نفق الحرية: فلسطين التي وراء القضبان
في فلسطين الأبية رجالاً صامدين صابرين مفعمين بالأمل. أنّ هؤلاء الرجال أحرار في سجونهم ووراء قضبانهم. أنّ قلوبهم الياسمين تفوح عطراً على كل فلسطين وكل أراضيها.
إن الدولة التي يعيش أهلها قضيتها، هي دولة لا تموت ولا تشيخ ولا تهرم، لم تعد الهوية الفلسطينية مجرّد انتماء لأقلية سكانيّة، بل صارت عنوان الصراع الأكبر في التاريخ الدولي المعاصر.
الفلسطينيون لم تكن حربهم كي ينتصروا ويستعيدوا الأرض بقدر ما هي ليحافظوا على القضية، وهو ما حدث بالفعل. القضية التي على مائدة الطعام في البيت الذي سقطت جدرانه في القصف الأخير، القضية التي في رسالة وجدانية لمغترب لأهله. القضية الحقيقية التي تمشي عصراً على الكورنيش، والقضية التي في السجن مع جهاد الأسرى والمعتقلين.
مليارات الدولارات وأطنان الأسلحة والدعم السياسي الدولي، واللوبي والمخابرات وبوق الصحافة العالمية والإعلان العالمي، كلّها لم تحقّق لـ "إسرائيل" حلمها بإطفاء القضية الفلسطينية وثني الشعب عن الانتفاض لحقه التاريخيّ.
اليوم نستعيد ذكرى نفق الحرية حيث استطاع ستة شبان فلسطينيّين معتقلين الهروب من سجنهم بطريقة محكمة وروائية.
وبغض النظر عن تفاصيل الهروب وطريقته، وبغض النظر أيضاً عن تطوراته وتأثيراته التي فرضتها الأحداث، إلّا أنّ التفاعل الشعبي للناس في الداخل الفلسطيني، وفي العالم العربي، يبيّن مدى تجذّر قضية الأسرى الفلسطينيين في وجدان الشعوب العربية، ويسلّط الضوء على واقع الأسر في سجون الاحتلال الإسرائيلي. حيث تمارس "إسرائيل" أبشع أنواع التعسّف والتعذيب في سجونها التي لا تقيم أي وزن للإنسانية.
إن الأسرى هم دمغة فلسطين على وجه التاريخ، هم جذور الشجرة الفلسطينية الممتدة في الأرض والوارفة أغصانها في السماء، وهم صكّ ملكية من لحم ودم ومعاناة وأشواق ووجدان وحنين. الأسرى الذين أمضى بعضهم معظم حياته وراء القضبان، وتوفي البعض الآخر وراءها. الأسرى الأحرار وراء قضبانهم الذين لم تستطع يد الجلاد أن تغيّر من عزيمتهم وإرادتهم وتجبرهم على الاعتراف والتطبيع.
إن تحرر الأسرى في مثل هذا اليوم لم يكن سوى إشعار للعالم لما يجري في سجون الداخل الإسرائيليّ. وبالرغم من نجاح "إسرائيل" في إعادتهم إلى زنازينهم، إلا أنهم استطاعوا أن يحملوا للعالم رسالة مفعمة بالضوء من الأخبية المظلمة، بأن الحلم بالحرية لا يموت، وأن الشعب الذي يحاول ولا يزال منذ نكبته الأولى لن يهدأ أو ينهزم أو يعترف أو يتخلّى أو يستسلم أو يرتاح.
إن فلسطين ربحت معركتها بالفعل وظلت رغم كل العواصف السوداء التي تنفخ بالتطبيع والتمييع، ظلت شامخة تماماً كأسراها الذين يصنعون المجد في سجون الاحتلال، وما أقرب أن تتحرّر فلسطين ويتحرّر أسراها!