يجري محادثات مع الرئيس حسن شيخ محمود وغيره من كبار المسؤولين الحكوميين. وتأتي زيارة غوتيريش لإظهار ما وصفه في وقت سابق بتضامن الصومال في مواجهة العمليات المسلحة التي تقوم بها حركة الشباب وتنظيم الدولة "داعش".
وقال غوتيريش إن العام 2022 كان الأكثر حصداً للضحايا المدنيين في الصومال منذ 2017، وذلك بسبب تزايد هجمات "حركة الشباب". وجاء في تقرير قدّمه الأمين العام إلى مجلس الأمن أن "الهجمات المستمرة التي تشنّها حركة الشباب والتي نجمت عنها انتهاكات لحقوق الإنسان وأعمال عنف على صلة بالنزاع وارتفاع حاد في أعداد الضحايا المدنيين تثير القلق".
كما أشار غوتيريش إلى أنه "خلال الفترة التي تناولها التقرير والممتدة من أواخر آب/أغسطس 2022 وحتى أوائل شباط/فبراير، سجّلت بعثة الأمم المتحدة في الصومال قفزة بلغت نسبتها 153% في حصيلة الضحايا المدنيين التي بلغت 1059 ضحية".
وأضاف غوتيريش خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود "أنا هنا أيضاً لأدقّ ناقوس الخطر حول الحاجة إلى دعم دولي كثيف... بسبب الصعوبات التي يواجهها هذا البلد لتعزيز قدرات الصومال الأمنية وإعطاء دعم إنساني كثيف لتحقيق استقرار هذا البلد وتنميته".
وسيجري غوتيريش، الذي سبق أن زار الصومال في آذار/مارس 2017، محادثات مع قادة سياسيين وسيزور مخيما ت للنازحين.
أخيراً وعلى الرغم من تسجيل مؤشرات تقدّم مشجّعة، إلا أنه يجب ألا ننسى التحديات المستمرة التي تواجهها الصومال. وفقًا لتوقعات الأمم المتحدة للعام، سيحتاج حوالي 8 ملايين صومالي (نحو نصف سكان البلاد) إلى المساعدات الإنسانية والحماية. فلا تزال النساء والأطفال، ولا سيما أولئك الذين يعيشون في مجتمعات المشردين داخلياً، يتحمّلون وطأة الأزمات الإنسانية المعقّدة في الصومال.
وفي ضوء موجات الجفاف الخطيرة الحالية أعلنت الحكومة الصومالية حالة الطوارئ الإنسانية. ومع ذلك، لا تملك الحكومة ولا المجتمع الإنساني الموارد الكافية للاستجابة لهذه الأزمة. تم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2021 التي تهدف إلى جمع 1.09 مليار دولار أميركي بنسبة 70% فقط. هناك حاجة ماسة إلى موارد إضافية للحؤول دون تحوّل الوضع الإنساني المتردي إلى كارثة.
تقف الصومال بلا شك على الخطوط الأمامية في مواجهة تغيّر المناخ. فتؤدي موجات الجفاف والفيضانات المتكرّرة إلى نزوح عدد كبير من السكان، والتوسّع الحضري السريع، والجوع، وسوء التغذية، والفقر. كما يُنظر إلى تغير المناخ على أنه محرّك للصراعات وتهديد لأمن البلاد، حيث يؤدي الصراع على الموارد الشحيحة إلى تعميق الانقسامات.
إضافة إلى ذلك، فإن فقدان سبل العيش التقليدية يجعل الناس عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب. يشهد الصومال حالياً موسماً ثالثاً على التوالي من انخفاض هطول الأمطار دون المتوسط، وتواجه 80% من البلاد تداعيات الجفاف ونقص المياه ونفوق المواشي. فواحد من كل خمسة صوماليين ليس لديه ما يكفي من الماء لتغطية احتياجاته الأساسية.
من الناحية الإيجابية، وكجزء من الجهود المبذولة للتخفيف من حالة الطوارئ المناخية، تبنّت الحكومة مؤخّراً، بدعم من الأمم المتحدة، هدفاً طموحاً لجهة المساهمة المحدّدة وطنياً من أجل تحقيق الأهداف المناخية العالمية، يتمثل بخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 30% بحلول عام 2030.