حواجز إسرائيلية تحوّل الضفة إلى معازل
لم تبدأ سياسة فرض التقييد في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر، بل إن هذا النظام تم التأسيس له منذ احتلال الضفة الغربية في العام 1967، وازدادت هذه السياسة بعد العام 1977.
منذ السابع من أكتوبر الماضي، فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصاراً خانقاً على الضفة الغربية، وحوّلت المدن والقرى إلى جزر معزولة، فتقطّعت أوصال الضفة، وزادت عدد الحواجز العسكرية إلى 710 حاجزاً دائماً على أقل تقدير، فيما تقول تقديرات مراقبين دوليين إنّ عدد الحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية يبلغ أكثر من 567 حاجزاً، إضافة إلى المئات من الحواجز الأخرى كالسواتر الترابية، والمكعّبات الإسمنتية والبوابات الحديدية التي يستخدمها "الجيش" الإسرائيلي في عزل وإغلاق مداخل البلدات والقرى الفلسطينية.
الهدف المعلن من هذه الحواجز وفقاً للتبريرات الرسمية السياسية والعسكرية الإسرائيلية هي من أجل فرض السيطرة الكاملة على جميع الطرق في الضفة الغربية، وخصوصاً الطرق الالتفافية التي يستخدمها المستوطنون، بغية تأمين تنقّل أسهل وأسرع للمستوطنين.
فمنذ السابع من أكتوبر نفّذ "جيش" الاحتلال سلسلة إجراءات ترتكز على العقوبات الجماعية، بينها نشر وتكثيف الحواجز العسكرية، وإغلاق البوابات الموضوعة مسبقاً على مداخل المدن والقرى والتجمّعات الفلسطينية، فحوّلت كلّ تجمّع إلى معزل.
لم تبدأ سياسة فرض التقييد في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر، بل إن هذا النظام تم التأسيس له منذ سنوات طويلة، وتحديداً منذ احتلال الضفة الغربية في العام 1967، وازدادت هذه السياسة بعد العام 1977 بعد البدء بالبناء الاستيطاني والاستيلاء على أراضي المواطنين الفلسطينيين.
وبدأ الاعتماد على الحواجز العسكرية بعد انتفاضة الأقصى في العام 2002، حيث بدأ اعتماد البنية التحتية للحواجز، وعمليات الفصل عبر جدار الفصل العنصري والحواجز، فباتت سلطات الاحتلال تهيمن بشكل كامل على التنقّل بين المحافظات، بحيث تفصل كل محافظة عن أخرى في دقائق معدودات فقط.
الحصار الإسرائيلي على الضفة الغربية أدى إلى تراجع الحركة التجارية في جميع مدن الضفة الغربية، من جراء خشية المواطنين من التنقّل بين القرى والمدن لصعوبة التنقّل وخطورته، وتشير الأرقام الصادرة عن الإحصاء الفلسطيني إلى أنّ نسبة الحركة التجارية في الضفة الغربية نهاية العام 2023 تراجعت 22%.
في السياق، يقول عبد الله أبو رحمة، مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (مؤسسة حكومية فلسطينية)، إن "الجيش" الإسرائيلي نصب أكثر من 710 حواجز في الضفة الغربية المحتلة، بينها حواجز ثابتة ودائمة، أو حواجز متحركة، أو حواجز بإغلاق مداخل التجمّعات الفلسطينية بسواتر ترابية أو بوابات أو مكعبات إسمنتية، يصعب خروج المواطنين الفلسطينيين منها، وهو الأمر الذي شلّ الحركة بشكل شبه كامل بين المدن الفلسطينية.
يقطن في الضفة الغربية البالغة مساحتها نحو ستة آلاف كيلومتر مربع، قرابة ثلاثة ملايين فلسطيني، و490 ألف إسرائيلي في مستوطنات لا يعترف بها المجتمع الدولي، إلا أن المستوطنين لا تشملهم القيود العسكرية المستجدة لأنهم يستخدمون طرقات التفافية خاصة بهم.
في حين، يقول الكاتب والباحث السياسي خالد برغوثي إن انتشار الحواجز العسكرية بدأ منذ بداية الاحتلال العسكري للضفة الغربية عام 1967، إلا أنها كانت حواجز متحركة، وظهر الحاجز الثابت لأول مرة في العام 1993، وكانت الحواجز آنذاك بين الضفة الغربية وقطاع غزة مع الداخل الإسرائيلي.
ويضيف الباحث برغوثي: "مع اندلاع الانتفاضة الثانية، في العام 2002، انتشرت الحواجز العسكرية بغزارة غير عادية، فحوّلت الحكومة الإسرائيلية الضفة الغربية إلى معازل متفرقة، بحيث نصبت الحواجز على مداخل جميع المدن والقرى الكبيرة، في حين نصبت البوابات الحديدية والمكعبات الإسمنتية على مداخل كل القرى، فبات الفلسطينيون يعيشون في سجون ومعازل.
ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في توثيق له إنه في مطلع عام 2023 تمّ نشر 565 عائقاً أمام الحركة والتنقّل في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وشملت تلك العوائق 49 حاجزاً يرابط عليها، بصورة دائمة، جنود إسرائيليون أو الشركات الأمنية الخاصة، وهناك 139 حاجزاً يتمركز عليها الجنود أو الشركات الأمنية بين الحين والآخر، وهناك 304 متاريس طرق وسواتر ترابية وبوابات طرق، و73 جداراً ترابياً وخندقاً وعائقاً منتشرين على الطرق.
ووفقاً لتقرير مكتب أوتشا: "ثمة 642 عائقاً مادياً، تشكّل بمجموعها زيادة تقارب 8 في المئة بالمقارنة مع 593 عائقاً سُجّل في مسح الإغلاق الأخير الذي أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في كانون الثاني/يناير-شباط /فبراير 2020، زاد عدد الحواجز التي يتمركز الجنود عليها بين الحين والآخر بما نسبته 35 في المئة وعدد بوابات الطرق بنسبة 8 في المئة. وبينما تبقى هذه الحواجز مفتوحة في معظم الحالات، فقد تُغلق في أي وقت من الأوقات".
ومنذ السابع من أكتوبر باتت حركة المواطنين الفلسطينيين محظورة على جميع الطرق الالتفافية في الضفة الغربية، بسبب الحواجز والإغلاقات، الأمر الذي يجبر الفلسطينيين على استخدام الطرق البديلة القديمة للتنقّل بين المدن والبلدات الفلسطينية في حالة الضرورة.
من جهته، يرى الباحث عبد المجيد جودة أن الهدف من هذه الحواجز هو الإذلال وفرض العقوبات الجماعية، من خلال احتجاز حركة المواطنين لساعات طويلة، والتأثير أيضاً على الاقتصاد الفلسطيني، من خلال تعطيل المراكز الخدماتية والمؤسسات والمدارس والجامعات.
ويؤكد جودة أن الحواجز الإسرائيلية الثابتة، سواء التي تفصل بين الضفة الغربية والقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، بقيت موجودة، بل وازادت الحواجز التي تفصل بين المدن والتجمّعات الفلسطينية، ومارست "إسرائيل" سياسات تقييد الحركة والتنكيل بالفلسطينيين.
ويضيف أن المواطنين الفلسطينيين باتوا يستبدلون الطرق الرئيسية التي كانوا يستقلونها قبل السابع من أكتوبر بطرق أُخرى بديلة، لتجنّب الإغلاقات والحواجز، فبات التنقّل بين منطقة وأُخرى صعباً ويستغرق وقتاً مضاعفاً مما كان يستغرقه قبل ذلك، وتضاعفت أجرة النقل على كاهل الفلسطيني، لأنّ سائق المركبة العمومية مجبر على سلوك طرق وعرة وضيّقة وبعيدة داخل القرى الفلسطينية، وتحتاج إلى الالتفاف لمسافات طويلة كي يؤمّن وصول الركاب.
كما أن للحواجز تأثيرات اقتصادية على المواطنين والاقتصاد، حيث كشفت دراسة لمعهد الأبحاث التطبيقية أريج في العام 2019 أن الفلسطينيين "يخسرون نحو 60 مليون ساعة عمل سنوياً بسبب قيود الاحتلال، والتي تقدّر تكلفتها بنحو 270 مليون دولار سنوياً، إضافة إلى استهلاك وقود إضافي بنحو 80 مليون ليتر في السنة تقدّر تكاليفها بـ 135 مليون دولار أميركي، يؤدي استهلاكها إلى زيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 196 ألف طن سنوياً.