الكنيسة الأرثوذكسيّة رهينة السياسة الأوكرانيّة
تعود أسباب اعتقال رئيس دير بيشيرسك إلى اتهام جهاز أمن الدولة الأوكرانية له، بانتقاد الانقسام الديني والتحدّث عن الحرب الأهلية.
ليست الحروب القائمة في العالم كلّها وليدة الأزمات المستجدة، بل هي نتاج مسار من المخططات التي تستهدف الثقافات والمجتمعات والمعتقدات، والأهمّ أنها تسعى لتشويه الأديان في إلباسها ثوب الإرهاب أم في اضطهادها، بمساعدة الانفتاح المشبوه الذي يندرج تحت مظلة ما يسمّى "عولمة"، الذي يدار بطريقة موجّهة هادفة، وهو ما نراه ونلمسه يومياً في أكثر من وجه...
إنّ المسّ بالمقدّسات الدينية والمعتقدات وقتل واحتجاز رجال الدين والراهبات في العالم، وحرق وتمزيق الكتب السماوية، وأخيرها حرق القرآن في السويد لم يتوقّف، لكنّ الاهتمام السياسيّ والإعلامي في الدول الغربية يشهد حالة شلل تام، لذا تبقى الوقائع مطموسة، ما يتيح انعدام الرقابة أو سهولة استباحة المقامات.
فضيحة جديدة اليوم تشهدها أوكرانيا، على خلفية هدفين، الأول سياسيّ، والثاني تجريد الكنيسة الأرثوذكسية من صلاحياتها والتصويب على عملها.
ففي الرابع عشر من تموز/يوليو من هذا العام، بدّلت محكمة مقاطعة سولومنسكي في مدينة كييف العقوبة بحقّ رئيس دير بيشيرسك لافرا في مدينة كييف متروبوليت فيشغورود وتشرنوبيل المتروبوليت بافيل (ليبيد)، ونقلته الى الإقامة الجبرية والاحتجاز المنزلي على مدار الساعة، حتى نهاية شهر آب/أغسطس، وأعلنت المحكمة عن كفالة مالية لإطلاق سراحه بقيمة قدرها 900 ألف دولار. المتروبوليت بافيل أكد أنه لا يملك مثل هذا المبلغ، وهو اليوم في السجن بعقوبة لمدة 8 سنوات مع مصادرة ممتلكاته.
تعود أسباب اعتقال رئيس دير بيشيرسك إلى اتهام جهاز أمن الدولة الأوكرانية له، بانتقاد الانقسام الديني والتحدّث عن الحرب الأهلية. ونتيجة لذلك، اتهم مكتب المدعي العام في أوكرانيا رجال الدين بالتحريض على الكراهية القومية والإقليمية والدينية، فضلاً عن تبريره سلوك الاتحاد الروسي. المتروبوليت بافيل، الذي يمثّل الكنسية الأرثوذكسية، والأخيرة تتعرّض لانتقادات من نظام كييف الذي يدعم المنشقّين عن هذه الكنيسة.
ثمّة من يقول، إن الاتهامات لفّقتها إدارة جهاز أمن الدولة، وإن إدارة الجهاز هدّدته بالمقاضاة الجنائية إذا لم يعترف بالميتروبوليت إبيفانيوس سيرجي (دومينكو) كرئيس للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، كما أبلغته عملها على انشقاق جميع "إخوانه" في الكنيسة الأرثوذوكسية إلى الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية.
يستخدم النظام الأوكراني القضية المرفوعة ضد متروبوليت بافيل لمصادرة دير بيشيرسك لافرا في كييف وتحويله إلى المنشقّين، وإضعاف الكنيسة الأرثوذكسية في البلاد. ويتعارض الاتهام الملفّق لرجل الدين المتروبوليت بافل، واحتجازه، مع الوثائق القانونية الدولية المعترف بها عموماً كميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك إعلان القضاء على جميع أشكال التعصّب والتمييز على أساس الدين أو المعتقد...
قضية الميتروبوليت بافيل تبقى بعيدة عن أيّ اهتمام دولي أو كنسي، وحده رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية البطريرك كيريل تحدّث إلى زعماء دينيين وقادة سياسيين آخرين، مناشداً إياهم بضرورة التحرّك، مشيراً إلى أن رئيس دير بيشيرسك لافرا في كييف، بلغ بالفعل سناً متقدّمة وهو مصاب بمرض السكري، وأنّ وجوده في مركز الاحتجاز السابق للمحاكمة يهدّد بتدهور خطير في صحته واحتمال الوفاة أثناء الاعتقال. ورداً على مناشدات البطريرك كيريل تجاوب البابا فرانسيس الأول، معلناً أنه سيحاول التعامل مع إطلاق سراح رئيس دير بيشيرسك لافرا في كييف.
ليست المرة الأولى التي يتم انتهاك الكنيسة بمذاهبها كافة، فهي ضحية الحروب والصراعات المتواصلة. ولعل المأساة مستمرة إلى اليوم، ففي العام 2013 تمّ اختطاف المطرانين يوحنا إبراهيم متروبوليت حلب للسريان الأرثوذكس وبولس اليازجي مطران حلب والاسكندرون وتوابعها للروم الأرثوذكس، اللذين كانا في مهمة إنقاذ في ريف حلب، بهدف تحرير كهنة سريان وأرثوذكس، وفي حين يبقى مصيرهما غير معروف إلى اليوم، استطاعت المساعي السياسية اللبنانية النجاح في إطلاق سراح راهبات معلولا الثلاثة عشرة في العام 2014.
قضايا الاختطاف والقتل والتعّرض للمقامات أو الرموز الدينية تنتشر أيضاً في أفريقيا، ولعل المطلوب إخفاء تلك الأخبار عن الرأي العام، والتقليل من أهميتها إذا ما انتشرت، لكن الخوف من المستقبل الذي يبدو أنه سيأتي بإطار التشويه للمسلّمات الأخلاقية، ولعل البداية ظهرت في تبنّي الحكومات الغربية "للمثليّة" ممارسة وحقاً وفي المناهج التربوية، واليوم تمدّد بفجور إلى عالمنا العربيّ ولبنان في المقدّمة...