زيارة بايدن للسعودية والفرصة السانحة لإنهاء الحرب على اليمن
وتعدّ تسوية ملف اليمن أحد تعهدات بايدن للناخبين الأميركيين، كما تُعدّ ورقة أميركية مهمة لإعادة ثقة الرياض بواشنطن.
تأتي زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى المنطقة العربية، والتي تعدّ الأولى منذ توليه الرئاسة، في إطار محاولة إعادة تكريس المصالح الأميركية في المنطقة، والحد من ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، من جراء وقف روسيا لإمداداتها من الطاقة إلى أوروبا على خلفية تداعيات عملياتها العسكرية في أوكرانيا، إذ فشلت واشنطن في تعويض النقص في إمدادات الطاقة العالمية عبر دول مثل فنزويلا وإيران.
وتُعدّ زيارة بايدن إلى السعودية المحطة الأهم في جولته، التي شملت كيان العدو الإسرائيلي المحتل والضفة الغربية، وتكشف زيارته السعودية زيف ادعاءات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تسقط دائماً أمام المصالح الأميركية، إذ تراجع الرئيس بايدن عن موقفه الرافض للقاء، أو حتى الحديث، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.ي
أيضاً تراجع عن تهديداته للنظام السعودي، التي أطلقها خلال حملته الانتخابية للرئاسة، واعداً بأن يجعل السعودية تدفع ثمن عملية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، والتي يُعدّ ولي العهد محمد بن سلمان المسؤول الأول عنها، وفق نتائج التحقيقات المنشورة للاستخبارات الأميركية، كما وصف بايدن السعودية بأنها منبوذة.
تهديدات بايدن لم تصمد كثيراً، فقد اضطُر قُبيل زيارته المنطقة إلى كتابة مقال في الصحيفة التي كان يكتب فيها خاشقجي، وهي صحيفة "واشنطن بوست"، موجهاً مقاله إلى الداخل الأميركي في محاولة منه لتبرير موقفه الجديد من النظام السعودي، وتأكيد التزامه بتعهداته الانتخابية على صعيد ملفات السياسة الخارجية، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية النصفية المزمع انطلاقها في تشرين الثاني /نوفمبر القادم.
وستكون هذه الانتخابات بمنزلة استفتاء على أداء إدارة الرئيس بايدن، ومستقبل بقائه في البيت الأبيض، في ظل تراجع شعبيته، وفق استطلاعات الرأي الأميركي، نظراً إلى فشله في إدارة عدد من القضايا مثل، مواجهة تفشي وباء كورونا Covid-19، ومعدلات التضخم التي وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ 40 عاماً، إذ بلغت 9 %، فضلاً عن ارتفاع الأسعار.
البيان الصادر عن البيت الأبيض، عشية اليوم الأول لزيارة الرئيس بايدن للسعودية، كشف عن النتائج المُعلنة للزيارة التي جاءت متوّجة لعدد من التفاهمات والاتفاقات المشتركة بين البلدين، والتي سبقت الزيارة، وهي توحي بدور إقليمي أكبر للسعودية. ولعل أبرز التفاهمات هو التعاون في مجال أمن الطاقة، والتزام السعودية بدعم توازن سوق النفط العالمي، وتصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بزيادة إنتاج السعودية من النفط إلى 13 مليون برميل.
أيضاً حققت الزيارة مزيداً من التطبيع والتقارب السعودي مع كيان العدو الإسرائيلي، في إطار المساعي نحو الدمج والقبول لهذا الكيان في المنطقة العربية، إذ سبق زيارة بايدن للسعودية زيارة وفد يهودي أميركي ضم رجال أعمال وشخصيات يهودية، مطلع الشهر الجاري تموز/ يوليو، مع موافقة السعودية على فتح مجالها الجوي أمام رحلات الطيران من كيان العدو الإسرائيلي وإليه، ليكون بايدن أول رئيس أميركي يتجه في رحلة جوية مباشرة من كيان العدو الإسرائيلي إلى السعودية.
وفي ما يخص إيران، وبالتزامن مع تصريحات المبعوث الأميركي إلى المحادثات النووية روبرت مالي، بأن إيران تملك من اليورانيوم ما يكفي لصنع قنبلة نووية خلال أسابيع، أبدى الرئيس بايدن، خلال زيارته، تجاوباً مع مخاوف حلفائه في المنطقة وهواجسهم، وفي مقدّمتهم كيان العدو الإسرائيلي والسعودية والإمارات من إمكانية التوصل إلى اتفاق في الملف النووي الإيراني.
وأكد بايدن التزام الولايات المتحدة بتقديم الدعم الكامل لتمرير مقترح كيان العدو الإسرائيلي، الذي يستهدف محور المقاومة، وفي مقدمته إيران،عبر تشكيل حلف دفاع إقليمي يدمج الدفاعات الجوية لعدد من دول المنطقة المتحالفة مع العدو الإسرائيلي، الأكثر استعداداً لتزويد دول عربية بأنظمة دفاع جوي إسرائيلية مثل، نظام الليزر المُسمى "الشعاع الحديدي"، وذلك في إطار إقامة منظومة إنذار جوي مُبكر، وهو الأمر الذي يُمهد لإمكانية قيام العدو الإسرائيلي بعمل عسكري ضد إيران ومنشأتها النووية بتنسيق مع حلفائه.
وفي ملف اليمن، يعدّ الرئيس بايدن تأسيس الهدنة القائمة في اليمن إنجازاً دبلوماسياً أميركياً، وامتداداً لذلك فقد تضمن بيان البيت الأبيض حول نتائج زيارة بايدن للسعودية التزام البلدين بتقديم كل ما هو ممكن لتمديد الهدنة القائمة في اليمن، ودعم الوساطة الأممية للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، والانتقال إلى العملية السياسية، مع تأكيد التزام واشنطن بمساعدة المملكة لحماية أراضيها، وتقديم الدعم العسكري في مجال أنظمة الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة.
تدرك واشنطن والرياض بأن الفشل في تمديد الهدنة، في مثل هذا التوقيت، تهديد مشترك لكلا البلدين، كونه يُمثل فرصة سانحة لقوات صنعاء لتكرار عملياتها النوعية، براً أو بحراً، من خلال ضرب منشآت النفط السعودية، وتعطيل إمدادات الطاقة العالمية، وهو ما يقتضي بأن تكون صنعاء جزءاً من الاتفاق السعودي-الأميركي الذي تم بشأن إمدادات الطاقة، وذلك في إطار توظيف صنعاء للمعطيات الراهنة التي قد لا تتكرر على المستويين الإقليمي والدولي، من خلال الدفع بإنهاء العدوان والحصار على اليمن.
وتعدّ تسوية ملف اليمن أحد تعهدات بايدن للناخبين الأميركيين، كما تُعدّ ورقة أميركية مهمة لإعادة ثقة الرياض بواشنطن، أضف إلى ذلك، أنه لا ضمان بعدم تأثر إمدادات الطاقة السعودية بكمياتها الحالية للسوق العالمي من دون اتفاق مع صنعاء، ناهيك بمطالبة واشنطن الرياض بضخ كميات إضافية من النفط، الأمر الذي، إن تم، سيكون له أثر إيجابي في إعادة ثقة الناخب الأميركي بالرئيس بايدن وحزبه، لاسيما خلال الانتخابات النصفية القادمة.
يُدرك الرئيس بايدن الذي يطمح لفترة رئاسية ثانية أن إخفاقاته الاقتصادية، أو تراجعه عن تعهداته في ملفات السعودية واليمن وإيران ستكون محل توظيف الحزب الجمهوري خلال الانتخابات النصفية، لذا فإدارة بايدن بحاجة إلى تحقيق إنجازات تُخفف من وطأة الأعباء الداخلية التي تواجهها.
وبالتالي، يُمكن أن يُشكل إنهاء ملف الحرب على اليمن مدخلاً أميركياً لتجاوب سعودي جاد مع طلبات بايدن، لاسيما في ما يخص إمدادات الطاقة، مع ضمان صنعاء بعدم استهداف تلك الإمدادات، وهذا يُحقق مصلحة أميركية، ومن شأنه أيضاً استعادة شعبية بايدن، وتجنيب حزبه الديمقراطي خسائر الانتخابات النصفية.
كما أن إنهاء الولايات المتحدة الحرب على اليمن من شأنه إعادة التحالف الاستراتيجي بين واشنطن والرياض إلى المسار الجديد الذي تريده واشنطن، ويحد من استمرار التقارب السعودي-الصيني لاسيما عسكرياً، إذ يمنح إدارة بايدن مشروعية استئناف صادرات السلاح إلى الرياض، بما فيها الأسلحة الهجومية التي سبق أن تعهد بايدن بوقف تزويد السعودية بها، وهو الأمر الذي دفع الرياض إلى التوجه عسكرياً نحو الصين، التي أصبحت أكبر مستورد للنفط السعودي مع احتمال التوجه نحو دفع الصين فاتورة النفط السعودي باليوان الصيني بدلاً من الدولار.
ختاماً، لاشك بأن طريقة المصافحة الخاطفة بين محمد بن سلمان وبايدن تختزل الكثير من الفتور في علاقات البلدين، وإن كانت نتائج الزيارة إيجابية على المستوى الإعلامي، فمن غير المتوقع أن تحصد الإدارة الأميركية ثمار الزيارة بالشكل الذي تُريده، فجدية الرياض في تجاوبها مع طلبات واشنطن تعتمد على مدى جدية واشنطن في تلبية مطالب الرياض، لا سيما في الملفين اليمني والإيراني، وسيتضح ذلك أكثر خلال المرحلة القادمة.
مهما يكن حجم الصفقة الفعلية بين الرياض وواشنطن، هل تنجح الرياض بأن لا يكون ذلك على حساب الإضرار بمصالحها المتنامية مع بكين وموسكو، وأن تتعاطى بحذر مع إدارة بايدن التي سبق أن خذلتها عسكرياً وسياسياً في ملفي اليمن وإيران.