البحرين: انتخابات بلا شعب.. ما الحكاية؟
صحيح أنَّ هناك إجراءً عقابياً، ولكن هناك أيضاً قانون العزل السياسي، والبحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تطبقه بحق الجمعيات السياسية المعارضة التي تم حلها بخلاف القانون.
يراقب الرأي العام في البحرين اقتراب تاريخ 12 تشرين الثاني/نوفمبر، وهو موعد إجراء الانتخابات النيابية والبلدية الصورية، في ظل مقاطعة شعبية حسمت قوى المعارضة الوطنية الموقف منها، ومن بينها جمعية "الوفاق الوطني" الإسلامية التي كانت لها في برلمان 2010 كتلة انتخابية نسبتها 65% من مجموع الأصوات الناخبة آنذاك.
في السنوات الماضية، لجأت المعارضة إلى خيار المقاطعة بنجاح لأربع مرات، كانت على الشكل الآتي:
- 24 تشرين الأول/أكتوبر 2002: احتجاجاً على صدور دستور المنحة بإرادة منفردة والانقلاب على ميثاق العمل الوطني الذي أنتج سلطة تشريعية عديمة الصلاحيات.
- 24 أيلول/سبتمبر 2011: بعد انسحاب كتلة الوفاق إثر اندلاع الأزمة السياسية.
- 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2014: أعقبها اعتقال الأمين العام لجمعية "الوفاق" كإجراء عقابي لعدة أسباب، منها نجاح المقاطعة.
- 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2018: لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 35%، بحسب تقديرات المعارضة.
في هذه التجارب، كانت السلطات تحاول اللعب بأرقام نتائج الانتخابات، والتسويق لأرقام تريد من خلالها الإيحاء بفشل المقاطعة، فضلاً عن إجراءات الترهيب الانتخابي المعتادة التي كانت تلجأ إليها، مثل التهديد بالحرمان من الخدمات الإسكانية والمعيشية والوظيفية للمقاطعين ولمن لا تحمل وثيقة سفرهم الختم الانتخابي، إلا أنَّها هذه المرة لجأت إلى حيلة إجرائية وعقابية عبر شطب عشرات الآلاف من سجلات الناخبين لمن قاطع مرتين.
وقد كانت زلَّة لسان رئيس اللجنة الإشرافية في المحافظة الشمالية محمد ميرزا أمان في 2018، عبر التصريح الذي أدلى به لجريدة "البلاد" البحرينية، السبب في الكشف عن هذه الحيلة، إذ كانت الحكومة تتذرع بأنَّه حذف تلقائي نتيجة التحول الإلكتروني، فضلاً عن أنَّ اللعب بالكتلة الناخبة كان من صلب اهتمامات الحكومة في انتخابات 2010، وشكت الوفاق آنذاك من اختفاء المئات من سجلات الناخبين.
وهنا، لا بد من التذكير بالرقم السري المخفي في الكتلة الانتخابية. إنَّه عدد كتلة التجنيس السياسي، وهي بالآلاف. وقبل صدور الرقم الرسمي للكتلة الانتخابية، تضمن الخبر الذي نشرته جريدة "أخبار الخليج" الحكومية، والمعتمد على أرقام الجهاز المركزي للمعلومات، نفياً سريعاً من الإدارة التنفيذية للانتخابات في 1 أكتوبر/تشرين الأول الجاري للتستر على حجم شطب أسماء الناخبين، والذي يقارب 100 ألف على الأقل.
صحيح أنَّ هناك إجراءً عقابياً، ولكن هناك أيضاً قانون العزل السياسي، والبحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تطبقه بحق الجمعيات السياسية المعارضة التي تم حلها بخلاف القانون، وهي "الوفاق" و"وعد" و"أمل. هذا القانون الذي حرم أعضاء هذه الجمعيات من حقوقهم السياسية في الترشح أو الانتخاب طال الآلاف.
هذا حال المعارضة وشارعها. إنهم معزولون سياسياً بشكل رسمي، وليس لهم وجود مؤسساتي قانوني ولا حقوق سياسية. ماذا عن جمعيات الموالاة؟ عبد الله الحويحي، الأمين العام السابق لجمعية "تجمع الوحدة الوطنية" - التي تم إنشاؤها لمناكفة المعارضة - اشتكى من إضعاف الجمعيات السياسية الموالية، رامياً التهمة على الإعلام الحكومي الذي شيطنها، بحسب قوله.
لكن الحقيقة هي أنَّ الحكومة بعدما قمعت المعارضة، لم تجد حاجة لتقوية المجتمع المدني. لذلك، هناك 9 مرشحين فقط تابعين للجمعيات السياسية من بين أكثر من 300 مرشح. لذا، في البرلمان القادم، تم تفتيت التكتلات النيابية للجمعيات السياسية، ومُلئت بالأفراد.
وما زاد على ذلك هو التعديلات التي أدخلت في اللائحة الداخلية لمجلس النواب في مرسوم ملكي صادر قبل أيام وسَّع صلاحيات رئيس المجلس - الذي يعينه الديوان الملكي رغم شكلية طريقة التعيين في داخل البرلمان - وضيَّق الصلاحيات البديهية والمساحة على النائب في الحديث والاعتراض، وكأنَّ البحرينيين أصبحوا أمام مجلس شورى ثانٍ (معيَّن)!
وجدت المعارضة في خيار المقاطعة وسيلة للتذكير بالأزمة السياسية وسحب أي ذريعة لتوفر الشرعية الشعبية للسلطة، وخصوصاً أنَّ هناك مجلس شورى ينافسه في الصلاحيات، بما يسحب المبادرة التشريعية.
كما أنَّ الحكومة، وفي ظل تعنتها الرسمي وعدم توقف سياسات التمييز والانتهاكات التي هي واجهة الدولة اليوم، وغياب أي إرادة للحل السياسي الداخلي من قبلها، كانت -بلا شك- ستستغل أي قرار في المشاركة -في ظل الظروف القائمة- لاستكمال سحق مقدرات المجتمع السياسي والإجهاز عليه، والأهم إتمام حفلة الانتقام والتشفي بحق المعارضة السياسية بسبب مناهضتها الحكومة، كيف لا وهي التي سعت لسنوات لإيجاد مجتمع مدني بديل موازٍ للمعارضة وأخفقت في ذلك!