سقطت ورقات التوت.. إضراب الأسرى
إذا قمنا بدراسة كل حالة أسير بشكل منفرد، فسنكتشف أن النصر سيكون حتماً هو النتيجة النهائية لهذه المعركة الجماعية.
في رسالة لهم قبل البدء بعملية الإضراب، وتمهيداً للمعركة التي سَقطت قبلها ورقات التوت، يقول الأسرى الثلاثون: "إن ممارسات إدارة سجون الاحتلال لم يعد يحكمها الهوس الأمنيّ كمحرك فعليّ لدى أجهزة الاحتلال، بل باتت انتقاماً من ماضيهم". هنا، بين طيّات الكلمات يُعبّر هؤلاء الأسرى عن معركتهم ضمن وعي وإدراك فعلي لطبيعة المواجهة مع المشروع الصهيوني، و ضمن قراءة دقيقة ومعمّقه لقانون الاعتقال الإداري الذي يمارسه الاحتلال على الأسرى الفلسطينيين كنوع من العقاب.
يُطلق الأسرى على الاعتقال الإداري اسم "المؤبد الصغير"، ويعدّ المعتقل الإداري مسجوناً تحت بند ما يعرف لدى الأسرى بـ"الملف السري"، وكثير من الأسرى يتم اعتقالهم تحت اسم الاعتقال الإداري، الذي يأتي بالأساس تحت بند "ضابط المنطقة"، إذ يقوم ضابط في "جيش" الاحتلال باعتقال الفلسطيني، وخصوصاً الأسرى السابقين لأنهم، حسب الرؤية الأمنية لضابط "الجيش"، يُشكّلونَ خطراً على "أمن دولة إسرائيل".
هناك محاولة أن تكون هذه المعركة منفصلة عن المعارك التي يخوضها الشعب الفلسطيني سواء داخل السجن، أو خارجه، وتعدّ هذه الخطوة قاسية من الساحة الخارجية للسجن تحديداً، وخصوصاً في ظل وطأة التهميش غير المبرر، والصمت الرسمي لأغلبية المؤسسات الرسمية، لأن الأسير الفلسطيني يبحث دائماً عن حالة التضامن معه وهو داخل السجن، وغياب هذا التضامن يجعل الأسير يخوض المعركة منفرداً، ما يُشكل خطراً عليه، وعلى طبيعة المعركة، خصوصاً أن الاحتلال يتعمّد هنا إيصال رسالة للأسير أن لا أحد يهتم بما تقوم به.
ونستطيع القول إن بقاء قضية هؤلاء الأسرى الثلاثين منحصرة ضمن فصيل معين، وتحديداً "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، هو خطأ قاتل، وسهم يضرب خاصرة المعركة من جهة، وتفتيت واضح لوحدة الساحات، وأيضاً أن تبقى هذه المعركة تخص عائلات الأسرى فقط، هو ضرب واضح لمفهوم الهم العام، والهم الخاص، على اعتبار أن أي حالة فلسطينية مقاومة تندرج ضمن الهم العام وليس الخاص، وهنا يتم تمرير ما يحاول الاحتلال العمل عليه منذ سنوات، وهو تحويل حالة الأسير، أو الجريح، أو الشهيد، كحالة عائلية، وأكثر فردية.
وبناءً على ما سبق، نستطيع القول إن هذا الإضراب يعدّ إضراباً نوعياً يقوم به هؤلاء الأسرى ضمن معركة يقودها أسرى ذوو تجربة طويلة مع السجن، خصوصاً ضمن بند الاعتقال الإداري، ولدى هؤلاء الأسرى فهم لحيثيات هذه المعركة، وشروطها، وأساليبها، وخصوصاً عندما نتحدث عن وجود أسرى مثل: غسان زواهرة، ونضال أبو عكر، وهيثم سياج، وصلاح الحموري، ورامي فضايل، وثائر طه.
إذا قمنا بدراسة كل حالة أسير بشكل منفرد، فسنكتشف أن النصر سيكون حتماً هو النتيجة النهائية لهذه المعركة الجماعية، وخصوصاً كما تحدثنا سابقاً، أن هؤلاء الأسرى لديهم من التجربة، والخبرة الطويلة في مقارعة الاحتلال، سواء خارج أقبية السجن، أو في داخله، ولذلك يحتاج هذا الإضراب إلى رسم خطة تضامن على الصعد السياسية، والإعلامية، والنقابية وحتى الميدانية، وأيضاً إلى تضامن من الأحزاب والحركات الفلسطينية داخل الحركة الأسيرة.
إن قرار الإضراب الذي اتخذه هؤلاء الأسرى هو قرع واضح لجدران السجن، وأكثر هو قرع لجدران الخيانة العربية، وخيانة اتفاقيات ابراهام، بل وقرع للضمير الإنساني ضمن أروقة الأمم المتحدة، والقانون الدولي "الإنساني"، واتفاقية جنيف. هنا، ومن خلال هذا الإضراب، يقول الأسرى ما قالهُ غسان كنفاني: إن هذا العالم يسحق العدل بحقارة كل يوم.
إن صلابة هؤلاء الأسرى يجب أن نؤمن بها، وأن نصدقها، لأن الاحتلال يكره هذه الصلابة، ويحاول كسرها، ويدرك العدو أن محاولة صناعة الأسير كمجرم قد فشلت، إذ تحوّل السجن مصنعاً للثورة، ووعي الأسير لمهمته هو الذي صنع هذه الثورة، ما الإضراب إلا ترجمة لهذا الوعي العتيق.
يقول الأسير عاصم الكعبي في رسالة له*: "يا أيتها المسافات الطويلة لماذا تبتعدين عني أكثر فأكثر، ألا يكفيني علو الأسوار الشاهقة من حولي! ألا تكفيني القيود والأغلال التي ترنو بأصواتها كلحن يعزف على إيقاع النكبات والجراح المتتالية في كل حين! ألا يكفيني جوعنا وآهات المناضلين من حولنا الذين يتلصصون خبراً من بين شقوق جدران الزنازين على حريتهم الضائعة منذ سنين طويلة!". بين المعنى والكلمات في رسالة الأسير عاصم تكمن قضية هذا الإضراب، الحرية الضائعة، فهي الهدف، وما الإضراب إلا وسيلة.
يقول هؤلاء الأسرى من خلال هذا الإضراب اليوم ما قاله توفيق زياد في قصيدته "يا شعبي يا عود الند":
يا شعبي يا عود الند
يا أغلى من روحي عندي
إنا باقون على العهد
إنا باقون
لن نرضى عذاب الزنزانة
وقيود الظلم وقضبانه
ونقاص الجوع وحرمانه
ألا لنفك وثاق القمر المصلوب
ونعيد إليك الحق المسلوب
ونطول الغد من ليل الأطماع
حتى لا تشرى وتباع
حتى لا يبقى الزورق دون شراع
يا شعبي يا عود الند
يا أغلى من روحي عندي
إنا باقون على العهد
إنا باقون.
*الأسير عاصم الكعبي من مخيم بلاطة - نابلس يقضي حكماً بالسجن الإداري، وهو أحد الأسرى المضربين عن الطعام، وقد بعث هذه الرسالة في ذكرى مرور 18 عاماً على اعتقاله الأول الذي استمر لمدة 18 عاماً بتهمة مقاومة الاحتلال والانتماء إلى كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، نشرت الرسالة بتاريخ 9أيار/مايو 2016.
أسماء الأسرى المضربين عن الطعام:
1. نضال أبو عكر.
2. إيهاب مسعود.
3. عاصم الكعبي.
4. أحمد حجاج.
5. ثائر طه.
6. رامي فضايل.
7. لطفي صلاح.
8. صلاح الحموري.
9. غسان زواهرة.
10. كنعان كنعان.
11. أشرف أبو عرام.
12. غسان كراجة.
13. صالح أبو عليا.
14. عوض كنعان.
15. ليث كسابرة.
16. صالح الجعيدي.
17. باسل مزهر.
18. مجدي الخواجا.
19. جهاد شريتح.
20. هيثم سياج.
21. مصطفى الحسنات.
22. عزمي شريتح.
23. محمد أبو غازي.
24. أحمد الخاروف.
25. نصرالله البرغوثي.
26. محمد فقهاء.
27. تامر الحجوج.
28. رغد شمروخ.
29. زيد القدومي.
30. سنار حمد.