4 أشهر من الصمود والتحدي
بعد مرور 4 أشهر على بدء "الطوفان"، ما زال الغزيون، رغم أعداد الضحايا، يسطرون أسمى آيات البطولة، ويعلّمون العالم أن الانتصارات تتحقق بالإرادة والإيمان.
أسطورة يوم السابع من أكتوبر ومعركة "طوفان الأقصى" ما زالت طاغية رغم فداحة الخسائر في الأرواح والمباني والبنية التحتية. ورغم ذلك، ما زال أبناء شعبنا الغزيون صامدين ثابتين مرابطين، حتى في قلة موارد الحياة الأساسية، كالماء والغذاء والدواء والكهرباء والاتصالات والمأوى الواقي من الأمطار وبرودة الطقس.
ربما كانت الآمال معقودة على قرار محكمة العدل الدولية بوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري، ولكن كانت القرارات مخيبة للآمال. ومع ذلك، لم ييأس الغزيون، وهم يواصلون الصمود والتحدي باحثين عن كل سبل العيش الممكنة التي أصبحت صعبة المنال مع قلة دخول المساعدات الإنسانية في المجالات كافة.
ونتيجة لهزيمة العدو في هذه المعركة، مهما حاول قادته المهزومون البحث عن نصر وهمي بتدمير بعض الأنفاق والانتقام من المدنيين الآمنين بمزيد من القتل والتدمير الممنهج للمباني السكنية والمستشفيات والمساجد والتهجير القسري بحرب إبادة وجريمة حرب مكتملة الأركان، ودفعهم إلى الهجرة إلى الجنوب باعتباره مكاناً آمناً، إلا أن وحشيته تلاحقهم إلى خيام النزوح. وقد أصبح من الصعب القول إن هناك مكاناً آمناً في غزة.
منذ بداية الحرب، يحاول "جيش" الاحتلال الصهيوني أن يقضي على بؤر المقاومة، ولكن من دون جدوى، فالمقاومة ما زالت تتصدى وتقاتل وتهاجم قواته المهزومة في "المناطق التي أعلن السيطرة عليها"، كبيت حانون وبيت لاهيا وجباليا وغيرها، وتلحق بصفوفه الخسائر تلو الخسائر، وهو يحاول تبديل الألوية واستحضار قوات إضافية لحسم المعركة، ولكن بلا نتيجة.
بعد مرور 4 أشهر على بدء "الطوفان"، ما زال الغزيون، رغم أعداد الضحايا، يسطرون أسمى آيات البطولة، ويعلّمون العالم أن الانتصارات تتحقق بالإرادة والإيمان، وأن الأساليب التي تمارسها الدول العربية المهزومة من تشديد الحصار بمنع دخول المساعدات بذريعة أنها لم تحصل على موافقة من الجانب الصهيوني لإدخالها، ومنع الجرحى من تلقي العلاج في مستشفياتها إلا بعد دفع الخوات والرشا، والتي وصلت إلى 10 آلاف من الدولارات، في أي منطق وفي أي دين يحصل هذا؟ وأين التضامن العربي؟ هذا بدلاً من فتح الحدود وتحريك الجيوش لصدّ العدوان وإجبار العدو على الرحيل، كل هذا يحصل على مرأى ومسمع من دول العالم وهيئة الأمم المتحدة.
ما يعانيه أبناء شعبنا في غزة بسبب الحصار المستمر، ومنع وصول المساعدات، وتدمير محطة تحلية مياه البحر، وتدمير محطة تنقية المياه العادمة، وتدمير البنية التحتية والمباني، بحيث يصبح قطاع غزة مكاناً غير قابل للعيش، وأصبحت مشاهد الموت للأسف شيئاً عادياً، وأصبح الموت جوعاً حقيقة واقعة، وأسقطت المثل القائل: "ما في حدا بموت جوع"، لأن العناصر الرئيسية في شمال غزة، كالماء والغذاء وحليب الأطفال والدواء والوقود، غير متوفرة، وخصوصاً في ظل الأجواء الشتوية الباردة والماطرة، وتحديداً في المربعانية الفلسطينية.
والوضع في أماكن الإيواء وخيام النزوح ليس أفضل حالاً من الشمال، بحيث يتسول الإنسان بحثاً عن قطرة ماء ولقمة طعام وغطاء يعطيه الدفء، فالخيام مبللة وأرضياتها مغمورة بالمياه، والأطفال ينامون على فراش مبلول ويرتجفون برداً، وخصوصاً أن معظم المساعدات الإنسانية تتكدس على معبر رفح المصري الذي ينتظر الإشارة من العدو كي يسمح بدخولها. أي كفر هذا؟ وأي سيادة!
رغم ذلك، فإن شعبنا في غزة يصمد ويتصدى ويتحدى ويقاوم ولا يستكين، ومعنوياته عالية. تسمع هذه الكلمات على لسان معظم الغزيين: "فدا فلسطين وفدا المقاومة". هذا الأمر يزيد جنون العدو واستهدافه المدنيين والأطفال والنساء بشكل خاص، ولكن الأمهات الفلسطينيات يلدن ما يقارب 20 ألف طفل من دون الحصول على الطعوم الخاصة لعدم توفرها، ما يهدد حياتهم.
كل ذلك يحصل وحكومات العالم في سبات عميق، فيما شعوبها تطالب بوقف إطلاق النار ووقف الإبادة الجماعية، ويبحث العدو عن الوسائل للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، حتى إن محكمة العدل العليا عجزت عن إقرار قرار بوقف إطلاق النار الفوري، رغم قبول الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل"، والتي اعتبرت أن الأخيرة ترتكب أفعالاً تتنافى مع التزاماتها الدولية التي وقعت عليها، مطالبة إياها بوقف كل ما يتعلق بالقتل وإلحاق الضرر الجسدي والنفسي بالفلسطينيين، وتنفيذ إجراءات لتحسين أوضاعهم وتلبية الاحتياجات الإنسانية، وتقديم تقرير خلال شهر.
هذه القرارات، رغم أهميتها، لم ترتقِ إلا لرفع البطاقة الصفراء في وجه الاحتلال، وأهميتها أن الكيان لأول مرة في التاريخ يقف أمام محكمة دولية بتهمة ارتكاب أعمال إبادة جماعية، ويكون عاجزاً عن تبرير فعله المشؤوم، ولكن نتنياهو أعلن أنه سيواصل الحرب وسيحقق الانتصار، وهناك من وصف المحكمة باللاسامية، بالرغم من أن القرارات في مجملها ليست لطيفة اللهجة، وتعطي الاحتلال شهراً لضبط أوضاعه أو للقضاء على ما تبقى من الفلسطينيين.
لقد بات واضحاً أن إجراءات الاحتلال من تدمير وقتل وتهجير لن تؤتي أُكلها، وأن كل المؤامرات التي تحاك عربياً وعالمياً تتحطم على صخرة الصمود الأسطوري لشعبنا في غزة، وأن بشائر الانتصار بدأت تلوح رغم كل الصعوبات والخسائر الفادحة، وأن الاحتلال لن يستطيع تغطية هزيمته بغربال الانتصارات الوهمية.