رسائل الحرب والسلام في الخطاب الأخير للسيد عبد الملك الحوثي
أوضح قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي موقف صنعاء من تلك الأصوات المطالبة بالانفصال بأنها أصوات لا قيمة لها، لأنها لا ترتفع إلا إذا رفعها المحتل المُعتدي.
لم يعُد الوضع الحالي كما يصفه البعض بحالة "اللاحرب و اللاسلم"، فالعدوان مستمرّ وهناك تصعيد لرباعية تحالف العدوان ضد صنعاء، الأمر الذي ينتهك متطلّبات استمرار حالة التهدئة وجهود السلام، ويتضح ذلك التصعيد من خلال التحرّكات العسكرية لرباعية العدوان (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات) في المحافظات الجنوبية، وفي المياه الإقليمية اليمنية، مع رفع التحالف لمستويات الدعم السياسي والإعلامي لمشروعه في تقسيم اليمن، الأمر الذي يدفع صنعاء للتحرّك وإنهاء سياسة الصبر الاستراتيجي والبدء بتنفيذ خيارات استراتيجية.
تُعد سياسة الصبر الاستراتيجي إحدى أدوات "معركة النفس الطويل" التي تخوضها صنعاء ضد تحالف العدوان، وهي سياسة مُستمدة من ثناء الرسول الأعظم على أهل اليمن بقوله "الإيمان يمان والحكمة يمانية"، فالحكمة مصطلح جامع للعلم والفقه والصبر والحلم والعدل. لذا فالصبر الاستراتيجي سياسة مدروسة، وتنطلق من القوة، حتى وإن بدت لدول العدوان بأنها شكل من أشكال اليأس المتنكّر في ثوب الفضيلة.
الأمر الذي يُشجّع الرياض على التماهي مع توجّهات واشنطن التي تُعرقل استكمال مسار مفاوضات الرياض مع صنعاء، كما يتضح أن واشنطن نجحت في إقناع الرياض بأن الإبقاء على الوضع الراهن من دون حسم يُحقّق مصالح المملكة بشكل أفضل من استكمالها لمسار التفاوض مع صنعاء، والتوصّل إلى اتفاق تترتّب عليه نتائج والتزامات تجاه صنعاء.
تُدرك صنعاء أن استمرار سياسة الصبر الاستراتيجي من دون تحقيق أهدافها ستكون له ارتدادات سلبية، ولا سيما أن تحالف العدوان يسعى لتحويل صبر صنعاء إلى هزيمة ذاتية، وهو الأمر الذي لن تسمح به صنعاء، خصوصاً وقد مكّنت هذه السياسة صنعاء من معرفة نوايا دول العدوان، وقدّمت صورة أوسع لحقيقة ما يُحاك ضد اليمن، وهو ما يُمكّن صنعاء من التحرّك المدروس للردّ وتنفيذ عمليات الردع المناسبة.
خطاب قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي ألقاه بتاريخ 23 أيار/مايو الجاري بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة في وجهة المستكبرين تضمن عدداً من الرسائل التحذيرية المصحوبة بالنصح لدول العدوان وفي مقدمتها السعودية، وهي تحذيرات جادة وليست لمجرد الاستهلاك السياسي والإعلامي، وقد أثبتت الأحداث السابقة أن السيد عبد الملك رجل القول والفعل.
أهم تلك التحذيرات التي تضمّنها الخطاب أنّ صبر صنعاء في طور النفاد، ولا سيما بعد إعطاء مساحة لجهود الوساطة العُمانية، وأن على الرياض إثبات استقلاليتها عن واشنطن تحقيقاً لمصالحها، وأنه لا أمن ولا استقرار ولا طموحات اقتصادية للمملكة إلا بالتوجّه أولاً نحو السلام مع اليمن، والتزامها باستحقاقاته المتمثّلة في حدها الأدنى بإنهاء العدوان والحصار والاحتلال، ودفع التعويضات، وجبر الضرر وإعادة الإعمار، وحل ملف الأسرى.
صنعاء التي سبق أن حذرت تحالف العدوان بأنه لا يوجد ما تخسره أثبتت التنامي المستمر لقدراتها العسكرية ومكاسبها السياسية، وهي اليوم في حالة عالية من الجاهزية العسكرية لخوض جولة جديدة من مواجهة التصعيد العسكري لتحالف العدوان، يكون فيها العمق الحيوي للسعودية والإمارات هو ميدان المعركة الرئيسي.
وذلك من خلال تنفيذ صنعاء ضربات نوعية أوسع من سابقاتها بالصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة، مع عمليات توغّل بري داخل الحدود الجنوبية للمملكة، إضافة إلى تنفيذ عمليات بحرية نوعية تستهدف المصالح الاقتصادية لرباعية العدوان، وتحرّكاتها العسكرية في المياه الإقليمية لليمن، وقد يتطوّر الوضع إلى خوض معركة بحرية تُعطّل حركة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب.
وبالمحصّلة ومن واقع التجربة ستخرج صنعاء من أي معركة مقبلة بمكاسب إضافية، فيما لن تطال تداعيات هذه المعركة رباعية العدوان فحسب، بل ستؤثر على المصالح الدولية.
موقف صنعاء من مؤامرة تقسيم اليمن
أوضح قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي موقف صنعاء من تلك الأصوات المطالبة بالانفصال بأنها أصوات لا قيمة لها، لأنها لا ترتفع إلا إذا رفعها المحتل المُعتدي، وتنخفض حينما يخفضها، ولا حضور لها إلّا في إطار مؤامرات المحتل المعتدي، لذا فهي لا تُعبّر عن موقف حرّ يدعم قضية أو مظلومية.
بل هي أصوات نكرة تُعبّر عن تُوجّه حفنة من الخونة في المناطق الجنوبية والشرقية يتخذون من أبو ظبي والرياض مقراً لهم، ويتلقّون الأوامر من ضباط إماراتيين وسعوديين، ومن فوقهم ضباط أميركيون، وعليه فإن موقف صنعاء وتعاملها مع الوضع ينطلق من واقع الاحتلال القائم للجنوب والارتهان لسياسات المحتل لتقسيم اليمن.
في الوقت الذي تُقر فيه صنعاء بمظلومية المحافظات الجنوبية التي لا تختلف كثيراً عن مظلومية عموم محافظات اليمن، ترفض تقسيم اليمن ومعالجة الأخطاء بالأخطاء، لأن استعادة وحدة اليمن كهدف سامٍ لكل أبناء الشعب اليمني لم يكن الخلل المُتسبّب في مظلومية الجنوب، بل كان الخلل في وثيقة اتفاق إعلان الوحدة التي غاب عنها تأسيس المشروع الوطني، وتمّ اختزالها في 10 مواد.
إضافة إلى السياسات والممارسات الخاطئة وغير الوحدوية للنظام السابق، ومع ذلك ليس من الوارد حفاظاً على الوحدة أن تستدعي صنعاء شعار "الوحدة أو الموت"، الذي زايد عليه النظام السابق، وفي الوقت ذاته لن تسمح أن يكون مصير اليمن ووحدته قراراً خارجياً، أو قراراً أحادياً داخلياً، فالوحدة اليمنية ملك لثلاثين مليون يمني، أغلبهم من جيل الوحدة.
تأتي التوجّهات الانفصالية أو الدعوات الفيدرالية استجابة لحاجة تفرضها التعددية والانقسامات الدينية واللغوية والعرقية، كالانقسام الديني الذي قاد لانفصال تيمور الشرقية ذات الأغلبية المسيحية عن إندونيسيا المسلمة، أو تعدّد لغوي كما هو حال الاتحاد السويسري الناطق بأربع لغات رسمية، أو كالتعدّد الديني واللغوي والعرقي في الهند ذات النظام الفيدرالي.
أما اليمن فيتميّز بالتجانس والتعايش الاجتماعي والثقافي ولا وجود لانقسامات دينية أو لغوية أو عرقية، لذا فالتوجّهات الانفصالية وحتى الدعوات الفيدرالية لا تُعبّر عن حاجة مُلحة بقدر ما تعكس التدخلات الخارجية المُغلّفة بمبررات سياسية داخلية ضيقة تؤثر مصالح بعض النُخب على الكل، كما تُعبّر تلك التوجهات والدعوات في أحسن الأحوال عن حالة الإحباط والفشل في عملية إدارة الدولة ومواردها.
بناءً على ما سبق، فإن ما يحتاجه اليمن هو اللامركزية عبر نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات القادر على حل مشكلة المركزية السياسية والمالية والإدارية في إطار ديمقراطي داخل الدولة الواحدة، وهذا ما يؤيّده موقف صنعاء الذي تضمّنه خطاب رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء مهدي المشّاط بمناسبة حلول الذكرى الــ 33 للوحدة اليمنية، الذي دعا فيه إلى انتقال اليمن للحكم المحلي واسع الصلاحيات وتوقيع ميثاق شرف يلتزم به الجميع يؤسس للشراكة في إعادة بناء اليمن ومستقبله.
في كل الأحول لا يختلف العقلاء أن المدخل الصحيح لمعالجة مظلومية الجنوب يستوجب توفّر إطارين، الأول أن تكون المعالجة في الإطار الداخلي بعيداً عن التدخل الخارجي. وهو ما يقتضي أولاً إنهاء العدوان وخروج قوات الاحتلال الأجنبية من كل الأراضي والجُزر اليمنية، أما الثاني فألّا تتجاوز المعالجة إطار الإرادة الشعبية والمصلحة الوطنية.
ختاماً، على الرياض أخذ نصائح وتحذيرات قائد الثورة بجدية، وإعادة تقييم الوضع بشكل مستقل وبما يُحقّق مصالحها أولاً، ويتفادى انزلاقها في جولة جديدة من التصعيد العسكري مع صنعاء التي تُشير عروضها العسكرية الضخمة، والمناورات العسكرية التي أجرتها مؤخراً بأنها اليوم أكثر استعداداً لخوض معركة شاملة براً وبحراً وجواً.
فصنعاء لن تتردّد بتوجيه أقسى الضربات التي ستطال الأهداف الحيوية بما فيها المنشآت النفطية والاقتصادية، والمطارات والموانئ، وقد لا تتوقّف تلك الضربات إلا بضمانات دولية تُقدّمها الرياض لإثبات جديتها في مسار المفاوضات، والتزامها باستحقاقات إحلال السلام مع اليمن التي قد يتغيّر سقفها وفق طبيعة المعطيات الجديدة التي ستفرضها مكاسب صنعاء من المعركة.