بشائر النصر: العدو يتقهقر.. وبريكس تتظهّر
بين ضجيج الحرب لمحاصرة الصين، ومجابهة روسيا، وضرب إيران، انعقدت قمة البريكس، وحقّقت الكثير مما يمكن اعتباره تقدّماً ملحوظاً في تحقيق أهدافها بعالم متعدّد الأقطاب.
في المشهد الظاهري للصراع في أكثر من ساحة على مستوى العالم، يصبح الربط بين ساحات المجابهة نوعاً من التحدّي أو المغامرة بنظر الرأي العام وذلك بسبب الضخ الإعلامي المسيطَر عليه من قوى الهيمنة العالمية، ودولها "الديمقراطية".
إلّا أنّه مع تطور الأحداث في عمقها الحقيقي، لا يمكن إخفاء الربط بين تصعيد المواجهة العسكرية على خط الطول 38 في أوكرانيا، والجنوب اللبناني، وغزة بإسناد يمني وعراقي، من جهة، مع تقدّم خطوات انعقاد القمة السادسة عشرة لمجموعة البريكس، وتبلور المزيد من استراتيجياتها، من جهة أخرى.
وفي الظاهر، بدا زعيق الطيران الحربي "الصهيوأميركي" المتطوّر تكنولوجياً، والمتفوّق على أسلحة المقاومة المتواضعة نسبياً، مسيطراً على الأجواء والآفاق، لا يردعه رادع، ولا تهون عليه مجزرة، ولا تهمه أرواح الأبرياء، وأحياء السكن المدنيّة، لكنّه لم يستطع التقدّم إلّا عليها، جثثاً بريئة، وأبنية سكن هادئة، أما في المعارك الحقيقية، فلم يستطع عدوانه التقدّم في ساحات المجابهة الحقيقية، خصوصاً منها في الجنوب اللبناني، وليس أدلّ على هزاله من الهجوم الهزيل الذي قام به طيرانه على إيران.
ومع بروز بعض النتائج العملية لقمة البريكس 16، يمكن إدراك أن ما قامت المعركة من أجله منذ اندلاع الصراع في أوكرانيا، مترادفاً لاحقاً مع انفجار "طوفان الأقصى"، كان هدفه إحباط نتائج ما تسعى إليه البريكس، والأساس فيها خلق عالم متعدّد الأقطاب، والاستقلال التدريجي عن الدولار "الصهيوأميركي"، نحو التخلّص من هيمنته، إلى أمور أخرى ينتظرها العالم ليخرج من سيطرة مناخات الحروب والتوحّش السائدة منذ أكثر من قرن ونصف القرن، تكريساً لعالم أكثر سلاماً، وقِيَماً إنسانية.
دُمِّرت غزة، واستشهد عشرات الآلاف من سكانها الأبرياء، ولحق الدمار بالجنوب اللبناني، وضاحية بيروت الجنوبية، ومناطق متفرّقة من لبنان، وكان القصف بالطيران الحربي للأحياء السكنية يزداد شراسة، ووحشية يوماً بعد يوم، وفي ثنايا موقف أصحابه الضمني لجم تصاعد قوىً عالمية تتجه نحو قيام عالم متعدّد الأقطاب، وخصوصاً منها الصين التي باتت تتصدّر العالم اقتصادياً، وروسيا المتقدمة نحو دور عالمي أشبه بتاريخ سابق لها، وبروز إيران قوة إقليمية على مختلف المستويات.
لكنّه تطوّر التاريخ بآلية خارجة عن إرادة الدول والمجموعات والأشخاص، بدأ بفرض وقائع جديدة على العالم، وتظهير قطب عالمي يغطي ربع مساحة الكرة الأرضية، وربما أكثر من نصفها البري، ويحتوي ما يناهز 40% من سكانها، وفيه نحو 40% من حركة العالم الاقتصادية، أي بما يفوق كل المنتديات والتجمّعات الدولية ومنها الدول السبع، وقمّة العشرين، وأبيك (شرق الأقصى- الباسيفيك)، وسواها.
منذ أكثر من عقدين، بدأت الولايات المتحدة الأميركية خطواتها للجم نموّ الصين اقتصادياً، التجربة التي وضعت ريادة أميركا للعالم في الدرجة الثانية، وحاولت محاصرة الصين، عبر ثلاثة خطوط: الأول، التقدّم من الشرق الأوسط نحو الصين عبر الدول العربية، فإيران، والثاني، عبر دول حلف "الناتو" في أوروبا باتجاه روسيا، والثالث، عبر إقامة تحالفات دولية اقتصادية واستراتيجية في الشرق الأقصى، جمعت اليابان، وأستراليا، وبعض الدول في الفضاء الأميركي.
اصطدمت الخطة الأميركية بتحالف صيني ـــــ روسي ـــــ إيراني أربك خطواتها، بينما كانت روسيا والصين تسعيان لقيام تكتل عالمي يجابه الأحادية الأميركية، فتأسس البريكس، وتبلور، وصولاً إلى قمّته السادسة عشرة الأسبوع المنصرم.
بين ضجيج الحرب لمحاصرة الصين، ومجابهة روسيا، وضرب إيران، انعقدت قمة البريكس، وحقّقت الكثير مما يمكن اعتباره تقدّماً ملحوظاً في تحقيق أهدافها بعالم متعدّد الأقطاب، له حرية خياره الاقتصادية، متحرّر من العقوبات الفردية بإرساء نظام مالي بديل من السويفت الأميركي، وتشجيع إنعاش عملات الدول الراغبة بالاعتماد على الذهب كغطاء بديل من الدولار الأميركي للعملات الوطنية، وتكريس تبادل اقتصادي وتجاري استناداً إلى العملات الوطنية بديلاً من الدولار.
من النتائج التي بلورتها القمة، وتعدّ خطوات إلى الأمام في تحقيق استراتيجتها البعيدة المدى، أنها كرّست "مصرف التمنية الجديد" إرساءً لنظام مصرفي مستقلّ عن السويفت الأميركي، ومغاير لأهداف الهيمنة التي تكرّست فيه؛ مصرف يؤمل أن تتطوّر قدراته المالية برفده بالرساميل من الدول المشاركة في القمة، ليصبح قادراً على منافسة النظام البنكي الرائج، في ظلّ توق من العديد من دول العالم للانضمام إليه بعد معاناة مريرة من الخضوع لرساميل الشرور، وهذا ما تمّ التعبير عنه بانضمام دول جديدة للقمة، ورغبة دول أخرى بالانضمام، والحضور العالمي اللافت لفعّاليات القمة التي عقدت في "كازان" الروسية.
خرجت القمة بإجراءات اقتصادية تعدّ خطوات متقدّمة نحو عالم مستقل، وبمواقف سياسية تعيد الكثير من الحقوق للمسلوبين منها، خصوصاً في فلسطين، والضغط لوقف العدوان على غزة ولبنان، والدعوات إلى عالم أكثر سلاماً، بلا حروب ولا اعتداءات.
وإذا كان من فضل للمقاومة في مجابهة الاحتلال لفلسطين، فإن لها الفضل في إفساح المجال للبريكس بالتبلور، واتخاذ خطوات عملية نحو تحقيق أهدافها، وسيكون للمقاومة، وصمودها البطولي دور في تعبيد الطريق أما البريكس للتقدّم، والتطوّر، وإنهاء أحادية العالم، ومن هنا، يحقّ للمقاومة وصف دورها بالأممي، ووصف قائدها بالقائد الأممي.
بالترافق مع هذه التطورات، لن يبقى الدولار القوة الطاغية في العالم، ولن تكون سيدته الأميركية الآمر الناهي بما تريد، وسيبدأ تراجع دورها، وضعف اقتصادها لخسارتها نحو نصف أسواق العالم، بمقابل عالم ناهض قوي على مختلف المستويات.
وفي خضمّ هذا الصراع، وما يفترض الوصول إليه بنتيجته، سيضعف موقع الاحتلال لفلسطين، وستتنامى قوة المقاومة التي أثبتت بطولات صمودٍ وتطوّرٍ، وساعتئذٍ سيكون تحرير فلسطين من الاحتلال سهلاً، ويمكن القول إننا بتنا من التحرير أقرب.