البحرين والتعاون الأمني مع أميركا.. الحراك المضطرب
حسب الموقف العربي الذي نراه، والذي لم يكن مرضياً طبعاً لكنه غير معاد بشكل سافر على قوة ذراع المقاومة في كل جبهات التصدي والمواجهة، والتي تجتمع على تشكيل معادلة مختلفة تماماً عمّا كان عليه العرب سابقاً.
منذ أن أعلن أنصار الله الدخول على خط المواجهة مع الكيان المحتل في البحر الأحمر، وتالياً مع الأميركي والبريطاني، صارت ملفات المنطقة أكثر تعقيداً وتتسارع وتيرة الأحداث لتشبيك الملفات مما يصعب حلّها بطريقة تقليدية وبسيطة.
ومشاركة البحرين في التحالف الأميركي المسمّى "حارس الازدهار" والذي تأسس في 18 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، صعّد من حمى المشكلة الأمنية والعسكرية في المنطقة، ورغم أن الإمارات لم يرد اسمها في هذا التحالف، ألا أن مشاركة أبو ظبي أمنياً لصالح "إسرائيل" أمر تقرّه التسريبات التي تعجّ بها الصحف الأميركية والإسرائيلية منذ بداية طوفان الأقصى في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
ورغم أن الاتفاقيات الأمنية بين الكيان الصهيوني والبحرين والإمارات قد كبّلت البلدين في عدد من الملفات المتعلّقة بالوظائف الأمنية التي يمكن أن تقدّمها أبو ظبي والمنامة في عملية التخادم مع الكيان المؤقت، لكن ذلك لا يعني أن ثمة رضى تاماً على المحاكاة الأمنية التي تفرضها الحرب في غزة على البلدين، كتبادل المعلومات أو استخدام أرضيهما لتنفيذ هجمات ضد أهداف مفترضة لها علاقة بملف غزة.
وهنا الأمر لا يتعلق بالنوايا أو طريقة رسم التوجّهات، بقدر ما يتعلق بالمصالح الحيوية للبلدين.
البحرين تحديداً أكثر تعقيداً من الإمارات من جهتين: الأولى أنها تستضيف الأسطول الخامس، والذي بدوره يمارس أعمالاً عدائية ضد اليمن بشكل عملياتي، وضد محور المقاومة بشكل عام على المستوى الاستخباري والأمني، والثانية: أن الرافعة المالية والاقتصادية للجزيرة الصغيرة غير قادرة على امتصاص أي تداعيات قد تفرضها مواجهات مع أي طرف حتى لو كانت محدودة. لذلك تلقّت الجهات الرسمية في المملكة الخليجية تهديدات حكومة صنعاء بشيء من التغاضي، ولم تمارس البحرين أي نوع من الأعاصير الإعلامية التي اعتاد الجهاز الإعلامي الرسمي على ممارستها في مثل هذه الظروف.
البحرين كمنصة أمنية وعسكرية للأميركي وتالياً للإسرائيلي لم تستطع الانفكاك عن المشاركة المعلنة في تحالف تنصّل منه بلدان أكثر قوة واستقراراً كإيطاليا وإسبانيا، لكن الضربات التي جرّبتها قوة دفاع البحرين في الماضي إبّان الحرب المستعرة على اليمن، جعل العقل الأمني البحريني أكثر حذراً من المجاهرة بالتحدّي السافر المتواري وراء الجثة الأميركية التي تحمي مشيخات الخليج.
لم تنسَ المنامة التوابيت التي رجعت إلى البلاد في أيلول/سبتمبر 2023 في إثر هجوم للقوات المسلحة الأمنية على قوات مشتركة متمركزة على الحدود اليمينة المحاذية للمملكة العربية السعودية كقوة احتلال، وما يوضح التعقيد الأمني في المنطقة، هو مقتل عدد من الجنود الإماراتيين وضابط بحريني في شباط/فبراير الجاري في قاعدة "غوردن" الصومالية بمقديشيو، مما يرفع من الكلفة الأمنية في الاشتراك مع دول كبرى لها إمكانية تحمّل الخسائر أكثر من بلد صغير كالبحرين.
وتوضح الموجات البشرية الضخمة في العالم والتي خرجت نصرة لغزة مدى انسجام الحسّ الإنساني العالمي مع المظلومية الواضحة التي تكتبها دماء الفلسطينيين لأكثر من 150 يوماً، مما يجعل البروبغندا العالمية أكثر ضعفاً في مواجهة الحقائق الدامغة التي ينقلها الصوت والصورة، مما يصعّب على البلدان العربية التماهي التام مع الموقف الأميركي، خصوصاً في ما يتعلق بالمشاركة المباشرة أو شبه المباشرة في العدوان على غزة.
ولذلك فالانكفاء العربي الظاهر عن الدعم الكامل للخطوات الأميركية والإسرائيلية ليس وليداً لموقف سياسي مبدئي أو حسّ أخلاقي متعاظم، بقدر ما هو حساب دقيق للموجات الشعبية التي قد تقلب المعادلة إذا ما بالغت بعض البلدان في الانحياز الفاقع ضد الدم الفلسطيني، وهذه المعادلة تنطبق على مملكة البحرين ولا سيما أنّ الشعب من أوائل الشعوب العربية التي استنهضت قواها السياسية وقواعدها الشعبية لمناصرة القضية الفلسطينية منذ الأيام الأولى لقيام كيان الاحتلال وحتى هذا اليوم، ويدفع البحرينيّون عدداً من الأثمان المختلفة إزاء هذه النصرة.
وللأسباب السالفة، فإن من المتوقّع عدم اتخاذ البحرين مواقف حادة تجاه ما يقوم به محور المقاومة على الأقل في العلن، ولم يكن الموقف البحريني الشبيه بالموقف العربي العام ليكون كذلك لو لا أن ثمة مقاومة في فلسطين تصدّ الآلة العسكرية الإسرائيلية والتي لم تفطم من الرضاعة الأميركية، والتي تغذيها ليل نهار رغم بلوغ الكيان 75 عاماً على احتلاله.
من هنا يحسب الموقف العربي الذي نراه، والذي لم يكن مرضياً طبعاً لكنه غير معاد بشكل سافر على قوة ذراع المقاومة في كل جبهات التصدي والمواجهة، والتي تجتمع على تشكيل معادلة مختلفة تماماً عمّا كان عليه العرب سابقاً.
وهذه المعادلة الواضحة لم تُفرض على الواقع العربي وحسب، بل حتى على الأميركي والغربي، وهم الجهة الداعمة الكبرى للصهاينة ما كانوا ليتحدثوا عن جدولة حل الدولتين إلا لأنّ ثمة نوعاً من الانزياحات السياسية والأمنية المفروضة على كيان الاحتلال رغم كل ما قام به من تدمير وجرائم.
وكلما طالت أيام الحرب على غزة، سيكون الزلزال السياسي والاجتماعي في الكيان أكثر قوة وتداعياته أكثر تأثيراً.
ربما حان وقت إحياء المبادرات العربية على رخاوتها، لأن الظرف يعين على تشكيل حلّ سياسي ناضج، وإن كان غير مقنع لمن يؤمن بفلسطين من البحر إلى النهر.
الوضع البحريني الداخلي وفلسطين
من المؤكد أن الوضع البحريني على المستوى الداخلي لا يزال يعاني من حدة الأزمة السياسية والاقتصادية، ومؤازرة الشعب البحريني إلى فلسطين يزيد من تلك الحدة، لكنّ ثمة توافقاً سنياً شيعياً على الملف الفلسطيني وأحقيّته، ورغم أنّ ثمة انتقادات تطال الشعب البحريني وعدداً من الشعوب العربية لعدم الانتفاضة على حكّامها بشأن مغازلة التوجّه الأميركي، إلّا أنّ التفاعل في عدد من البلدان العربية ومنها البحرين مقارنة برهبة القبضة الأمنية والحس البوليسي القاتم لا يزال جيداً، وهذا التفاعل كالنبض قد يرتفع وينخفض، لكنه لا يموت.
وهذه اللحمة الوطنية البحرينية المطالبة بمواجهة الدعم غير المباشر لكيان الاحتلال هي نوع من أنواع التغيّر الدراماتيكي الذي فرضه طوفان الأقصى.