"الجيش" الإسرائيلي.. "جيش" دفاع أم عصابات قتل مرتزقة؟!
منذ بداية القرن الماضي وحتى يومنا الحاضر، وبمساعدة القوى الاستعمارية، تم بناء "جيش إسرائيل" من العصابات المرتزقة المأجورة، ليس بهدف احتلال فلسطين فحسب، بل تمَّ زرعها مستوطنةً دائمةً لإرهاب العالم الإسلامي بأسره.
يوجه علم الاجتماع دراساته حول بناء الدولة الناجحة التي من أهم مقوماتها البناء المؤسساتي العقلاني الهادف إلى إدارة شؤون الدولة وتنظيمها والمساهمة في إرساء الاستقرار ومنح أفراد المجتمع درجة من الأمن والرفاه الاجتماعيين.
وبينما يصنف علم الاجتماع الحكومة بوصفها إحدى أهم تلك المؤسسات لإقامة الدولة، فإنَّ الجيش يُعدُّ القلب النابض والركيزة الأساسية لمؤسسة الحكومة، ما حدا بالبشرية بأسرها، ومنذ فجر التاريخ، إلى الإجماع على دور الجيش الذي تُوكل إليه الأدوار الأساسية في حماية الدولة وشعبها ومقدراتها من أي اعتداء خارجي، واحترام دوره الأخلاقي في عدم انخراطه في أي اعتداءات على مقدرات الدول والشعوب الأخرى، وخصوصاً المسالمة والضعيفة منها.
على الرغم من حالة التوافق النظري بين الأمم الإنسانية على تلك المسلمات الأخلاقية الضاربة في القدم منذ فجر التاريخ وحتى يومنا الحاضر، فإن التاريخ والواقع البشري يوثقان حالات لا حصر لها لتجاهل عديد من القوى ذات الميول الاستعمارية هذا الإجماع الإنساني، باعتدائهم غير الأخلاقي على الدول الضعيفة استغلالاً لها وسلباً لمواردها واحتكاراً لمقدراتها الطبيعية، ما أدّى إلى وصم تلك القوى الخارجة عن الإجماع بالقوى الاستعمارية وبعديد من الصفات السلبية، وأدّى إلى تصنيفها ضمن القوى الإمبريالية الهادفة إلى السيطرة بقوتها العسكرية على الدول الآمنة.
على الرغم من كل تلك الصفات غير المحمودة التي التصقت بتلك القوى، فإن "إسرائيل" أضحت تمثل في العقل الجمعي الإنساني الاستثناء الأسوأ لتفوقها على كل تلك القوى الاستعمارية، حيث الأدوار الشيطانية والشريرة التي تمارسها ضد الفلسطينيين العُزّل، والتي لا يمكن للعقل البشري تصورها.
منذ بداية القرن الماضي وحتى يومنا الحاضر، وبمساعدة القوى الاستعمارية كبريطانيا بدايةً، وأميركا ومجموعة من الدول الأوروبية حالياً، تم بناء "جيش إسرائيل" من العصابات المرتزقة المأجورة، ليس بهدف احتلال فلسطين وسرقة مواردها فحسب، بل تمَّ زرعها مستوطنةً دائمةً لإرهاب العالم الإسلامي بأسره، وذلك من خلال ارتكاب الجرائم الممنهجة والإبادة الجماعية ضد أكبر عدد من السكان الفلسطينيين الأصليين المدنيين أسوة بما حدث للهنود الحمر والسكان الأصليين في القارة الأميركية، ولإجبار المتبقين من الفلسطينيين على النزوح القسري أو الطوعي من وطنهم فلسطين.
أما على الصعيد الدولي، فقد عمدت "إسرائيل" مدعومة بالقوى الاستعمارية العالمية، وخصوصاً الأميركية منها، لإرهاب المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية وإجباره على السكوت عن إدانة جرائمها ضد الفلسطينيين واحتلال أرضهم، وأجبرتهم على إضفاء الشرعية القانونية على سلوكها الإجرامي غير القانوني باعتباره استثناءً قانونيّاً، وذلك تعويضاً لها عن سنوات الاضطهاد والمعاناة التي عاشها اليهود في أوروبا عموماً، وما قام به النازيون ضدهم في ألمانيا فيما يعرف بالهلكوست.
وقد تمثل هذا الدعم الاستعماري والسكوت والتواطؤ الدولي جلياً في عام النكبة الفلسطينية عام 1948م، حين تم استجلاب المرتزقة المأجورين من دول العالم الغربي ليتم تشكيل عصابات القتل المسماة بالهاغاناهن والأرغون وشتيرن، والتي مثلت النواة الأساسية لما يطلق عليه اليوم "جيش الدفاع الإسرائيلي"، الذي ارتكب أبشع حملة تطهير عرقي ضد أبناء المجتمع الفلسطيني المسالم بتنفيذه عشرات المجازر، والتدمير الكلي لمئات المدن والقرى الفلسطينية، وتهجير ما يقارب مليون فلسطيني خارج وطنهم التاريخي فلسطين.
على الرغم من محاولات تلك العصابات إخفاء جرائمها في ذلك الوقت، وعدم السماح بنشرها ووصولها إلى مسامع المجتمع الإنساني عموماً، فإن عديداً من المؤسسات الحقوقية الغربية والتركية والفلسطينية تمكنت من توثيق بعض تلك الجرائم ونشرها في المجلات العالمية.
لكن الأمر الغريب والمثير للسخرية هو أن عديداً من أعضاء تلك العصابات قاموا مؤخّراً ببثِّ مقاطع للفيديو متفاخرين بأعمالهم الإجرامية من قتل وهدم وتهجير ضد الفلسطينيين العُزّل خلال عام النكبة. وقد شجّعوا المجندين الإسرائيليين الجدد على ارتكاب أعمال قتل مماثلة ضد المدنيين الفلسطينيين، مروجين بأنها أعمال بطولية وضرورية لبقاء "دولة إسرائيل"، بحسب زعمهم.
على الرغم من حالة الترهيب الممارس من قبل "دولة" الكيان الصهيوني المدعوم أميركيّاً ضد المجتمع الدولي، والتي تجعل منه مجتمعاً عاجزاً عن دعم قضايا حقوق الشعوب العادلة، وعلى رأسها حقوق الشعب الفلسطيني، فإنّ هذا المجتمع المرتعد خوفاً خرجت شعوبه وعديد من ممثليه الأحرار بالملايين منددين بهول ما شاهدوه من جرائم إسرائيلية مرتكبة في غزة خلال الحرب الجارية، والتي عُوقِبَ فيها الفلسطينيون بالإبادة لمطالبتهم بأدنى حقوقهم الإنسانية المنصوص عليها في القانون الدولي، ومنها حماية المسجد الأقصى باعتباره أحد أهم مقدّسات المسلمين من هجمات عصابات المستوطنين الذين يعملون ليلاً نهاراً لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم، ولمطالبتهم برفع الحصار الصارم المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 18 عاماً، وتحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
من خلال تلك الحرب، تم الكشف عن الهوية الحقيقية لما يسمى "بجيش" الدفاع الإسرائيلي، وأنه ليس أكثر من مجرد عصابات من المرتزقة المأجورين لممارسة القتل بلا رحمة، بمباركة كبار شخصيات كيانهم الصهيوني: رئيس الدولة، ورئيس الوزراء، ووزير دفاعهم، وعديد من المسؤولين رفيعي المستوى، الذين دعوا علانية لممارسة القتل والتجويع والتعطيش والقصف والتهجير ضد الفلسطينيين دون تمييز، داعمين مزاعمهم بنصوص توراتية محرفة بأن ما يقومونَ به هو أمر من الله لإبادة شعب العماليق وعدم إبقاء أحد منهم، والذين تم تشبيههم بصور غير آدمية لا تستحق الحياة لا هم ولا حتى حيواناتهم المنزلية، حاشدين جنودهم في الميدان ليمارسوا أبشع جرائم الإبادة ضد الأطفال والنساء وكبار السن من الفلسطينيين المدنيين.
ما زال العالم الحر من شعوب وقيادات مصدوماً من الشهادات الموثقة ذاتياً والمنشورة بالصوت والصورة من قبل أعضاء تلك العصابات المرتزقة المأجورين القادمين بالآلاف من الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وإيطاليا، وأوكرانيا، وإسبانيا، وعدد من البلدان الأخرى، والتي يعلنون فيها وبكل فخر أنهم مجندون مرتزقة وقادمون لممارسة القتل ضد الفلسطينيين في مقابل أجور مالية مدفوعة تصل إلى أكثر من 16 ألف يورو شهريّاً.
فمنهم مَن يتباهى ويلتقط الصور ومقاطع الفيديو بنجاحه في اعتقال المدنيين الفلسطينيين وتجريدهم من ملابسهم ونزعها لممارسة التعذيب ضدهم، ومنهم من يقوم باستهداف الصحافيين والأطباء والمحاضرين الجامعيين الفلسطينيين وقتلهم وعائلاتهم، وآخرون يتفاخرونَ في مقاطع الفيديو بالاحتفال بأعياد ميلاد أطفالهم وهم يقصفونَ ويدمرونَ منازل الفلسطينيين كهدايا عيد الميلاد، ونوع آخر يستمتع بإطلاق النار على المئات من المدنيين الفلسطينيين الجياع الذين يحاولون الحصول على المساعدات من أجل إطعام أطفالهم الذين يموتون جوعاً، وغيرهم يفاخرون بالبحث لقتل الأطفال الفلسطينيين فقط، وآخرون يختارون قتل المرضى الفلسطينيين في المستشفيات وإيقاف أجهزة التنفس وقطع الأكسجين عن الأطفال الخدج وحديثي الولادة، بل وقتل الحياة قبل أن تبدأ في آلاف النطف المجمدة في المراكز الصحية، والتي كانت تعطي بصيص أمل لآلاف العائلات التي تأمل أن يكون لديها طفل، وبعض هؤلاء المرتزقة تجاوزوا كل حدود التصور والمنطق البشري بأفعالهم الإجرامية، فأخرجوا الشهداء من قبورهم وسرقوا أعضاءهم وجلودهم، ثم أعادوهم جثثاً مشوهة. مما لا شك فيه أن قائمة الأفعال الإجرامية لتلك الحفنة المأجورة لا تنتهي، فمنها قليل تم الكشف عنه، ومنها جرائم كثيرة ما زالت خافية، وستكشف الأيام عنها قريباً حين تضع تلك الحرب أوزارها.
مما لا شك فيه أنّ الاستمرار في تكرار هذا السلوك الإجرامي المقزز والمتوحش واستعراضه من قبل تلك العصابة وَلّد شعوراً من الخوف والاشمئزاز على نطاق واسع بين الحكومات العالمية والمنظمات غير الحكومية والملايين من الشعوب والمؤثرين من المغنين والفنانين والرياضيين وغيرهم كثير في جميع أنحاء العالم، ما أدّى إلى تنظيم حملات من الاحتجاجات الهائلة التي أثبت من خلالها العالم الحر أنّ الضمير الجمعي العالمي الحُرّ المطالب بتحقيق العدل ما زال حيّاً، فقد وقفَ العالم بأسره، وللمرة الأولى، أمام ذلك الكيان الصهيوني المنبوذ وداعميه من القوى الاستعمارية الكبرى، وعلى رأسهم أميركا، رافضاً كل أشكال تلك الأفعال الإجرامية الدنيئة، مطالباً في تظاهرات يومية تضجّ بها الميادين العامة وتُنشر في صفحات التواصل الاجتماعي بوقف المذبحة المستمرة والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وتقديم أفراد تلك العصابة المرتزقة والمسؤولين والجنود لمحاكم العدل الدولية.
تلك النداءات يتم تجاهلها فقط من قادة الاحتلال الصهيوني وداعمهم الأميركي، منكرين ما أجمعت عليه البشرية بأسرها مما بدأ يظهر للإنسانية بأسرها ويرسخ الاعتقاد بأنّ "الجيش" الإسرائيلي ليس جيشاً متحضراً، وليس أخلاقيّاً كما حاولت "دولة" الاحتلال تقديمه على مدار أكثر من سبعة عقود، حيث الصفات الزائفة من التحضر والديمقراطية، بل هو ليس أكثر من "جيش" عصابة مرتزقة، لا يشكل تهديداً للفلسطينيين وحدهم، بل للبشرية جمعاء أيضاً.