حتمية إقصاء بايدن ونتنياهو عن المشهد.. أوقفوا العدوان الوحشيّ على غزة
من العار على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والهيئات الدولية والقانونية والإنسانية كافة، وجميع دول وشعوب الأرض، أن تمرّ الجرائم الأميركية والإسرائيلية، من دون حساب.
أيامٌ صعبة تعيشها مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً الرئيس جو بايدن، بعدما تعرّضت واشنطن والإدارة الأميركية كما "تل أبيب" وحكومة نتنياهو، إلى صفعة وصدمة ما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ودفعت الرئيس بايدن نحو أعلى فوهات براكين الغضب، وسط خواطر وهواجس ومخاوف وحسابات سريعة، أربكته وأجبرته على فعل ما يجب فعله بشكلٍ فوري، باعتباره الأميركي الأوّل المعني بحماية "إسرائيل".
كلّ ذلك وسط ملفات صراعاتٍ عسكرية ساخنة وسياسيةٍ معقّدة متزامنة ومترابطة، لطالما اعتقد أنه سبق ورتّبها وفق أولوياته وحساباته وإدارته، ووضعها على محاور دوران ثابتة، تدور حوله وحول كوكبه والعالم الأميركي الأحادي الخاص، واحتفظ لنفسه بملكية إدارة اللعبة ما بين الديمقراطيات الغربية والأنظمة التي صنّفها في "قمة الديمقراطية" بالاستبدادية وما يتبعها من أحزاب وحركات مسلحة يعتبرها إرهابية، والتي باتت تشكّل محوراً قوياً للمقاومة والنضال من أجل صد العدوان، واستعادة الحقوق والدفاع عن الأرض والهوية.
تحمّس بايدن ضد حماس، وأعلن حقّ "إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وأرسل ساسته وعسكره تباعاً، وزار "تل أبيب" بنفسه، على وقع وصول حاملات طائراته وقاذفاتها البحرية وعدد كبير من جنوده، وأرسل ما يكفي من الأموال، ومستلزمات الدعم اللوجستي والسياسي والإعلامي، وقاد سلسلة الأكاذيب بنفسه، وروى ما شاهده من فيديوهات تظهر حماس وهي تقطع رؤوس الإسرائيليين المدنيين، وأطلق تهديداته لإيران والحوثيين والسوريين والعراقيين وحزب الله في لبنان، وقرّر اجتياحاً برياً يسحق من خلاله غزة ما فوق الأرض، وغزة ما تحتها، ويُهجّر إلى سيناء من لا يقضي من الغزاويين بالمجازر والقصف والحصار الهمجي الإسرائيلي – الأميركي.. هكذا بدأ تحرّكه الأول بطموحات وأهداف عالية السقوف.
لكن حسابات الحقل والبيدر لم تتسق كعادتها، وتذّكر أنه على أبواب الانتخابات الرئاسية، وبأن قواته في الشرق الأوسط تحت مرمى جيوش وأحزاب وفصائل محور المقاومة، واستنتج من نتائج زيارته وساسته ووزير دفاعه، الخلاصة التي تؤكد أن "إسرائيل" غير قادرة على الدفاع عن نفسها ومستوطنيها ووجودها، حالها كحال قواته وقواعده المنتشرة في الشرق الأوسط.
واكتشف البون الشاسع ما بين بلينكن وكيسنجر، فالأول دعم خطط الجنون الأميركي عبر دعم جنون ويأس نتنياهو وماكرون وشولتز، بتوسيع نطاق المعركة بما يتخطى جبهة الشمال بمواجهة حزب الله، وخوض المعركة الإقليمية الكبرى، فيما ذهب الثاني ومنذ أشهر للحديث عن التهدئة والتعقّل وتغيير اتجاه الدفة الاستراتيجية، وأقلّه حرفها جزئياً انطلاقاً من أوكرانيا.
ووسط الحسابات المعقّدة، وتعدّد الآراء داخل الإدارة الأميركية وخارجها، قرأ بايدن قلق جميع من أدلوا بنصائحهم، حول إمكانية إضافة صراعٍ ساخن جديد إلى العدد الكبير من الصرعات التي تخوضها الولايات المتحدة حالياً، والتي باتت تشكّل مزيجاً خطراً، يتسم بالملحمية القذرة والتاريخية غير المسبوقة، وبدأت تحذيراتهم وأصواتهم تعلو، في وصف حالة البيت الأبيض، على أنها الأصعب والأكثر إثارةً للرعب والخوف منذ تولّي بايدن رئاسة البلاد.
وفي ظل انتشار أعلام فلسطين في مئات دول وعواصم العالم، والهتاف الذي تحوّل إلى هتاف عالمي "الحرية لفلسطين – الحرية لغزة"، "أوقفوا العدوان على أطفال غزة"، "أوقفوا الإبادة الجماعية"، وبالتوازي مع الانهيار النفسي والمعنوي في صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلي، على عكس ما يحصل في صفوف المقاومين، الذين باتوا يشتاقون لحظة المواجهة المباشرة، بعدما شحنت نفوسهم دماء وأشلاء الشهداء والجرحى والبيوت المهدّمة، والمشافي التي تخرج من الخدمة واحدة تلو الأخرى بسبب استمرار القصف الإسرائيلي والحصار ومنع دخول الوقود والمياه النظيفة والطعام والدواء، بموافقة وبأسلحة أميركية، وبدعمٍ "كان ، وسيبقى إلى الأبد، بحسب تصريحات بايدن، وسط كلام وزير الدفاع السابق روبرت غيتس، بأن البيت الأبيض بات "يحمل أحمالاً زائدة، ولا يرى الحفرة العملاقة في غرفة العمليات"، إضافة إلى ما ذهب إليه اللواء الإسرائيلي احتياط عاموس ملكا بأن "الاجتياح مهلكة، وإلغاءه هزيمة".
بدا بايدن مشتت الذهن، وبدأ يرتكب الأخطاء، ويهدر الوقت الثمين، من دون أي اعتبار لحياة الفلسطينيين الذين يسقطون في كل لحظة، نتيجة استمرار همجية نتنياهو وأحلامه وطموحاته وتفكيره بمستقبله وانتقامه، وسط تقاذفه والقيادة العسكرية الإسرائيلية الاتهامات وتحميل المسؤولية داخل الكيان، فيما لا يزال بايدن ومراكز صنع القرار في الولايات المتحدة يبحثون عن قرار الاجتياح الكامل، أو الجزئي، أو الهدنة والتسوية السياسية، والإفراج عن الأسرى وإدخال المساعدات، والاكتفاء بهزيمة "تل أبيب" وواشنطن، وتأجيل تداعياتها ما أمكن لأوقات الهدوء ما بين جولات المواجهة المفتوحة.
لكنّ، إضاعة الوقت لن تكون مجدية ومجانية، ولن يكتفي محور المقاومة بما حقّقه في غزة من انتصار عسكري وإعلامي، وتأييد دولي للحقوق الفلسطينية، وانكشاف حقيقة الهمجية الإسرائيلية والأميركية أمام شعوب العالم كافةً، وسيسعى إلى تحقيق أهدافٍ لطالما تحمّل لأجلها، ويرى بأنه قد آن أوانها، وبات على القوات الأميركية مغادرة الشرق الأوسط، والاعتراف بهزيمتها في أوكرانيا، وقبولها بدفن النظام الأحادي إلى الأبد، ومشاركة الصين وروسيا والقوى الكبرى في صياغة النظام العالمي الجديد.
ولحين قبول واشنطن بالأمر الواقع سلماً أو حرباً، لا تزال إدارة بايدن تراهن على تخفيف وطأة الهزيمة على نفسها وعلى سلطة الكيان الإسرائيلي المؤقت، لدرء التداعيات التي ستترتّب عليها، في مفاوضات الهدنة والتسوية والحلول التي ستأتي لاحقاً.
وفي صباح يوم الجمعة في الـ 27 من تشرين الأول/أكتوبر، قامت مقاتلاتٌ أميركية، بتنفيذ غارتين جويتين استهدفتا منطقة المزارع جنوب شرقيّ مدينة الميادين، ونقاطاً للقوات الرديفة للجيش العربي السوري، وسارع وزير الدفاع الأميركي للتنصّل من المسؤولية، وتأكيد أنها "بتوجيه من جو بايدن"، وكأنه أراد القول بأنها ليست بأوامر من البنتاغون، وادّعى عدم وجود علاقة للهجوم بما يحصل في غزة، في محاولة يائسة منه لفصل الملفات والجبهات، وغرف العمليات المشتركة على امتداد محور المقاومة.
يبدو أن بايدن كلّف أوستن بعدوانٍ جديد على سوريا، اعتقاداً منه، بأن الاستهداف سيشكّل رسالة ردعٍ حاسمة، من شأنها وقف الهجمات على القواعد الأميركية في كلّ من سوريا والعراق، وبأنها ستضع القواعد والجنود الأميركيين في حالة مأمن، وتفصل ما يجري في سوريا عن غزة، الأمر الذي سيساعد إدارة بايدن على اتخاذ قرار وتحديد شكل ومدى الاجتياح البري المزعوم.
لكنّ ردّ المقاومة لم يتأخّر، وأتى في غضون أقلّ من ساعة، وتمّ استهداف القاعدة العسكرية الأميركية في حقل العمر النفطي، في شمالي شرق دير الزور، بـ 10 صواريخ – بحسب وكالة تسنيم الإيرانية -التي ذكرت أيضاً، قيام واشنطن بإرسال رسالة إلى جهاتٍ في محور المقاومة تؤكّد فيها أن "لا نية لواشنطن بفتح جبهاتٍ جديدة".
إنّ تراجع واشنطن عن مضمون وأهداف عدوانها صباح يوم الجمعة في الـ 27 من تشرين الأول/أكتوبر، يؤكد إدراكها المتأخّر لارتباك بايدن ومَنْ حوله، وبأن رسائلها في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغزة مردود عليها، والأهم منها هي رسائل المقاومة.
باتت واشنطن عاجزة عن الرؤية بوضوح، وبأن المأزق الجديد الذي وضعت نفسها فيه إضافة إلى أزماتها الأخرى، لا يمكن حلها وفق غطرستها واعتمادها على الحروب وتكثيف التصعيد وسفك الدماء، فمخاوف انتشار وتوسيع الحرب تتزايد في الشرق الأوسط، بفضل الأخطاء الأميركية، وبات عليها مراجعة ما دار في القمة الأخيرة بين الزعيمين فلاديمير بوتين مع شي جين بينغ، واعتقادهما بأن "أميركا وغيرها من الديمقراطيات الكبرى قد تجاوزت أوجها وهي في حالة انحدار لا رجعة فيها".
على الولايات المتحدة أن تعيد حساباتها الداخلية تجاه دعم نتنياهو وحكومته، وبأن تستجيب لدعوات الدول والشعوب، وتسارع فوراً نحو وقف العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة، وبإزاحة بايدن من المشهد، وبالتخلي عن دعم نتنياهو، وتركه لمواجهة مصيره داخل الكيان، وبسحب أساطيلها البحرية من سواحل المتوسط، كخطوة تهدئةٍ أولى لمنطقة الشرق الأوسط برمّتها، وبانخراطها الفوري والجدي مع روسيا والصين والدول الكبرى في إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية، وبخروجها وانسحاب قواتها من سوريا والمنطقة، قبل فوات الأوان.
هل سيتحد العالم ولو لمرة واحدة، ويحاسب كلّاً من بايدن ونتنياهو، على جرائمهما بحق أطفال ونساء وأبرياء غزة، من العار على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والهيئات الدولية والقانونية والإنسانية كافة، وجميع دول وشعوب الأرض، أن تمرّ الجرائم الأميركية والإسرائيلية، من دون حساب.