هل ستكون الصين المحطة القادمة بعد سوريا وأوكرانيا في حروب الوكالات الأميركية؟
وعلى رأس القيادة الآن، يوجد بايدن، الذي أشعل حرباً بالوكالة في أوكرانيا لإضعاف روسيا. ولم يتجاوز عمر الصراع الأوكراني بضعة أشهرٍ، حتى هدد بايدن بالفعل بشنّ هجوم على الصين.
مؤخراً، أجرى مايك روبينسون مقابلة مع السيناتور السابق لولاية فيرجينيا ريتشارد إتش بلاك. يناقش بلاك في المقابلة مسألة الصراع في أوكرانيا، ويقارنه بالصراع في سوريا، ويبدي آراءه حول توسع حلف شمال الأطلسي. وقد قال إن لدى الولايات المتحدة سياسة استراتيجية تتمثل باستخدام وكلاء في خوض الحروب لإطاحة الحكومات الحالية، ورأى أن قرار الحرب في أوكرانيا اتُخذ في العاصمة واشنطن.
وقال بلاك إنَّ أوكرانيا لا تعني شيئاً بالنسبة إلى الأميركيين. ومع ذلك، فإن دفع مليارات الدولارات لتسليحها يترك أثره في حياة الأميركيين، فقد باءت حالة مماثلة في سوريا بالفشل، إذ تم استخدام إرهابيين إسلاميين متطرفين لتنفيذ مقترحٍ لتغيير النظام.
وفقاً للشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق لقطر، فإنَّ مشروع تغيير النظام الذي ترعاه الولايات المتحدة في سوريا يكلف مليارات الدولارات، وتديره الولايات المتحدة من خلال مكتب وكالة المخابرات المركزية في تركيا.
وقال بلاك: "إنَّ عنجهية حلف شمال الأطلسي تحول دون أي استجابة حاسمة لطلب روسيا المعقول بألا يتم قبول أوكرانيا في الحلف أبداً". وفي 19 شباط/فبراير، حثّ واشنطن على أخذ طلب روسيا بوقف توسع الناتو على محمل الجد، وقال: "رفض الناتو والولايات المتحدة الموافقة على طلب روسيا الإحجام عن التوسع الإضافي للتحالف وسحب القوات الأجنبية من الدول المجاورة لها"، مشيراً إلى أن هذا الاقتراح استوجب دراسة جادة، وأن رفض التفاوض من شأنه أن يضع روسيا في أزمة أمن قومي.
وفي وقت سابق، أخبر بلاك "سبوتنيك" أن اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين هو مؤشر على أنه يعتزم اتخاذ مزيد من الإجراءات في شرق أوكرانيا، في حين أعرب عن أمله في عمل الولايات المتحدة وأوروبا على حل الأزمة سلمياً.
وقال: "من خلال التوقيع على المرسوم، أوضح الرئيس بوتين جديته واستعداده لاتخاذ مزيد من الإجراءات. نأمل أن يدفع هذا الولايات المتحدة والقوى الأوروبية للعمل على حل الأمور بطريقة تتحاشى إراقة دماء كل من الروس والأوكرانيين".
لم يتفاجأ بلاك باعتراف مجلس النواب الروسي بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك في منطقة دونباس، وقال إن ذلك كان "مبرراً شرعياً، لأن أوكرانيا ألغت المسؤوليات المنوطة بها بموجب اتفاقيات مينسك، وقصفت المنطقة بالمدفعية، وفرضت حصاراً اقتصادياً على السكان".
وأضاف: "حتى الآن، ما زالوا يُعرِضون عن مخاوف روسيا الحقيقية. لدى الولايات المتحدة 200 جندي من الحرس الوطني لفلوريدا موزعة داخل أوكرانيا، وكذلك نشرت كندا قواتها هناك أيضاً. وقد شكلت مثل هذه الأعمال تهديداً غير مقبول لروسيا. وكان ينبغي أن يكون ذلك واضحاً لأي أحد. ومع ذلك، وإلى الآن، بدا السياسيون غافلين عن الخطر الذي يسببه توسع الناتو المتهور باتجاه الشرق لكل من روسيا والدول الغربية".
ويعتقد بلاك أن أوكرانيا المستقلة وغير المنحازة ستوجد الاستقرار في المنطقة. وقد أوضح مشيراً إلى إعلان النمسا الحياد في العام 1955 وتضمينه في الدستور: "من الناحية المثالية، يتم معاملة أوكرانيا كما كانت تُعامل النمسا خلال الحرب الباردة، إذ سمح الاتحاد السوفياتي لها بأن تصبح منطقة عازلة ذات سيادة وغير منحازة ومنزوعة السلاح بين الشرق والغرب".
من يكون السيناتور بلاك؟
ريتشارد إتش بلاك هو أحد الجمهوريين. شغل منصب عضو في مجلس شيوخ ولاية فرجينيا من 2012 إلى 2020، وتقاعد في نهاية فترة ولايته، وشغل سابقاً منصب عضوٍ في مجلس المندوبين في فرجينيا من العام 1998 إلى العام 2006.
وقد كان ضابطاً ذا مسيرة عسكرية حافلة، إذ خدم في مشاة البحرية الأميركية وفي فيلق "JAG" في الجيش الأميركي، وخدم ما مجموعه 31 عاماً ما بين نشط واحتياطي، وترقى من رتبة جندي إلى رتبة عقيد. كان طياراً في مشاة البحرية الأميركية خلال حرب فيتنام، وحصل على ميدالية القلب الأرجواني، لتنفيذه 269 مهمة بالمروحيات القتالية.
واجه بلاك انتقادات من وسائل الإعلام السائدة في الولايات المتحدة، لأنه يقدم وجهات نظر مختلفة عن وسائل الإعلام المنحازة والمؤسسية التي غطت الحرب في سوريا، من خلال تمجيد المتمردين وشيطنة الحكومة السورية. وفشل الإعلام في نقل أنّ ما يُسمى بالمتمردين يتبعون أيديولوجية الإسلام السياسي الراديكالية نفسها التي تبسطها "داعش" و"القاعدة" والإخوان المسلمون.
موقف بلاك من سوريا
في نيسان/أبريل 2014، بعث بلاك رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، يشكر فيها "الجيش العربي السوري على إنقاذه البطولي للمسيحيين في سلسلة جبال القلمون، ومعاملته كل المسيحيين والجالية اليهودية الصغيرة في دمشق باحترام"، وصرح أن من الواضح أن جانب المتمردين من الحرب كان يخوضه في الغالب "مجرمو حرب متوحشون مرتبطون بالقاعدة".
في العام 2015، أدرجت "داعش" بلاك في قائمة أعدائها، ووصفته بـ"الصليبي الأميركي"، ونقلت عنه التصريح الآتي: "هناك شيءٌ واحد واضح: إن سقطت دمشق، فإنَّ علم داعش الأسود والأبيض المفزع سيرفرف فوق دمشق... وفي غضون أشهر، بعد سقوط دمشق، ستسقط الأردن، وسيسقط لبنان. أعتقد أنكم ستشهدون تلقائياً بداية زحفٍ تاريخي للإسلام تجاه أوروبا، وأعتقد أن غزو أوروبا سيحصل في نهاية المطاف".
في 27 نيسان/أبريل 2016، ذهب بلاك في رحلة لمدة 3 أيام إلى سوريا، وتحدث عن رحلته في سلسلة من الرسائل المتبادلة في "تويتر" مع صحيفة "واشنطن بوست"، وكتب أن الولايات المتحدة "تحالفت مع دولتين من أشد الدول لؤماً على وجه الأرض، هما المملكة العربية السعودية وتركيا، اللتان تعتزمان فرض حكومة [وهابية] متشددة على الشعب السوري".
وفي 28 نيسان/أبريل 2016، أعرب بلاك عن قلقه من العقوبات الأميركية التي منعت المستشفيات السورية من استيراد المواد اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية وتقديم الرعاية الطبية الأخرى، وذلك أثناء زيارته لمستشفى في دمشق يقدم العلاج لجنودٍ فقدوا أطرافهم في قتال الإرهابيين.
ووصف العقوبات الأميركية بأنها جريمة ضد الإنسانية، في بلد قدم العلاج المجاني للجميع في المستشفيات العامة. وقال: "يجب أن نوقف هذه الحرب القذرة ونرفع الحصار الاقتصادي". نظر بلاك إلى الصراع السوري على أنه مؤامرة تنفذها القوى الأجنبية لتدمير البلاد، مستغلةً الأخبار الكاذبة في وسائل الإعلام السائدة.
رحلة السيناتور جون ماكين إلى سوريا
بينما دخل بلاك إلى سوريا بشكل قانوني، دخل السيناتور الجمهوري مواطن ولاية أريزونا، جون ماكين، إليها في أيار/مايو 2013 بشكل غير شرعي، من دون أي تأشيرة أو تنظيمٍ على الحدود. كان دخول الأجانب غير القانوني إلى أريزونا قضية رئيسية بالنسبة إلى ماكين على الصعيد المحلي، ولكنه خرق القانون بنفسه متعمداً.
كما دخل ماكين إلى إدلب بشكل غير قانوني من تركيا، واستضافه الإرهابيون الذين توظفهم الولايات المتحدة. واتُهم لاحقاً في وسائل الإعلام الأميركية بمجالسة إرهابيين، بعد أن تم التعرف إلى أحد الرجال الذين وقف معهم لالتقاط الصور هناك على أنّه خاطف دولي، وتم التعرف إلى رجل آخر في الصورة على أنه الزعيم المستقبلي لتنظيم "داعش"، البغدادي، الذي قُتل لاحقاً في إدلب، حيث التُقطت صورة ماكين.
وفي العام 2017، أوقف الرئيس ترامب برنامج وكالة المخابرات المركزية الذي دعم الإرهابيين في سوريا.
استطلاع أميركي بشأن أوكرانيا
18% فقط من الجمهوريين الذين شملهم استطلاع جامعة مونماوث يوافقون على تعامل بايدن مع أزمة أوكرانيا، مقارنة بـ77% من الديمقراطيين، فيما يؤيد 69% ممن شملهم الاستطلاع - نُشر في 11 أيار/مايو - إرسال المزيد من القوات العسكرية الأميركية إلى أوروبا الشرقية لردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تصعيد الصراع، إلا أنّ 41% فقط يؤيدون إرسال قوات عسكرية أميركية إلى الأراضي الأوكرانية.
موقف بايدن من تايوان
يتابع التايوانيون مقاطع فيديو للتدريب الأساسي للجيش الأميركي عبر الإنترنت، وهم ينفذون التدريبات استعداداً لحرب محتملة مع الصين، فقد حذرت الولايات المتحدة تايوان لعقود من التهديد المحتمل للصين، واستخدمت الصراع الأخير في أوكرانيا لإثارة الذعر فيها.
تدّعي بكين أن تايوان مقاطعة صينية. وقد أقسمت على "توحيدها". أنفقت تايوان المليارات على مشتريات الأسلحة من الولايات المتحدة. وفي الأسبوع الماضي، أمر وزير الدفاع بالعودة إلى نظام العام الكامل في التجنيد الإجباري للشباب التايوانيين، وأنهى الخدمة العامة البديلة غير العسكرية.
دعا الأدميرال لي هسي مينج، رئيس البحرية السابق ورئيس الأركان العامة، إلى قوة دفاع إقليمية مدعومة من الحكومة، وتمت كتابة مقترح لي مع الخبير العسكري في جامعة جورج ميسون مايكل هونزكر.
حذَّر الرئيس الأميركي جو بايدن، أثناء حديثه في اليابان مؤخراً، من أنَّ الصين "تخاطر" فيما يتعلق بتايوان، وتعهد التدخّل عسكرياً لحماية الجزيرة إن تعرّضت للهجوم، وربط بين غزو تايوان وروسيا وأوكرانيا، وهي المرة الثانية في الأشهر الأخيرة التي يعلن فيها صراحةً أنَّ الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا شنّت الصين هجوماً.
وعندما طرحت الصحافة سؤالاً عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان عسكرياً، على الرغم من عدم فعلها ذلك في أوكرانيا، أجاب بايدن: "نعم، هذا هو العهد الَّذي قطعناه على أنفسنا".
خلال ولاية كلينتون، هاجمت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يوغوسلافيا. وفي عهد بوش، هاجمت أميركا العراق وأفغانستان. وفي عهد أوباما، هاجمت أميركا وحلف شمال الأطلسي ليبيا وسوريا. كل هذه المشاريع كانت من أجل النظام.
وعلى رأس القيادة الآن، يوجد بايدن، الذي أشعل حرباً بالوكالة في أوكرانيا لإضعاف روسيا. ولم يتجاوز عمر الصراع الأوكراني بضعة أشهرٍ، حتى هدد بايدن بالفعل بشنّ هجوم على الصين.