تهويد القدس الشرقية انطلاقاً من القرار 3790

تعمل سلطات الإحتلال على إرغام المدارس الفلسطينية على تدريس المناهج الإسرائيلية عن طريق حرمانها من أي امتيازات أو مخصصات من ميزانية الخطة إذا رفضت، إضافة إلى سحب تراخيص بعض المدارس كما حدث عام 2022.

  • المحاولات الإسرائيلية لتهويد القدس.
    المحاولات الإسرائيلية لتهويد القدس.

يتصف الاستعمار الاستيطاني بالعنصرية، ويسعى للاستيلاء على الأرض واستغلال سكانها واقتلاعهم من أراضهم وديارهم بالإبادة أو التهجير، فهو يحوَّل البلاد التي يستعمرها إلى أرض جديدة ليمارس السيطرة عليها من خلال المستوطنيين.

هذا ما حدث وما زال يحدث في فلسطين على أيدي المستوطنيين الصهاينة الذين يسعون لتنفيذ مشروعهم الاستيطاني الاستعماري لتهويد كامل فلسطين، من خلال عمليات الإبادة الجماعية كما هو قائم الآن في غزة والضفة الغربية، أو من خلال إصدار قوانين أو قرارات تهدف إلى تحقيق مشروعهم التهويدي، وهذا ما يحدث من خلال القرار 3790 الذي اتخذته حكومة الاحتلال الإسرائيلي في أيار/مايو 2018 تحت عنوان تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية في القدس الشرقية، أو ما يسمى الخطة الخمسية، لكن الهدف الحقيقي لهذا القرار هو تهويد مدينة القدس الشرقية من خلال التعليم، وخصوصاً التعليم العالي عبر تحويل جميع المدارس العربية في الشطر الشرقي من القدس إلى تدريس المناهج الإسرائيلية، وتمكين الطلاب الفلسطينيين من إتقان اللغة العبرية عبر بناء 660 فصلاً دراسياً مخصصاً لطلاب الصفوف الابتدائية الأولى، أو من خلال برنامج رواد، الذي يقوم بتنظيم دورات تنظيمية تحضيرية لطلاب المرحلة قبل الأكاديمية الإسرائيلية، بهدف دمجهم في الوظائف المتقدمة والمناصب المهمة في القطاع العام الإسرائيلي.

كما طورت مؤسسات التعليم العالي برنامجاً أُطلق عليه برنامج البشير بهدف دمج الطلاب المتخرجين من المؤسسات الفلسطينية للدراسات العليا في نظام التعليم العالي الإسرائيلي، لدمجهم في سوق العمل الإسرائيلية، كمجموعة مؤثرة تقود التغييرات داخل أماكن العمل.

أما فيما خص الاقتصاد والعمالة فأنشأت وزارة العمل والرفاه والخدمات الاجتماعية مركزاً إرشادياً لطالبي العمل يطلق عليه مركز (ريان)، يعمل على توجيه العمال من الشطر الشرقي من القدس وتنسيبهم، فضلاً عن عدد من المشاريع التي ستتم بلورتها ضمن الخطة الخمسية، والتي أهمها "مخطط وادي السيليكون" التي أعلنت بلدية الإحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2020 موافقتها على المخطط الرئيس لوادي السيليكون في المنطقة الصناعية في حي وادي الجوز الواقع إلى الشمال من البلدة القديمة في القدس. يهدف هذا المخطط إلى تحويل منطقة وادي الجوز إلى منطقة مركزية عالية التقنية (وادي السيليكون) على غرار وادي السيليكون الأميركي، بهدف تحقيق الرخاء لسكان القدس. سينفذ المخطط على مساحة تقدر بـ 250 ألف متر مربع، تخصص لمراكز التوظيف الصناعية عالية التقنية، ومراكز تسوق، وفنادق. وكجزء من المخطط سيتم هدم 200 منشأة فلسطينية، ومصادرة 2000 دونم من أراضي حي وادي الجوز.

كما تنص الخطة الخمسية على تخطيط العقارات وتسجيلها، بحيث أقرت الحكومة الصهيونية 50 مليون شيكل لتسوية الأراضي في الشطر الشرقي لمدينة القدس بهدف تسوية 50 في المئة من الأراضي حتى نهاية عام 2020، واستكمال تسجيل 100 في المئة من الأراضي نهاية عام 2025.

ستتم عملية التسوية، التي بدأت عام 2018 بناءً على قانون الغائب وقانون تسوية الحقوق المتعلقة بالأراضي لعام 1969، الذي يقضي بأن على كل جهة، سواء كانت من الأفراد أو من الجمعيات، أن تثبت أنها تعمل في الأراضي أو تقيم عليها على نحو مستمر، ويسقط حق المدعي إذا مرت مدة خمسة عشر عاماً من دون أن يقوم باستغلال الأرض التي يقيم عليها.

أهداف القرار 3790 ودوافعه

1 _  تعزيز دمج القدس الشرقية في "إسرائيل": تهدف الحكومة الإسرائيلية من خلال هذا القرار إلى دمج القدس الشرقية بشكل أكبر في الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليين، وهذا يتم عبر تحسين البنية التحتية، بما في ذلك التعليم، الصحة، والمواصلات. 

2 _ تقليص الفجوات الاقتصادية: يدعي القرار أنه يهدف إلى تقليص الفجوات الاقتصادية بين القدس الشرقية والقدس الغربية عبر استثمار ملياري شيكل تقريباً في عدة قطاعات. وإن كان الهدف الفعلي هو السيطرة على السكان الفلسطينيين  والحد من المطالبات السياسية بحقوفهم.

3 _ تحسين الخدمات لتعزيز الولاء: تحسين خدمات الصحة والتعليم والرفاه الاقتصادي يأتي وسيلةً لدفع الفلسطينيين إلى قبول الوضع القائم، ولتقليل مشاعر المقاومة والرفض للإدارة الإسرائيلية. 

4 _ الحد من التأثير، فلسطينياً ودولياً، في القدس: القرار جزء من استراتيجية أوسع للحد من النفوذ، فلسطينياً ودولياً، في القدس الشرقية، وخصوصاً بعد قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" في عام 2017.

نتائج تنفيذ الخطة الخمسية على الواقع الفلسطيني 

تعمل سلطات الإحتلال الإسرائيلي على إرغام المدارس الفلسطينية على تدريس المناهج الإسرائيلية عن طريق حرمانها من أي امتيازات أو مخصصات من ميزانية الخطة إذا رفضت، إضافة إلى سحب تراخيص بعض المدارس كما حدث في آب/أغسطس 2022، بحيث تم سحب التراخيص الدائمة لمدارس الإيمان ومدرسة الكلية الإبراهيمية وإبدالها برخصة موقته بسبب رفض هذه المدارس الإذعان وتدريس المنهاج الإسرائيلي.

يتضح من إصرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض تدريس المنهج الإسرائيلي وتعليم اللغة العبرية للفلسطينيين في مدينة القدس، والتشديد على ضرورة إشراف وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، ووزارة الخارجية في المدارس التي تدّرس المناهج الإسرائيلية، الحد من التحريض ضد الاحتلال الإسرائيلي. وبالتالي، ستستخدم سلطات الاحتلال الإسرائيلية الثقافة والأيديولوجيا أداةً للسيطرة على الفلسطينيين لانتهاك وعي الطلاب الفلسطينيين وثقافتهم وهويتهم، وفرض الأيديولوجيا الصهيونية الحاكمة على مؤسسات التعليم.

أما فيما يتعلق ببند تسجيل الأراضي، ففي ظاهر القرار أنه يهدف إلى خلق مستقبل أفضل لسكان شرقي المدينة وتحقيق مصالحهم، وأنه سيكون في إمكانهم ترسيخ حقوقهم في السجل العقاري، إلا أن هذا بعيد عن الواقع، وخصوصاً مع تطبيق "إسرائيل" قانون أملاك الغائب في أثناء النظر في تسلسل ملكية العقارات. لذلك، سيعمل الاحتلال على استغلال قرار تسجيل الأراضي لمصادرة الأراضي الفلسطينية لمصلحة حكومة الاحتلال الاسرائيلي، وهذا سيمثّل هدفاً استراتيجياً لتعزيز عملية الاستيطان في مدينة القدس.

إذا نجح الكيان الإسرائيلي في تحقيق أهداف الخطة الخمسية، سواء بصورة كاملة أو جزئية، فإن ذلك سيؤدي إلى تعرض سكان القدس الفلسطينيين لتطهير عرقي صامت، يتحقق عبر اتجاهين متوازيين: الأول إقصاء السكان الفلسطينيين عن مدينتهم من خلال تجريدهم من ممتلكاتهم ومقوماتهم ومواردهم الاقتصادية وإمعان تبعيتهم للاقتصاد الإسرائيلي. الثاني، التطهير الأيديولوجي للعقل الجمعي الفلسطيني، عن طريق دمج الفلسطيني في المجتمع والاقتصاد والتعليم في "إسرائيل"، وبالتالي تجريده من الهوية الفكرية والانتمائية الفلسطينية، بحيث يصبح منتمياً إلى اللامكان، واللافكر. وتسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلية لتحقيق ذلك من خلال تدريس اللغة العبرية في رياض الأطفال وتدريس التاريخ الإسرائيلي والتراث اليهودي في المدارس العربية، فيدرس الطالب الفلسطيني بلغة المحتل، ويتشبع بثقافته، ويتقبله أمراً واقعاً، وأنه جزء من المجتمع وليس مغتصباً محتلاً.