خطاب نتنياهو في الكونغرس وسقوط الأقنعة الأميركية
أمام الفشل الصهيو- أميركي في حسم الحرب في قطاع غزة، فقد شعار الوهم بـ"حل الدولتين" أي حاضنة فاعلة له، ولو أنه حظِيَ بتأييد عربي ودولي، فإن تطورات الحرب تجاوزت هذا الشعار.
قدمت لنا أميركا خدمة جليلة عبر الكونغرس والتصفيق الحار لنتنياهو، فهذا يؤكد أن الحرب أميركية، وأن الكيان الصهيوني هو الأداة الأكثر التزاماً بما تتطلبه حرب الهيمنة على المنطقة، وأن نتنياهو هو أكثر شخصية صهيونية مستعدة لخوض هذه الحرب رغم انكشاف عجز الكيان عن حسمها وتحقيق أهدافها.
وسبق لنا أن أشرنا، استناداً إلى تصريحات أميركية سابقة، إلى التالي: "لو أن الكيان الصهيوني لم يكن موجوداً لكان علينا إيجاده"، وأضفنا لو لم يكن نتنياهو موجوداً لكان على الأميركيين إيجاده.
أما في الخدمة التي قدمتها لنا أميركا، فهي أن خلعت عن وجهها بالكامل قناع الحريص على شعوب المنطقة والسلم والاستقرار فيها، وهي تقول لنا: لا خيار أمامكم إلا الخضوع والاستسلام لخارطة طريق رسمتها يحتل فيها الكيان الصهيوني الوكيل رقم 1.
ومن جهة أخرى، قطعت الطريق على القوى المساومة، وخصوصاً في الساحة الفلسطينية، بما يعني أن هذه الحرب لن تنتهي بأي تسوية. ولو حصلت صفقة هنا أو هناك، فهي حاجة للطرفين لالتقاط الأنفاس، إلا أن هدف أميركا هو إحكام السيطرة على المنطقة، حتى على الكيانات العربية التابعة، لتبديل قيادتها بأشخاص يفتقرون إلى حاضنة شعبية وأكثر طواعية في تنفيذ المخططات الأميركية، سواء لجهة التحكم في الموارد أو السيطرة المطلقة على المعابر الدولية البرية والبحرية.
هذه الحرب جاءت بعد فشل المشروع الأميركي للمنطقة، والذي كانت أدواته الأولى "الحرب الناعمة" والثورات الملونة التي تمثلت بـ"الربيع العربي"، ومن ثم الإرهاب التكفيري الذي ترافق مع إشعال حرب اليمن.
والنتيجة كانت استنزاف هذه الأدوات وفقدان قدرتها على التأثير نتيجة الهزائم التي منيت بها على كل الصعد.
ولو بقيت قوى سياسية "رسمية" في "النظام" العربي والتنظيمات والأحزاب الشعبية، فإنها لم تعد تشكل أي فعالية سياسية، وفشل مشروع "أبراهام" بوجهه العقائدي والاقتصادي، وفي قلبه التحالف العسكري، "الناتو العربي"، وأقصى ما يمكن أن يقدمه هو تغطية القواعد الأميركية في كيانات التطبيع وانخراط البعض عبر سلاح الجو المرهون أميركياً في التصدي للرد الإيراني إثر استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وهذا أقصى ما يمكنها أن تقدمه.
أما من جهة محور المقاومة، فقد أصبحت فصائله ودوله الجهة الوحيدة الفاعلة في حركة الصراع، وهذا ما لا يمكن أن يجعل أميركا والكيان الصهيوني يتعايشان معه. وفي الوقائع الميدانية، نجد أن قوى المحور في نمو مطرد. أما القوى التابعة والمتماهية مع المشروع الأميركي، فهي في ضعف وعجز يتعمق أكثر فأكثر.
وأمام الفشل الصهيو- أميركي في حسم الحرب في قطاع غزة، فقد شعار الوهم بـ"حل الدولتين" أي حاضنة فاعلة له، ولو أنه حظِيَ بتأييد عربي ودولي، فإن تطورات الحرب تجاوزت هذا الشعار لتضع وضع المنطقة برمتها في مسار الأحداث.
وهنا تترسخ وتتعاظم وحدة المحور وتتماهى في الاستراتيجية والتكتيك. وقد أصبح الهم الكياني متلازماً مع الهم القومي العام. وبالتالي، لم يعد ممكناً البحث في حل أي أزمة أو معضلة داخلية من دون حل أزمة المنطقة التي لا تحمل الولايات المتحدة الأميركية تجاهها أي مشروع غير تعميق الهيمنة وإحكام السيطرة، من دون أن تقدم أي حلول لأزماتها، وذلك بسبب ما تواجهه من تحديات كبرى على مستوى العالم.