بوتين اختارته الأغلبية... لماذا يحتاج الغرب إلى التصالح مع شرعية الانتخابات في روسيا؟
هناك رقم قياسي آخر تحقق في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، ألا وهو نسبة الانتهاكات الضئيلة جداً بالمقارنة مع الحملات الانتخابية الأخرى، وقد تم تقييم تطوير النظام الانتخابي الروسي من قبل أكثر من 333.6 ألف مراقب من جميع أنحاء البلاد.
المشاركة القياسية في الانتخابات الرئاسية الروسية والنتيجة غير المسبوقة دبّت الخوف في قلب الغرب الجماعي، فراح سياسيوه يحاولون إقناع بعضهم بعضاً ومعهم المجتمع الدولي بأن هذه الانتخابات لم تكن ديمقراطية وحرة... أما نحن فنثبت العكس.
خيار الملايين
في اليوم الأول بعد انتهاء عمليات الاقتراع، وقت أصبحت النتائج معروفة فعلياً، التقى فلاديمير بوتين في قصر الكرملين المرشحين الثلاثة الآخرين للرئاسة، خلال اللقاء معهم على الطاولة نفسها، مع ليونيد سلوتسكي زعيم (الحزب الديمقراطي الليبرالي)، نيكولاي خاريتونوف (الحزب الشيوعي الروسي)، وفلاديسلاف دافانكوف (الناس الجديد)، قال : "أودّ أن أشكر الجميع على هذه الحملة الانتخابية الحضارية، والتي جرت بما يتفق تماماً مع القانون الروسي، وآمل أن نتمكن من الحفاظ على هذا النهج البنّاء في المستقبل لتحقيق أهدافنا"، وهنا سؤال يطرح نفسه ألا وهو، لماذا انتهى الأمر بهؤلاء المرشحين، وليس غيرهم، إلى الجلوس على الطاولة في الكرملين مع بوتين؟ هل لأن لجنة الانتخابات المركزية في الاتحاد الروسي سمحت لهم بالتصويت؟
جزئياً، السبب الرئيسي هو لأنه تم اختيارهم من قبل الشعب الروسي، وأنهم تمكنوا من جمع العدد المطلوب من تواقيع الناخبين اللازمة. في المقابل، لم يتمكّن المرشحون الباقون من تجاوز الحد الأدنى اللازم من التواقيع، وهذا يتحدث عن شيء واحد فقط، وهو أنهم لم يكونوا مقنعين للناس، ولم تر عامة الشعب الروسي فيهم زعيماً قادراً على قيادة البلاد نحو مزيد من القوة والتطوير والازدهار، إذ إن الشعب هو الذي يحدد شرعية الانتخابات، وكذلك المرشحين. في هذه الانتخابات، كان واضحاً بشكل جلّي كيف تم احترام المبدأ الأساسي للديمقراطية، الحرية والحق في الاختيار في الانتخابات الروسية عام 2024، كما كان عليه الأمر في الحملات الانتخابية السابقة.
الدليل على ما تحدثنا عنه أعلاه هو نسبة المشاركة القياسية وغير المعهودة في الانتخابات في تاريخ روسيا الحديثة، بدءاً من عام 1991، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وبحسب البيانات الرسمية للجنة الانتخابات المركزية في الاتحاد الروسي، فقد بلغت 77.49%، أي أنه من حيث عدد الناخبين تصل نسبة المشاركة إلى أكثر من 87.113 مليون مواطن.
وكل هؤلاء المواطنين لا يريدون في الغرب الأخذ برأيهم بعين الاعتبار، مستشهدين ومسترشدين بمواقفهم هذه بالتقديرات الأكثر جرأة، بعدة آلاف من الروس، ممن يعيشون في الخارج، والذين نظموا احتجاج "منتصف النهار" ضد بوتين، بينما في الولايات المتحدة، مهد الديمقراطية، وحرية الإنسان يتم إلقاء القبض على مثل هؤلاء الناس على الفور وتقديمهم إلى العدالة ومحاكمتهم، فما هو حلال لهم حرام على غيرهم كما يقال، كما حدث ويحدث تماماً مع المشاركين في اقتحام مبنى الكابيتول في عام 2021، إذ يلاحقون أولئك الذين وجدوا مصادفة في مكان قريب، كما ويتعرضون للملاحقة وحتى الاعتقال.
بخصوص الشفافية
وهناك رقم قياسي آخر تحقق في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، ألا وهو نسبة الانتهاكات الضئيلة جداً بالمقارنة مع الحملات الانتخابية الأخرى، وقد تم تقييم تطوير النظام الانتخابي الروسي من قبل أكثر من 333.6 ألف مراقب من جميع أنحاء البلاد، بمن فيهم الممثلون الدوليون، كما قام المرشحون ووكلاؤهم بتعيين ما يزيد على 126 ألف مراقب يثقون بهم، والأحزاب السياسية أكثر من 51 ألفاً، ومن الغرف الاجتماعية عمل أكثر من 156 ألف مراقب، عدد قد لا يصدق من المراقبين، ولكن هذا العدد من المراقبين لم يكن كافياً بالنسبة إلى الغرب الجماعي ولم يرضه، على سبيل المثال: ذكرت وزارة الخارجية الفرنسية بأن الانتخابات جرت "في ظل انتهاكات عديدة"، لأنه لم يسمح للمراقبين معدومي النزاهة من لجنة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) بالمشاركة في الانتخابات.
الجدير بالذكر هنا اقتباس يأتي في مكانه عن مراقب دولي من فرنسا وهو كريستيان ارسين روبرت نويل، إذ قال: " ماكرون وزيلينسكي يتعاطيان المخدرات بشكل زائد، لقد شاهدت أناساً ودودين جداً، وأشخاصاً سعداء للغاية، جلّهم صوتوا لصالح روسيا، لقد صوت معظمهم لصالح الرئيس بوتين، وهذا ليس مفاجئاً بالمقارنة مع ما يفعله زيلينسكي في أوكرانيا وهنا"، لماذا اخترنا هذا الاقتباس؟ لأنه في أوكرانيا، التي يعدّها الغرب معقلاً للديمقراطية الأوروبية، ألغى الرئيس الحالي زيلينسكي الانتخابات.
وكان في عداد المراقبين مواطنون من الدول النامية، بالإضافة إلى ممثلين عن الولايات المتحدة الأميركية ومن دول الاتحاد الأوروبي، لقد تم اعتماد 706 خبراء من 106 دول، عملوا في 52 منطقة من مناطق الاتحاد الروسي، قمنا بزيارة مراكز الاقتراع ومقار المرشحين وتعرفنا على نظام المراقبة العامة، وشهد الجميع شفافية النظام الانتخابي الروسي. في هذا الصدد، قالت المراقبة الصربية ناتاشا تريفونوفيتش "هذا مثال ممتاز لأوروبا، إذا أرادوا أن يكونوا مثل المجتمع الديمقراطي، فيجب على المراقبين أن ينظروا إلى ما يحدث بالفعل".
دونباس وشبه جزيرة القرم...هما روسيا
هذه ليست المرة الأولى التي ينكر فيها الغرب الجماعي أشياء واضحة، إنهم لا يلاحظون أحزان الناس ولا يأبهون لآمالهم، نحن نتحدث هنا بالطبع عن شبه جزيرة القرم والمناطق الجديدة في جمهورية دونيتسك الشعبية، وجمهورية لوغانسك الشعبية، ومناطق زاباروجيا وخيرسون، لقد جرت هناك أيضاً عمليات التصويت، وتم التعامل مع تنظيم هذه الانتخابات باهتمام خاص، لقد كانت البلاد في حالة انتظار للاستفزازات وترقب وقوع هجمات إرهابية، لكن كل هذا لم يجعل الناس هناك يشعرون بالخوف.
تقول فالينتينا أفانيسييفا من سكان دونيتسك: "ذهبت إلى صناديق الاقتراع بنية ومزاج يعطيان الأمل بأن كل شيء يجب أن يتغير، بقت دونيتسك تتلوى في حلقة من النار لمدة عشر سنوات، وفقط مع بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة أصبح من الممكن دحر العدو بطريقة ما بعيداً عن المدينة، في محيط المنزل الذي أعيش فيه، تضررت جميع المباني تقريباً بسبب القصف، إن الانتخابات الرئاسية تعني بالنسبة لنا الثقة في بداية السلام الوشيكة ومستقبلاً واعداً ومشرقاً مع روسيا، أما مواطنتها ناتاليا إيغوريفنا فقالت بقلق "لقد انتظرنا الانتخابات الرئاسية الروسية منذ مدة طويلة، وهذه الانتخابات بالنسبة لنا هي الأولى كانتخابات رئاسية، رئيسنا يتموضع على مستوى رفيع للغاية ويشرفني أن أصوت له، بالنسبة لي التصويت له هو شيء مقدس، روسيا سوف تنتصر، ولهذا السبب أنا جئت إلى التصويت لصالح روسيا، ولأجل مستقبلنا".
لكن أكثر ما يثير غضب الغرب ويزعجه هو أن دعايتهم، وتصريحاتهم التي ظلوا يطلقونها لسنوات عديدة تم سحقها من قبل أبناء هذه المنطقة، من قبل أناس مستعدين للتصويت لصالح رئيس روسيا. حالة مذهلة من أفدييفكا المحررة روتها رئيسة لجنة الانتخابات المركزية للاتحاد الروسي إيلا بامفيلوفا، إذ قالت: "في أفدييفكا المحررة، أول شيء يطلبونه وقبل أي شيء، هو الخبز، ليس هناك ما يكفي من الخبز، ثانياً طلبوا إعطاء الفرصة للتصويت، هذا أمر رائع، هؤلاء هم الناس الذين يعيشون هناك."
على الجانب الآخر، فإن الوضع مشابه تماماً لما هو عليه في شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول، كانت نسبة المشاركة 89.76% و81.79% على التوالي.
وهكذا، في سيفاستوبول، صوت 92.6% من الناخبين لصالح فلاديمير بوتين، وفي شبه جزيرة القرم، صوت 93.6% من الناخبين لصالح بوتين. في الواقع، وعلى مدار الأيام الثلاثة للانتخابات، نظم سكان القرم ما يمكن اعتباره استفتاءً شعبياً، وهذا من وجهة نظر موضوعية ومنطقية يعني التأكيد على أن خيارهم في عام 2014 كان صحيحاً تماماً، ونتيجة اليوم الثالث، فقد بلغت نسبة المشاركة 89%، وصوّت ما يقرب من 94% للرئيس بوتين، هذه النتائج تتحدث عن نفسها بوضوح، وبالتالي لن تتمكن أي سياسات أو عقوبات غربية من إرغام أهل شبه جزيرة القرم على أن يفكروا بشكل مغاير عن ذلك.
رئيس جمهورية القرم سيرغي أكسينوف في معرض حديثه عن النتائج قال قال معلقاً: "لقد أثبتت الأيام الثلاثة للاقتراع أن سكان القرم لم يشككوا في اختيارهم، ودعمنا للرئيس دائماً على أعلى مستوى".
حقائق غير قابلة للجدل
أعلنت لجنة الانتخابات المركزية في الاتحاد الروسي، في 21 مارس/آذار، النتائج النهائية الرسمية للانتخابات في روسيا، فاز الرئيس بوتين بنسبة 87.28% من الأصوات. وفي المركز الثاني حصل ممثل الحزب الشيوعي الروسي نيكولاي خاريتونوف على نسبة 4.31%. ويأتي بعد ذلك مرشح "الناس الجدد" فلاديسلاف دافانكوف (3.85%)، ورابعاً جاء زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي ليونيد سلوتسكي (3.2%).
عملية الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الروسية جرت ولأول مرة في تاريخ البلاد على مدار ثلاثة أيام "الجمعة والسبت والأحد 15 و16 و17" من شهر مارس/آذار، كما أن التصويت الإلكتروني عن بعد كان متاحاً لسكان 29 منطقة في البلاد، وبلغت نسبة إقبال الناخبين 77.49%.