الجزائر في ذكرى استقلالها.. شامخة وجاهزة لمكانتها المستحقة
ستبقى الجزائر مستمرة في دعوتها الملحة إلى إصلاح النظام العالمي، وفي دفاعها عن حق الشعوب المستضعفة في تقرير مصيرها بما تقتضيه القوانين الدولية، ووفق مبادئها الثابتة.
احتفت الجزائر بستينية الاستقلال والشباب بكل شموخ واعتزاز بقوتها وهيبتها، وبثبات مواقفها في عالم لا يقبل بالضعيف، ولا تعطى فيه السيادة لمن يفرط فيها قيد أنملة، ولا تحترم فيه إرادة الشعوب إلا إذا تماسكت لحمتها الداخلية ضد مختلف الحملات العدائية.
هذه الحملات، على الرغم من تصاعد وتيرتها، فشلت أمام صمود الجبهة الداخلية في الجزائر، المعزِزة لعوامل قوتها الاستراتيجية، والتي ستظلّ مؤكدة وجلية، وبكلّ سيادة وطنية وهيبة دولية، وبمواقف قوية مسنودة بلحمة وطنية ضد كل المخططات الخبيثة التي تُنسج خيوطها في غرف ظلامية، والتي يقودها المتحاملون على مشروع الجزائر العادل في نهجه التحرري، وفي مساعيه المدافعة عن أولوية التوازن الدولي في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ستبقى الجزائر مستمرة في دعوتها الملحة إلى إصلاح النظام العالمي، وفي دفاعها عن حق الشعوب المستضعفة في تقرير مصيرها بما تقتضيه القوانين الدولية، ووفق مبادئها الثابتة التي تترجمها بشكل واضح وعلني بمواقفها المشرفة والشجاعة التي أبانت المكانة المستحقة للجزائر إقليمياً وعالمياً، باعتبارها قوة ضاربة في حوض المتوسط، وفي القارة الأفريقية، ولا يمكن لأحد أن يتجاهل وزنها وقدراتها المتاحة ميدانياً، وفي شتى المجالات الاقتصادية والعسكرية.
عادت ذكرى الاستقلال ككل مرة بأسمى القيم الوطنية الخالصة والراسخة في وجدان الشعب الجزائري بمعاني الكفاح التحرري، وبما تحمله رسالة الشهداء الأبرار من قيم ومبادئ، ووصيتهم الأولى هي الحفاظ على مكاسب الاستقلال، مهما تعاقبت الأجيال التي ستظلّ تسعى لجزائر أفضل وأقوى في وجه تحديات تتزايد في محيط متقلب وغير مستقر في مستقبله المنظور.
وما اختيار شعار هذه المناسبة الغالية بربط التاريخ المجيد بالعهد الجديد سوى تعبير صريح برسائل واضحة مفادها أن الجزائر قوية، وهي محمية بشعبها وجيشها، ولا مجال أمام المشوشين على مشروعها الريادي برهاناته الاقتصادية الواعدة وبجاهزية الدفاع عن مصالحها الوطنية وعن أمنها الإقليمي.
أهمّ ما ميّز هذه الذكرى من حيث الاستعدادات الاحتفالية، هو ما تخلّلها من استعراضات عسكرية غير مسبوقة بوزنها القوي، وبالجاهزية والكفاءة القتالية، وبالعدة والعتاد النوعيين، ما أضفى على المشهد الاحتفالي نشوة الاعتزاز بإنجازات المؤسسة العسكرية التي تعتبر الحامي القوي والأمين للجزائر، كما تعتبر مصدراً لفخرها ومبعث اعتزاز لشعبها الأبي.
تستمر هذه العلاقة بين الشعب وجيشه، كما كانت إبان الثورة التحريرية، وتتجدد وتتأكد كما كانت بين الأجداد والآباء وإخوانهم المجاهدين في صفوف جيش التحرير، الذين قدموا نموذجاً يعتدّ به في التضحية، فمنهم من قضى لأجل حرية غالية، ومنهم من استمرّ في سبيل استكمال هذه الحرية التي لا تقبل نقصاناً، ليمضي أحفادهم اليوم بخطى احترافية كلّها حزم وعزم للذود عن الوطن بكل أمانة.
ومن المؤكّد دائماً أنَّ الجزائر متمسّكة بثوابتها، وهي تنحاز دوماً إلى قيمها، لتثبت عن جدارة سمو خياراتها ونجاعة قراراتها التي تعلنها، سواء ما تعلق بالأحداث الإقليمية أو بالأوضاع الاقتصادية في العالم بثقلها الإقليمي وبمكانتها العالمية.
إنّها نشوة انتصارات تتكرر في احتفالات عيدي الاستقلال والشباب الـ60 بأوسمة معنوية وعامة فوق كلّ تثمين وأعلى من أيّ تكريم، لكون الاحتفالات جاءت لتتأكّد فيها مرة أخرى فاعلية خطوات الحفاظ على الجزائر وجاهزيتها، رغم كل التحديات، مع ضمان متطلّباتها الجوهرية الّتي يعد مصدرها رسالة شهداء الأمس بقيم نوفمبر السامية والعادلة، لتعود هذه الاحتفالات هذه المرة عقب تجسيد نجاحات مواقف الجزائر الثابتة والمستندة إلى تلاحم شعبي يفوح سلماً أزكى من أي ياسمين، وينبض أملاً أزهى من كل ربيع.
إنها الجزائر التي تضيف إلى رصيدها مجداً يحمل معاني بالغة القيم بنضج هبة شعبها، رغم ثقل التحديات، ونجاحها رغم كثرة المؤامرات، وبتماسك قوي وصلب لمؤسساتها في وجه التجاذبات المحيطة.
يسجل التاريخ دروسه مرة أخرى عن نجاح الجزائر وشعبها في ثورة مسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، وهو يحتفل بها في ذكراها المخلدة يوم 5 تموز/يوليو 2022، في استعراضات للجيش الجزائري القوي والمحترف والعصري بجاهزيته العالية وبقدراته القتالية المتكاملة براً وبحراً وجواً.
إنها احتفالات تتميز بنشوة انتصارات محققة ومواقف شجاعة ضد الأعداء وكل عملائهم المعطلين لتطور البلاد، وخصوصاً ما كان يحاك من بقايا وأذناب الحاقدين والحاسدين والطامعين عبثاً في تأخير نمو وازدهار مستحق للجزائر وشعبها، الذي يرفض الأفكار الرجعية، ليعطي في سبيل ذلك دروساً وعبراً.
وفي سبيل ذلك، سيكون الحديث غير كافٍ. ولا يوجد تعبير أصدق من تجسيد طموح الشعب الجزائري وتطلعاته في مختلف مجالات الحياة. هذه حقيقة واجبة ولازمة لإثبات اكتمال الحرية بالاستقلال من كلّ تبعية، اقتصادية كانت أو ثقافية، وخير دليل على ذلك الانطلاق في لمّ شمل سياسي ومصالحة اقتصادية حقيقية تلبي طموح الشعب في رسالة الشهداء النوفمبرية.