الكرد والعشائر جولة جسّ نبض كسبتها أميركا
"قسد" قضت على انتفاضة العرب في شرق الفرات، والقوات الأميركية ازدادت عديداً وعتاداً، ولم يكن الأمر تبديلاً روتينياً، وهي تسعى إلى إقفال الحدود وعزل سوريا.
تجهد الولايات المتحدة الأميركية باتجاه محاولة تكريس جزء من مشروعها التقسيمي في المنطقة، بعدما فشلت في فرض خريطة شرق أوسط جديد، والتي من أهم نقاط فشلها، انتصار لبنان في حرب تموز/يوليو 2006 على "إسرائيل"، وانتصار سوريا ميداناً ونظاماً على مشروع إسقاط النهج والديمغرافيا بشكل عام.
الجولات الأميركية في سوريا تحديداً أخفقت، لكنها من الواضح أنها استطاعت خرق ثغرات تعتبر مهمة جداً، وهي إن استمرت تعيد شبح التقسيم في مناطق الأطراف، ما يؤثّر ليس فقط على دمشق السياسة والمجتمع، إنما على الدول المحيطة كالعراق وإيران وتركيا. لا شيء جديداً في خطة الأميركيين الثابتة بمحاولة تقسيم سوريا بعد التسليم بفشل إسقاط الدولة رئيساً ومؤسسات.
الاشتباك في شرق الفرات بين الكرد "قسد" والعشائر العربية حُسم لصالح "قسد"، والمعلومات تؤكد حصول صفقة لم يُكشف عن أثمانها بعد، أدت إلى هذه النتيجة إضافة إلى عوامل أخرى.
راعية الصفقة هي قطر التي احتضنت على أرضها اجتماعاً أميركياً مع بعض الشخصيات العشائرية المهمة، المقرّبة من الشيخ إبراهيم الهفل شيخ قبيلة العكيدات، الذي قاد المعركة ووصل إلى تخوم ذيبان، النقطة الأهم والمحورية التي كان من شأنها تغيير خريطة التموضعات وحسم المعركة لصالح العرب، لكنّ ذلك لم يتحقّق.
خسرت العشائر العربية معركة سيطرتها وكسر التمدّد الكردي بفعل ثلاثة عوامل، الأول: انقسام العشائر خصوصاً داخل قبيلة العكيدات بعد اصطفاف أهم رؤساء عشائرها مع الأميركيين، والثاني: عدم توفير الدعم اللوجستي من أفراد وذخائر للعشائر، ما يؤكد عدم صحة الكلام عن دعم من بعض الدول المجاورة لهم، والثالث: هو الدعم الأميركي البشري للكرد من مرتزقة وعرب بلغت أعدادهم الآلاف، وترك الخط الشرقي يسقط بأمرة العشائر واستدراجها إلى مدينة ذيبان، النقطة الاستراتيجية المتاخمة لحقل عمر النفطي، والتي عند حدودها ربح الكرد وربحت أميركا هذه الجولة.
"قسد" قضت على انتفاضة العرب في شرق الفرات، والقوات الأميركية ازدادت عديداً وعتاداً، ولم يكن الأمر تبديلاً روتينياً، وهي تسعى إلى إقفال الحدود وعزل سوريا ووقف الإمدادات من طهران عبر العراق وسوريا إلى حزب الله في لبنان.
ولم يأتِ كلام الرئيس العراقي السابق نوري المالكي عبثاً الذي كشف فيه منذ أيام، عن أن واشنطن طلبت منه مراراً عام 2011 إغلاق الحدود العراقية مع سوريا لكنه رفض ذلك، وربط المالكي الاتجاه الأميركي إلى إغلاق الحدود بالتحركات الموازية التي تحصل في درعا والسويداء. وفي سياق موازٍ أكد أكثر من مصدر أن وحدات أميركية قتالية بلغت 2500 فرد استقدمت إلى المنطقة، إضافة إلى 1500 تم نقلهم من قاعدة الحرير في أربيل إلى سوريا.
من الواضح أن المنطقة غير قابلة للاستقرار، على الرغم من أن مسار التفاوض الإيراني الأميركي يتجه نحو توقيع الاتفاق النووي بين الدولتين، وعلى الرغم من الانفراجات على خط الرهائن والأموال التي تسير بشكل منتظم.
الواضح أن التوافق يتم "بالقطعة" وأن مسار الاتفاق على الملفات كسوريا ولبنان طويل جداً، وغير وارد طالما أن الوجود الإسرائيلي قائم. ومن غير الصحيح أن الولايات المتحدة الأميركية تخرج من المنطقة، وهي تتقدّم بالملفات والمخططات بشكل ملحوظ لحين حسمها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية.
وما جرى في شرق الفرات هو توجيه رسالتين، أميركا موجودة وهي قادرة بواسطة "قسد" على حسم المعركة والسيطرة، وأن أي معركة أخرى يتدخّل فيها حلفاء أو مؤيّدو العشائر العربية، ستفتح جبهة الحرب العراقية السورية، بما فيها من تداخل كردي عربي، وبالتالي جبهة بين موالين لأميركا والحشد الشعبي، وهو ما سيربك وضع العراق الذي تلتزم حكومته باتفاقيات مع التحالف الدولي، عدا عن دور وطبيعة الموقف التركي المعادي لسوريا من جهة، والمعادي للكرد من جهة أخرى.
يبقى الانتظار وسط خلط أوراق سياسية وأمنية لن تتضح أهدافها المباشرة قريباً، على وقع انهيار اقتصادي تعيشه المنطقة التي لم تنجُ حتى من غضب الطبيعة التي ربما للأيادي السوداء أيضاً يد فيها!