طوفان الأقصى قال أيضاً... اقتلوا الفتنة
يجب أن تكون ألاعيب الغرب باتت مكشوفة، ويجب كمّ أي فم يتحدث بالتفرقة، وبث الفتن. ضعوا لأي متمنطق معياراً جامعاً هو فلسطين. والذي يحيد، أحيلوه على الجانب الآخر من مرحلة دقيقة تتحصّن أمام كل المواجهات.
دهمنا طوفان الأقصى، كما دهمت المقاومة الفلسطينية فجر السابع من أكتوبر المغتصبات الفلسطينية، ذاك الحدث الجلل، لفترة، جعلنا في سجن المقاربات العسكريّة والسياسيّة، وتداعياتها. لم يهدأ صخب ذاك اليوم، ليجعلنا نستقرئ استبصارياً ما حدث بالفعل، وأن نرى المشهد بكليته وليس جزءاً منه. كان صعباً. حتى الاستقرائيون ذهبوا مرغمين إلى أقلامهم التصويرية والحدثية.
من اجتهد ركّز على الحدث من باب النتائج والتحولات والإفرازات السياسية، مواكباً ما ولّده من أحداث إقليمية ودولية وفلسطينية، ذاك أيضاً لم يكن هيناً. الحدث كبير وتداعياته لا يمكن الإحاطة بها دفعة واحدة. قد يلزمنا الهدوء، الذي لغاية الآن ليس موجوداً، لكن...
نزعة الطمع لدى المستعمر
السجال مع الاستعمار ليس وليد اليوم. النزعة الغالبة عند المستعمرين هي الطمع، الحصول على كل شيء. ذاك يكون بالتفكير في كل شيء. لذا، من أراد المواجهة المدروسة الخالية من الارتجاليات والمتوقعة استشرافا لردود الأفعال، ظفر. المنتصر يجب أن يعرف نفسه وعدوّه جيداً. كتاب فن الحرب لـ سو تزو قال في أحد سطوره "من يعرف نفسه ويعرف عدوه جيداً يخُضْ مئة معركة من دون قلق".
اليوم، نحن أمام أقذر أنواع الاستعمار. لقد طوّر نفسه مع مرور الزمن، ليصبح في حلٍّ من أي ضوابط. كل شيء مباح. ربما في السابق إن أردنا توصيف الاستعمار، والمستعمرين، لكنّا وجدنا لدى بعضهم "محددات أخلاقية".
اليوم لا، لا يوجد أي محدد، إن كان أخلاقياً، أو إنسانياً، أو دينياً. لا وجود لأي من هذه الضوابط وغيرها. لذا، علينا أن نفكّر ملياً في خططهم التي تتكون من "أ" و"ب" وغيرهما. لا بدّ من أن يردوا، بأي شكل يخدم مصالحهم ويتخطى هزائمهم، ولديهم كل الإمكانات والأدوات للعمل على ذلك.
كان لدى بريطانيا وزارة اسمها "وزارة المستعمرات"، من ضمن أعمالها الموكلة إليها دراسة التحديات والأسباب لالتفاف منطقتنا، بعضها حول بعضها، حين يدهم الخطر. دراساتها - بحسب مذكرات مستر هنفر - كانت أن نقطة القوة التي تجمع الناس حولها وحول قادتهم هي الإسلام، فالمطلوب ضرب الإسلام من الداخل. هكذا فعلوا.
حتى ألمانيا في الحرب العالمية الأولى كانت في تيه رداً على سؤال العثمانيين لها: "كيف سنقنع المسلمين، ونحن خلفاؤهم، بالجهاد ضد بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ودول الحلفاء، وأنتم مثلها "مسيحيون"! كان الحلّ لدى الاستخبارات الألمانية عبر استنباط آيات من القرآن عن طريق المستشرقين، تقول إن إمبراطوراً عظيماً سيدخل الإسلام ويجب علينا مؤازرته والوقوف إلى جانبه. وطبعاً، بدأت المآذن تبشر وعملاء الاستخبارات يروجون الامبراطور المسلم العظيم المنتظر، الذي كان بالطبع فيلهلم الثاني، امبراطور ألمانيا، الذي أُطلق عليه في بلاد المسلمين "محمد"! قائد تحالف قوى المركز.
كيف أضاف طوفان الأقصى ألماً إلى الآم الغرب؟
بعد أوّل طلقة في السابع من أكتوبر، تداعى محور المقاومة إلى المؤازرة، إسناداً، نصرةً، لا فارق في التسميات، لأن الأهم هو أن المحور يتشكّل من مذاهب وطوائف متعددة.
أستطيع القول إنّ هذه اللحمة الإنسانية والإسلامية، آلمت القوى الكولونيالية بصورة مباشرة وكبيرة، لتقول في قرارة نفسها: "ذهب سأعوام فرِّقْ تَسُدْ ولّى". المشهد المتماسك عاد، وإن شوشته بعض الذبابات الوظيفية. فلسطين، كقضيّة إنسانية سياسية، عادت لتتصدر المشهد. لم يقل حزب الله مثلاً "من في فلسطين سنة، ما دخلنا، نحن شيعة؟!" وكذلك سائر القوى لم تقل عكس ذلك. العنوان المركزي كان: طوفان الأقصى، ودونه الهوامش.
هذا لا يعني أنّ الغرب سيرضخ للأمر الواقع، ولا نحن أيضاً. لن نفرط بذرة إنجاز، أهمها اللحمة، وإعادة فلسطين إلى مركز المعايير.
الفتنة
أخيراً، ليس آخراً، يجب علينا التصدي، ولن نسمح لأحد بضرب مكونات مجتمعاتنا بخلّاط الفتنة، التي تحضّر. وهناك من هو على أتمّ الجاهزية لتنفيذ أجندات فتنوية. ولكن ما إن أعدتنا تكريس فلسطين أولوية الأولويات، وجهدنا في منع الرويبضات من تحديد مصائر الأمّة، قد نكون أعددنا العدّة الفكرية والوحدوية، لجمع الجميع خلف جدارٍ صلب خرساني النشأة، تتكسر أمامه كل محاولات الغرب الماكرة.
يجب أن تكون ألاعيب الغرب باتت مكشوفة، ويجب كمّ أي فم يتحدث بالتفرقة، وبث الفتن. ضعوا لأي متمنطق معياراً جامعاً هو فلسطين. والذي يحيد، أحيلوه على الجانب الآخر من مرحلة دقيقة تتحصّن أمام كل المواجهات، بالوعي الجمعي العام، المسقِط لأي محاولة تسلل بين التناقضات، أقله ضمن جمهور المحور، الذي ما إن نجح قادته، سيكون كماً لأفواه كثيرة، غايتها سفك دم الإخوة في الدين والإنسانية بدلاً من عدو واضح وصريح معروف الاسم والتاريخ.
وإذا كان للطوفان عندكم رجاءٌ، فاقتلوا الفتنة.