"إسرائيل" تفشل "الجيش" يخسر حربه على غزّة
يستمر كبار الساسة والقادة العسكريين في تغذية الشعب بالأوهام، وكأنّ العملية العسكرية في رفح ستكون نهاية الحرب، لكن حتى لو تمكّن "الجيش" من ضرب "كتائب حماس" الأربع المتموضعة في المدينة، فكيف يمكن أن يغير الأمر الوضع العام للحرب؟
لغة جديدة باتت تتسلل خلف غبار المشاحنات المريرة التي تتناقلها الصحافة داخل الكيان مُنذرةً بانفجار كبير.
"هآرتس" كشفت جانباً منها في افتتاحيتها قبل أيام، مُشيرة إلى "أن برميل المتفجرات الذي نجلس عليه أصبح على شفا الانفجار... وبات لزاماً علينا ألا نصغي إلى ما يقوله رجال الجيش والشاباك... ومن الضروري إصدار مذكرة اعتقال بحق كل قائد يقوم بإرسال الجنود إلى الحرب".
الحقائق المرّة
كلام كبير يشكّل نقلة نوعية في الخطاب السياسي السائد يشبه ما نقلته "معاريف" من دون قفازات بقولها إن "من الواضح للجميع أننا لم نحقق أهداف الحرب... ولم يعد مُجدياً تضليل الشعب باستخدام كلمات رنانة لا تنقل سوى أنصاف الحقائق... فيما أعضاء المجلس الحربي يغرقون في تبادل الاتهامات بالإخفاق... من الواضح أن الأوان آن لكشْف الحقائق المُرَّة".
وتابعت الصحيفة لتُعرّي "المجلس الحربي" من آخر ورقة توت كان يحاول التستر بها، فذكّرت بأن هذا المجلس حدد أهداف المعركة بتقويض حُكم "حماس" والقضاء على قدراتها العسكرية وبذْل أقصى الجهود من أجل حل مسألة الرهائن، وصولاً إلى حماية حدود الدولة ومواطنيها... وهذا كلّه لم يتحقق منه شيء سوى الإخفاق الذريع.. فلا المجلس ولا حتى هيئة الأركان امتلكا أي خطة عملانية لتحقيق الأهداف المعلنة".
رئيس مجلس الأمن القومي، "تساحي هنغبي"، وهو في طليعة المتشددين، اعترف بهذا الواقع أمام اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية والأمن وأقرّ قائلاً: "لم نحقق أياً من الأهداف الاستراتيجية للحرب".
يحصل هذا على أرض الواقع فيما ينصرف "إعلام نتنياهو ومحللوه العسكريون" إلى "تمجيد هيئة الأركان ومجلس الحرب، ويُخفون عن الجمهور حقيقة إخفاق الجيش الذي لم يفلح على مدار 8 أشهر من الحرب في تركيع أضعف أعداء دولة إسرائيل".
نتنياهو هو المشكلة
هذه الإضاءات السريعة تذكّرنا بأن التهديدات الفارغة ذاتها تتواصل منذ ربع قرن، حتى إن "هآرتس" صاحبة شعار "المشكلة هي نتنياهو نفسه" عادت بنا مطلع الأسبوع الماضي إلى ما جاء على لسان رئيس الأركان الأسبق ووزير الأمن شاؤول موفاز عام 1998، عندما هدد بأنَّ "لبنان سيُمحى عن الأرض إذا أطلقوا صواريخ منه في اتجاه إسرائيل"... وهو ما لم يحدث البتّة، لا خلال ربع القرن المنصرم ولا مع نتنياهو اليوم".
هذا هو نمط نتنياهو الهابط في إدارة الرأي العام بدلاً من إدارة الحرب، فقد سبق للجيش بإيعاز منه (بحسب "معاريف") أن بشّرنا في كانون الأول/ديسمبر الماضي بأنه قضى على القدرات العسكرية لكتيبة جباليا – حماس، لكن في محاولة الاحتلال التالية في جباليا، فوجئت قواتنا بعدد مقاتلي "حماس" الذين ظلوا هناك، وبكثافة القوة النارية التي كانوا قادرين على إنتاجها، وها هو الجيش الإسرائيلي اليوم يبلّغنا مجدداً أنه تمت هزيمة كتيبة جباليا... إلا أننا سننسحب من هناك مجدداً... ثم سنضطر إلى العودة في مرة مقبلة"، والمعنى أن ما تتحدث به الحكومة والجيش لم يعد يستحق المتابعة.
وتأكيداً للمؤكد، تصف "جيروزاليم بوست" كيف انتصرت حماس في الحرب ضد "إسرائيل"، وكيف خسر الجيش حربه على غزة"، وكيف"فشلت الحكومة المتبجحة في تحقيق أهدافها المُعلنة". وتنتهي الصحيفة إلى استنتاج مفاده أنّ "إسرائيل بحاجة إلى قيادة جديدة... لا يكون رئيسها كما نتنياهو واقعاً في فخّ مطالب العناصر الأكثر تطرفاً من حوله".
حديث السلام
مرة أخرى أيضاً تستعين "هآرتس" باللغة الجديدة التي باتت معتمدة في كيان يتابع تدحرجه المقبل، فتطالب بوجوب "وقف القتال فوراً وتحرير الرهائن والأسرى كخطوة ضرورية ومطلوبة من أجل السلام".
وتتابع معتمدة اللغة ذاتها التي أوصت الناشطة الأميركية الداعمة لإسرائيل جنيفر لازلو مزراحي باعتمادها فتقول: "نعم، السلام ممكن ما دام هناك عدد من الناس على قناعة بأن هذا البلد يتسع لنا جميعاً، إسرائيليين وفلسطينيين، وأن السجن والاحتلال والحرب ليست طريقنا. وبرميل المتفجرات الخاص بنا ليس محصوراً بآلاف الأسرى الأمنيين، بل يكمن أيضاً في السياسة العنصرية الإسرائيلية التي تُطبَق منذ تأسيس دولة إسرائيل، ومؤداها أن "حقوق اليهود الكثيرة أهم من حقوق العرب هنا، وأن اليهود هم أسياد البلد"، وهذا كله كلام جديد وغير مسبوق.
ولعل الأبرز في هذا السياق ما قاله الكاتب الإسرائيلي عاموس هارئيل في "هآرتس" من أن حماس فازت من خلال الاستمرار في الوجود كقوة في غزة، وفازت أيضاً بإعادة الفلسطينيين إلى الخريطة الدولية بعد سنوات من الإهمال، ونجحت في جعل "إسرائيل" منبوذة في العالم مرة أخرى، وفي تعريض الخطة الأميركية الكبرى المتمثلة في تشكيل تحالف بين "إسرائيل" والدول العربية المعتدلة للخطر".
ويختتم هارئيل متسائلاً: "هل يعقل أن تستمر إسرائيل في الضغط من أجل تحقيق أهداف غير قابلة للتحقيق أم ينبغي لها التروّي والعمل نحو شيء يمكن تحقيقه؟".
باعة الأوهام
الجواب على ذلك اخترعه وزير الدفاع يؤاف غالانت بحديثه عمّا يسميه "الفقاعات الإنسانية"، بمعنى جمع السكان المدنيين داخل "فقاعات إنسانية" يجري في كل واحدة منها إنشاء منظومة مدنية مكونة من جهات محلية تدعمها "إسرائيل" ويتم تسليحها بسلاح خفيف، من أجل مواجهة الآلاف من مقاتلي "حماس" المدرَبين الذين لا يزالون موجودين في أرجاء القطاع".
وتخرج "معاريف" ملخصة الحالة: "في الوقت الذي تُباع الأوهام إلى الشعب، تقف إسرائيل على عتبة هزيمة ذات أبعاد تاريخية".
وسط كل ذلك، يستمر كبار الساسة والقادة العسكريين في تغذية الشعب بالأوهام، وكأنّ العملية العسكرية في رفح ستكون نهاية الحرب، لكن حتى لو تمكّن "الجيش" من ضرب "كتائب حماس" الأربع المتموضعة في المدينة، فكيف يمكن أن يغير الأمر الوضع العام للحرب؟
"جيروزاليم بوست" تنبش في مكان آخر، فتطالب "بخطة عملية لإنقاذ أكبر قدر ممكن من حطام الحرب في غزة وإعادة تأهيل صورة إسرائيل ومكانتها في العالم... بدلاً من مواصلة بيع الأكاذيب نفسها إلى الشعب والزعم بأننا على مرمى حجر من النصر، فيما نحن نقف على حافة هزيمة تاريخية...
فقد ارتكب مجلس الحرب وهيئة الأركان جميع الأخطاء التي يمكن ارتكابها، ولا تزال هاتان الهيئتان مصرّتين على مواصلة القيام بالأمر ذاته، على الرغم من أن هذه الاستراتيجيا أثبتت فشلها الذريع"، وهذا بالضبط ما توصل إليه الرئيس الأميركي جو بايدن حين أقر مساء الجمعة الماضي "أن هزيمة "حماس" واستعادة الأسرى الإسرائيليين عبر الضغط العسكري هما هدفان غير قابلَين للتحقُّق"، وهذا يعني أن المشكلة ليست في "الجيش" ولا في الحكومة، بل في نتنياهو نفسه، فهل يطيح اليمين المتطرف الحكومة أم يجبر رئيسها الهارب من خيار الدولتين على الإذعان لموجبات صفقة الرهائن؟