"نوروز" دمشق.. رسائل دعم للحوار مع القوى الكردية
كلّ شيء في احتفال "النوروز" الذي لم يغب عاماً عن العاصمة السورية بدا مسيساً، وخارج سياق مشهد عام عنوانه تراجع الحوار بين دمشق والأحزاب الكردية.
كلّ شيء في احتفال "النوروز" في دمشق بدا مختلفاً هذا العام. رايات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وصور عبد الله أوجلان والهتافات والأناشيد الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" في قلب دمشق، بدت كلّها كأنها خارج سياق مشهد عام عنوانه تراجع الحوار بين دمشق والأحزاب الكردية.
كل شيء في الاحتفال الذي لم يغب عاماً عن العاصمة السورية بدا مسيساً، وهو ما يصعب حصوله من دون موافقة رسمية أكدتها كوادر في الاتحاد الديمقراطي، الحزب المؤسس للإدارة الذاتية، ودعمها الحضور الأمني تسهيلاً لتنظيم الاحتفال.
أرادتها دمشق رسالة دعم لحوار لم يثمر إلى اليوم مع القوى الكردية. اصطدم الحوار مرات عدة بملفات صعبة أبرزها طلب القوى الكردية الاعتراف بالإدارة الذاتية المعلنة من طرف واحد، وبقوات "قسد" كمكون له خصوصيته، وهي ملفات رفضتها دمشق بصلابة، انطلاقاً من رفض أي خصوصية سياسية لأيِّ محافظة أو منطقة سورية، مع ترك النقاش مفتوحاً لتطوير قانون الإدارة المحلية، والأمر ينسحب على رفض الاعتراف بأيِّ خصوصية عسكرية لأيِّ مكون، سواء كان "قسد" أو غيره، وضرورة انخراط الجميع ضمن المؤسسة العسكرية الوطنية.
وباستثناء العنوانين الرئيسيين، يبدو التقارب أسهل في العناوين الأخرى، كتوسيع مشاركة الكرد في الحكومة، وتحسين الحقوق الثقافية والاجتماعية، والاعتراف بالكردية لغةً ضمن صفوف تعليمية...
توقّف الحوار مرات، ولم يحقق أي خروقات، ربما باستثناء ظروف فرضها الهجوم التركي على الأراضي السورية في العام 2018 في عفرين، وتلاها مهاجمة رأس العين وتل أبيض في العام 2019، إذ انتشرت وحدات الجيش السوري في نقاط متقدمة، ورفعت قوات "قسد" الأعلام السورية، وانطلقت جولات حوار في دمشق بتشجيع ودعم روسي، لكنها لم تصمد طويلاً.
لعب الأميركيون على التباين بين دمشق والقوى الكردية، واستثمروا في تقديم إغراءات للإدارة الذاتية في إطار إبعادها عن الحوار، لتتحول دعوات شخصيات وأحزاب كردية للحوار إلى ما يشبه ردود الفعل كلما هدد الأتراك بمهاجمة شمال سوريا، لتعود الكرة إلى ما كانت عليه قبل تلك التهديدات.
قدم الأميركيون وعوداً باستثمارات نفطية عبر شركة "كريسنت إنرجي" قبل أن يتلاشى المشروع، وعاد الرئيس السابق دونالد ترامب عن قراره الانسحاب من سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وأبقى على مئات الجنود، ما طمأن الإدارة الذاتية في حينه، بعد أن دفعها القلق من انسحاب الجنود الأميركيين إلى طرق أبواب موسكو طلباً للمساعدة على مد الجسور مع دمشق، والحال تكرر مع تسريب إيثان غولدريتش، المبعوث الأميركي إلى شرق الفرات، مشروع قرار يستثني المنطقة من قانون عقوبات "قيصر"، لتعود النشوة إلى تيارات كردية ترفع سقف الحوار بعيداً.. كلّها محطات أثرت بعمق في نجاح حوار بات أكثر من ضرورة في ظلِّ ما يحدق بسوريا من مخاطر عميقة.
واقعياً، ثمة ضغوط أميركية على الكرد للابتعاد عن دمشق وتحقيق تقارب بين الائتلاف المعارض ومجلس سوريا الديمقراطية "مسد" ضمن ممارسة أقسى الضغوط على الحكومة السورية. هذه المعطيات تطغى على آمال كبيرة تحدثت عنها كوادر حزب الاتحاد الديمقراطي من دمشق بمناسبة "النوروز"، على أن "يكون العام الجديد نقطة انطلاق حوار سوري – سوري وطني، من دون أي تدخلات خارجية".
أكثر من ذلك، ذهب مسؤول العلاقات العامة للحزب محمد إيبش إلى "دعوة كل القوى السياسية للجلوس إلى الطاولة وحل مشاكلنا بأيدينا"، فيما تحدث عمر أوسي، رئيس المبادرة الوطنية للكرد السوريين، عن أنَّ الحوار ضرورة حتمية، مشيراً إلى مبادرات عدة لتشجيع الحوار قُدمت لموسكو ودمشق والقوى الكردية.
وتشير ورقة "المبادرة الوطنية" إلى عناوين رئيسية للحوار، أبرزها: التأكيد على سيادة ووحدة سوريا أرضاً وشعباً، ورفض العقوبات الاقتصادية المرفوضة على سوريا، والكرد مكون أساسي من مكونات الشعب السوري، والقضية الكردية قضية وطنية سورية بامتياز وحلها في دمشق، وتطوير المادة التاسعة من الدستور السوري بما يحقق إحياء التراث والثقافة الكردية، وتدريس الكردية وآدابها في المدارس والجامعات، وهو ما يشمل بقية المكونات الوطنية، والتصدي للمشاريع الاستعمارية التركية، ودمج "قسد" في تشكيلات الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي، وعودة الدولة بكلِّ مؤسساتها العسكرية والإدارية إلى شرق الفرات.
أوراق سياسية ومبادرات لا تتوقف وأمنيات كبيرة في عيد "النوروز" لحلحلة في ملف شرق الفرات، لكن السؤال يبقى: هل تنجح كل تلك الجهود في لملمة جرح تريد واشنطن تعميقه؟