النووي... لم لا؟
النقاش الذي تجريه القيادتان السياسية والأمنية في الكيان حول وقائع ما آلت إليه التطوّرات الميدانية والسياسية، فرض على مؤسسة القرار بلورة سياسة عملياتية بديلة في ضوء الفشل في الفصل بين جبهتَي لبنان وغزة.
"إسرائيل" في حالة ضِيق لم تعرفها منذ احتلالها فلسطين وإقامة "دولتها". ففي غزة لم تحقّق لها الفظائع الإجرامية ذلك النصر الذي لا يفتأ نتنياهو بإطلاق الوعود بتحقيقه.
والضفة الغربية تغلي في تمهيد لانفجار كبير يراه المراقبون مُقبلاً. وجبهتها الشمالية مع لبنان جعلت منها ملاكماً مدمّى يترنّح. ثم تأتي صواريخ اليمن التي تسبّب أحدثها بنقزة كبيرة في الكيان كما في دوائر حاميه الأميركي. وفي حين يؤكد المنطق البديهي أن لا جيش يريد خوض حرب على جبهات متعددة، فإن "الجيش" الإسرائيلي يواجه نصف دائرة من الخصوم الذين يتحدون دفاعاته ويتجاوزون مقدرتها على الصدّ والردع، من لبنان وسوريا إلى العراق وإيران واليمن.
من هنا فالنقاش الذي تجريه القيادتان السياسية والأمنية في الكيان حول وقائع ما آلت إليه التطوّرات الميدانية والسياسية، فرض على مؤسسة القرار بلورة سياسة عملياتية بديلة في ضوء الفشل في الفصل بين جبهتَي لبنان وغزة، كما أمام صواريخ اليمن والعراق ومسيّراتهما. وهذا ما فرض وقائع يستحيل تجاهلها، بينما تنقل قناة إي بي سي نيوز الأميركية عن بيتر ليرنر المتحدّث العسكري الإسرائيلي قوله إن المسؤولين العسكريين الإسرائيليين يدرسون "مجموعة واسعة من الخيارات" للردّ... وأمامهم الكثير من السيناريوهات المختلفة".
فأيّ خيار جديد "مُنقذ" يمكن لـ "إسرائيل" اعتماده، وقد فشلت حتى الآن جميع الخيارات التقليدية المتاحة التي اعتمدتها؟
ومَن يردَعها عن استخدام سلاح نووي تكتيكي لإعادة تأسيس ردعها التقليدي، في حال نشبت المعركة الفاصلة بينها وبين مِحوَر المقاومَة، ولا سيما أنّ إيران لا تملك حتى تاريخه سلاح ردع نووياً يقيّد يد "إسرائيل" النووية؟
ما هو النووي التكتيكي؟
"السلاح النووي التكتيكي"أو "السلاح النووي غير الاستراتيجي"، هو سلاح يمكن أن يُستخدم في ساحة المعركة مباشرة ولا تكون مفاعيله واسعة خارج ميدان القتال. إنه سلاح لا يُستخدم لتدمير مدن كبيرة ولا لإنهاء حرب قائمة، بل هو قصير المدى ومحدود الفعّالية يمكن استخدامه في نطاقات ضيّقة، غالباً مع وجود قوات صديقة على مقربة، وربما في منطقة صديقة متنازع عليها، ويُستخدم لتدمير رتل دبابات مثلاً أو مطار كبير أو إحدى الكتائب التي تتحرّك باتجاه أرض المعركة، بالتالي يُعَدُّ السلاح النووي التكتيكي أداة لتحقيق مكاسب محدودة، والحصول على بعض المزايا في مسرح العمليات، وليس القضاء نهائياً على العدو.
ومن الأمثلة على هذا السلاح يمكن ذكر الرأس الحربي الأميركي "ب 61" الذي يُعَدُّ الآن أصغر سلاح نووي في الترسانة الأميركية، وهو بقوة تبدأ من 300 طن فقط، وتنطلق في التنوّع بين 1.5 أو 10 أو 50 كيلو طن (بلغت قوة قنبلة هيروشيما 21 ألف طن).
كذلك جرى تطوير أسلحة نووية تكتيكية صغيرة يمكن حملها من قِبَل شخصين فقط، مثل الذخيرة الذرية الخاصة بالتدمير 17 (SADM)، وهي سلاح نووي محمول أنتجه الجيش الأميركي في ستينيات القرن الماضي ولم يُستخدم أبداً، ونظام الأسلحة "ديفي كروكيت"18 (Davy Crockett)، وهو عبارة عن مدفع صغير يمكن أن يُطلِق قذيفة نووية بقوة 10-230 طناً نشرته الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. وفي زمن الحرب، يمكن استخدام هذه النوعية من المتفجرات بيُسر لتحقيق فاعلية كبيرة في "نقاط الاختناق" مثل الأنفاق والممرات الجبلية الضيقة والجسور.
فهل هناك ما يحول دون تسليم أميركا لـ "إسرائيل" أسلحة من هذا النوع، طالما تنقل "سي أن أن" عن مسؤول أميركي قوله: "أميركا أكدت لإسرائيل أنها مستعدة لتقديم الدعم الكامل في حال اندلاع حرب شاملة مع "حزب الله"...؟ وطالما تنقل "رويترز" عن مسؤول أميركي آخر قوله: "نؤمن أن إسرائيل تملك حرية التصرّف لحماية نفسها والدفاع عن نفسها"؟...