سوريا تخرج.. وتعود فماذا تغيّر؟

وإذا ما طرحنا السؤال عمّا تغير في سوريا منذ تجميد عضويتها في الجامعة العربية، يمكننا القول إنه لم يتغيّر شيء على مستوى استمرار بقاء النظام السياسي برئاسة بشار الأسد.

  • ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس السوري بشار الأسد
    ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس السوري بشار الأسد

تأتي القمة العربية في السعودية على خلفية متغيرات واضحة المعالم على المستوى العربي، يمكن القول إنها المرة الأولى التي تشهد فيها البلدان العربية هذا النوع من المتغيرات المتسارعة التي بدأت ملامح تأثيراتها بالوضوح أكثر فأكثر. وربما يمكن القول إن هناك إرهاصات لآليات عمل جديدة على المستوى السياسي العربي تشكل قمة الرياض أحد تجلّياتها. 

لمعرفة أفق المرحلة التي ستلي هذه القمة، لا بدّ من العودة إلى العام 2011، بالتحديد حين قرر وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة تعليق عضوية سوريا في الجامعة "إلى حين التزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية".

استتبع ذلك فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على دمشق. وطالب القرار "الدول العربية بسحب سفرائها من دمشق"، ودعوا حينها جميع أطراف المعارضة السورية إلى الاجتماع في مقر الجامعة العربية خلال ثلاثة أيام للاتفاق على رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية المقبلة في سوريا، على أن ينظر المجلس في نتائج أعمال هذا الاجتماع، ويقرر ما يراه مناسباً بشأن الاعتراف بالمعارضة السورية".

القرار اتخذ بموافقة 18 دولة، في حين اعترضت ثلاث دول هي: سوريا ولبنان واليمن، وامتنع العراق عن التصويت.

منذ ذلك الحين، حصلت متغيّرات مهمة على المستويات المختلفة عربياً وإقليمياً، ودولياً.

على المستوى الدولي، يمكن القول بأن أبرز المحطات التي تؤشر إلى المتغيرات العالمية المؤثرة والمتأثرة في الوقت عينه بالواقع العربي تتمثل في عوامل المد والحد التي تحصل بين القوى الكبرى الثلاث الأساسية التي تتصارع على إدارة النظام العالمي وهي: الولايات المتحدة وروسيا والصين.

على مستوى الولايات المتحدة، من الواضح أنها تسير وفق مؤشرات الحد من الدور، وقد تجلى ذلك بشكل واضح من خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية عام 2022 بهدف زيادة إنتاج النفط، والنتائج التي تمخضت عنها. 

كانت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية عام 2022 محطة أساسية بيّنت عن خلق الرياض هامشاً لحراكها خارج التماهي الكلي المعهود مع واشنطن، ما دفع صحيفة "واشنطن بوست" إلى وصف الزيارة بغير المريحة، ولا سيما أن بايدن كان يسعى لدفع السعودية إلى زيادة إنتاجها من النفط، فجاء قرار أوبك+ تخفيض مستويات إنتاج النفط ما أثار الكثير من الجدل.

كذلك ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن بوادر فشل الصفقة بدأت منذ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية، إذ خيّب ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان آمال بايدن، وأبلغه على الملأ بعدم قدرة بلاده على زيادة الإنتاج، وهو ما طمحت إليه واشنطن. هنا، يمكن القول إن ما حدث عام 2022 خلال زيارة بايدن، كان مؤشراً لقرار سعودي بعدم التماهي الكامل مع واشنطن. وهذا لم يحصل في المراحل السابقة بهذا الوضوح. هذا الواقع كان مؤشراً إلى أن هناك مجالاً متاحاً لهامش من الحراك العربي بغض النظر عن مدى النتائج التي تمخضت عنه على المستوى العربي العام. 

على صعيد الدور الصيني، يتضح أنها تسير وفق مسار المدّ أو التمدّد ولو ببطء، والدليل الواضح هو الاتفاق الذي حصل في بكين، عقب استضافتها مباحثات إيرانية -سعودية خلال شهر آذار/مارس من العام 2023 "استجابة لمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، وبالاتفاق مع قيادتَي المملكة والجمهورية الإيرانية ورغبة كل منهما في حل الخلافات" وفق بيان ثلاثي مشترك.

في العام 2023 جاء الاتفاق في بكين ليعبّر عن فتح الباب أمام الصين للدخول إلى عتبة المنطقة، ولو أن الأمر بالنسبة إلى السعودية كان له دلالات عديدة أبرزها الانعكاس المباشر على اليمن من خلال السعي لحل الأزمة اليمنية. 

على المستوى الروسي، يمكن القول بأن واقع روسيا اليوم استناداً إلى الحرب في أوكرانيا يعبّر عن المد الروسي في الساحة العالمية، الذي قابله محاولة تمدد أميركي -أوروبي من خلال "الناتو" والسعي لضم أوكرانيا إليه، فكانت النتيجة الحرب التي حملت صورتَي المد والحد. وهذه الحرب فتحت الآفاق السابقة الذكر ما مكّن السعودية من الاستفادة من الهامش المتاح.

هذه المسارات كانت لها تجليات واضحة في تبدل الرؤية السعودية واعتمادها سياسة جديدة لم تكن موجودة سابقاً، مستفيدةً من الواقع الدولي المساعد.

إذا ما نظرنا إلى الواقع الإقليمي، على المستوى العربي فسنجد عدة متغيرات أبرزها التطبيع بين الإمارات والبحرين و"إسرائيل"، والتقارب الإماراتي مع سوريا، وخروج أبو ظبي من الحرب على اليمن، كانت عوامل أساسية أسهمت في إحداث تغيير في السياسة الخارجية. 

بناءً على تلك المتغيرات، عمدت السعودية إلى التقارب مع إيران وهو ما تمثل في اتفاق بكين، كما خففت من حدة العداء تجاه تركيا.

انطلاقاً من تلك المعطيات، يمكننا تفسير العودة السورية إلى جامعة الدول العربية وفق منطق السياسة الخارجية السعودية الجديدة التي تتمثل بالبراغماتية التي تقوم على العمل لتحقيق المصالح من خلال السعي لاقتناص الفرص المتاحة.

 لا شك في أننا اليوم أمام متغيرات عالمية ترتبط بتأثيرات الساحة الأوكرانية، فبعد مرور أكثر من عام على الحرب في أوكرانيا لم يحصل تغيير في الواقع الروسي. لم يتضرر الاقتصاد الروسي كما كانت تأمل واشنطن، ولم يتراجع الدور الروسي على مستوى الأمم المتحدة، على مستوى الحضور في سوريا.

في المقابل، نشهد راهناً كيف تسعى الإدارة الأميركية لبلورة تحالفات تطوّق من خلالها المسار المتصاعد للصين، وهو ما ظهر عبر التوجه نحو أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية. 

على وقع جميع هذه الأوضاع، انعقدت القمة العربية في دورتها الـ 32 على مستوى القادة والزعماء العرب يوم الجمعة، الـ 19 من أيار/مايو الجاري في مدينة جدة السعودية، في ظروف استثنائية تمر بها المنطقة العربية والعالم من أزمات وصراعات إقليمية ودولية. تأتي القمة في ظل تزاحم الملفات الشائكة في العالم العربي، بدءاً بما يجري في السودان من صراعات ونزاعات، ومروراً بحال عدم الاستقرار التي تشهدها ليبيا والتوتر الذي يسود العلاقات الجزائرية -المغربية والنزاعات حول الصحراء الكبرى، إضافة إلى الملف اليمني الشائك وبطبيعة الحال ما يحصل في فلسطين.

لكن، على الرغم من أهمية كل تلك الأوضاع العربية، كان الحدث الأبرز الذي ميّز القمة هو استعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية، وحضور الرئيس بشار الأسد الذي تلقى دعوة رسمية من الملك سلمان بن عبد العزيز بعد غياب دام 12 عاماً.

وإذا ما طرحنا السؤال عمّا تغير في سوريا منذ تجميد عضويتها في الجامعة العربية، يمكننا القول إنه لم يتغيّر شيء على مستوى استمرار بقاء النظام السياسي برئاسة بشار الأسد، ولم يتحقق شيء من بنود المبادرة العربية، وها هي سوريا تعود إلى جامعة الدول العربية. إن الذي تغير هو الرؤية السعودية الجديدة للواقع العربي ولدورها في ظل هذه المتغيرات الكبرى.