سيناريوهات الردّ الإيراني على "إسرائيل"
ينتظر العدو والصديق والحليف الرد العسكري الإيراني وما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك، فحجم الهدف ونوعه الذي ستختاره القيادة الإيرانية سيرسم المعادلة لليوم التالي.
مما لا شك فيه أنّ الاعتداء الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق سيفضي في الأيام القادمة إلى تحوّلات بنيوية وتكتيكية على صعيد المواجهة العسكرية بين إيران "وإسرائيل".
لقد دأبت "إسرائيل" منذ عقود على اعتماد سياسة حروب الظلّ (Shadow wars) في مواجهة أعدائها، ولا سيما إيران وحلفائها، وذلك بهدف شلّ منظومات القيادة وإرساء معادلة ردع جديدة من شأنها أن ترجّح كفّة ميزان القوى لصالحها. وما يميز حرب الظلّ عن الحرب التقليدية هو أنها تُخاض بشكل سري، عبر استخدام قوات خاصة أو مرتزقة محترفين بدلاً من القوات النظامية، بالإضافة إلى تسخير الطائرات من دون طيار، وذلك لما لها من أهمية في العمليات الهجومية الدقيقة ومن دون تداعيات خطيرة على الفاعل، وفي كثير من الأحيان، من دون الاعتراف بالأعمال الهجومية.
بيد أنّ الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية وما سبقه من أعمال هجومية ينذر بأن المواجهة انتقلت من مرحلة إلى أخرى. وتماشياً مع اتباع سياسة الصمت بشأن العمليات ضد إيران، رفض المسؤولون الإسرائيليون التعليق على العدوان الذي أسفر عن استشهاد سبعة إيرانيين، من بينهم قائد قوة القدس في سوريا ولبنان العميد محمد رضا زاهدي. واللافت أنّ العدوان الإسرائيلي أتى من دون الأخذ في الحسبان بأن المقار الدبلوماسية تتمتع بالحصانة التي تضمن حمايتها من أي اعتداء. فمن الناحية القانونية، يعدّ هذا الهجوم انتهاكاً صارخاً لاتفاقيتَي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، وستكون له ارتدادات سلبية على "إسرائيل" دولياً.
يدرك القادة الإسرائيليون أن مثل هذا الاعتداء قد يؤدي إلى توسيع نطاق الحرب، ومع ذلك، أرادت" إسرائيل" من هذه العملية أن ترسل رسالة إلى القادة الإيرانيين مفادها أنّ هناك أكلافاً باهظة الثمن ستدفعها بسبب دعمها العسكري والمالي لقوى محور المقاومة، وخاصة المقاومة الفلسطينية في غزة.
ويبدو أنّ هدف "إسرائيل" من العدوان هو استدراج إيران إلى حلبة الصراع بشكل مباشر، ما قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، وهذا ما لا تريده إيران في التوقيت الحالي ولا حتى الولايات المتحدة. بعبارة أخرى، إنّ فشل الحكومة الإسرائيلية في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية في غزة، هو الذي دفعها إلى اللعب على حافة الهاوية.
في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، صرّح كبار القادة الإيرانيين بأنّهم سيردّون على العدوان السافر بطريقة يندم فيها العدو على فعلته ويرتدع. ومما لا ريب فيه، أن الردّ الإيراني سيكون مضبوطاً إلى الحدّ الذي يردع العدو الإسرائيلي عن تكرار مثل هذه الهجمات، لكن يبقى السؤال الأهم هو أين وكيف سيكون الرد؟
السيناريو الأول هو أن يكون الرد داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، نظراً إلى أن الاعتداء على القنصلية يكاد يوازي الاعتداء على سيادة الأراضي الإيرانية، إذ يمكن أن تستهدف قوات حرس الثورة المطار العسكري الذي أقلعت منه الطائرات المقاتلة. فهذا سيكون بمنزلة إنذار وضربة قوية لتفوّق " إسرائيل" الجوي في المنطقة، وسيساعد على تعزيز وتأكيد معادلة الردع مرة أخرى. وفيما يتعلق بالكيفية، من البديهي أن يكون هجوماً مركّباً ومعقداً تُستخدم فيه الصواريخ الباليستية والمسيرات والهجمات السيبرانية، نظراً إلى أن العدو يمتلك أنظمة تشويش متطورة.
السيناريو الثاني هو أن يتم استهداف قواعد إسرائيلية خارج الأراضي الفلسطينية، فوفقاً لتقرير نُشر في موقع "ورلد فيو ستراتفور" worldview.stratfor، يشير إلى أنّ الهجوم قد يستهدف القواعد الإسرائيلية في أذربيجان، التي لديها علاقات وثيقة مع "إسرائيل". بيد أنّ هجوماً كهذا لن يكون مرضياً، بل قد يشجع الإسرائيليين على مواصلة أعمالهم العدوانية.
السيناريو الثالث، وبحسب التقرير ذاته، هو أن تختار إيران الآن استهداف الجولان المحتل بوابل محدود من الطائرات من دون طيار والصواريخ. وهذا من شأنه أن يسمح للإيرانيين بتوجيه ضربات مباشرة إلى "القواعد العسكرية الإسرائيلية"، لكن مع تقليل الخسائر العسكرية المحتملة لتجنب الحرب مع "إسرائيل".
والسيناريو الأخير هو أن تبدأ إيران باستهداف القواعد العسكرية الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة، بالتعاون مع حركات المقاومة في اليمن والعراق ولبنان، وهذا الهجوم العسكري يفترض أن تضطلع حركات المقاومة بدور ثانوي يتزامن مع الرد الإيراني، والهدف من ذلك هو تشتيت قدرة العدو الإسرائيلي على التصدي للهجمات الإيرانية، ويمكن أن يؤدي هذا الهجوم إلى منع العدو من التفكير في الرد على الرد.
في نهاية المطاف، ينتظر العدو والصديق والحليف الرد العسكري الإيراني وما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك، فحجم الهدف ونوعه الذي ستختاره القيادة الإيرانية سيرسم المعادلة لليوم التالي.