الولايات المتحدة تدفع أوروبا نحو الانتحار!

تسعى الولايات المتحدة الأميركية لتوريط أوروبا أكثر، وقد تدفعها إلى إرسال جنودها (إذ لم يبق إلا ذلك) "بعد إرسالها مجموعة كبيرة من الخبراء" في الحرب الدائرة في أوكرانيا.

  • الولايات المتحدة تدفع أوروبا نحو الانتحار!
    الولايات المتحدة تدفع أوروبا نحو الانتحار!

أجمع عدد من المحللين الغربيين على أن الربيع القادم من العام 2023 سيكون "معركة الفصل"، بين الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وأوكرانيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى. فالولايات المتحدة الأميركية تدفع أوروبا أكثر فأكثر إلى التوغّل في الحرب، عن طريق إرسال المساعدات العسكرية لا سيما الدبابات، لما تمثله من "تفوّق" تقني وتكنولوجي على الدبابات الروسية، وخاصة الدبابات الألمانية الصنع "ليوبارد 2" القتالية لشن هجوم مضاد للقوات الروسية، وهي تدفع ألمانيا بالتحديد لانغماسها أكثر من أي دولة أوروبية أخرى، وذلك لأسباب تتعلق بالاتفاقيات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري الذي كان قائماً بين روسيا وألمانيا.

فروسيا تحضر قواتها الآن لمحاولة جديدة، مع الكثير من الدبابات، "ويمكن أن تخسر أوكرانيا فيها بعض المناطق وأن تتكبد خسائر فادحة. بحسب القائد السابق في قوات "الناتو"، هانزلوتر دومروزه، وخبراء آخرين، الذين يتوقعون "هجوماً (روسياً) في الربيع، فيه معارك دامية وشرسة". (دويتشيه فيله 5/2/2023).

لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الحرب، والصراع الدائر الآن ما زال يحمل الكثير من التكهنات والمفاجآت، التي لا يعلم بها سوى من يخطط لها من كلا الطرفين "الأطلسي – الروسي"، أو الراسخين في العلم على المستوى الاستخباري والمعلوماتي، فمنهم من يقول بأن هزيمة روسيا حتمية، والآخر يقول بأن روسيا على قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مآربها في إقليم "دونباس"، فهناك عدة سيناريوهات على هذا الصعيد، ولها تداعيات متناقضة لصانعي القرارات في الغرب والأطلسي بشكل عام.

المراقبون والمحللون الغربيون ذهبوا بعيداً في رسم سيناريوهات فشل الهجوم الروسي وتحليل نتائجه على الشكل الآتي:

السيناريو الأول والأقل احتمالًا هو أن توافق روسيا على هزيمتها بقبول تسوية تفاوضية بشروط أوكرانيا. وهذا شبه مستحيل. رغم إعطاء بوتين هامش الاحتفاظ بشبه جزيرة القرم ومقاضاة السلام في أماكن أخرى. ومع ذلك، فإن هذه النتيجة غير محتملة في عهد بوتين، نظراً لأن مقاربته للحرب كانت متطرفة منذ البداية.

السيناريو الثاني، سيسعى الكرملين لإطالة أمد الحرب، ويمكن لروسيا أن تختار شن هجوم نووي على أوكرانيا. عندها، ستتجه الحرب نحو مواجهة عسكرية مباشرة بين "الناتو" وروسيا، وسوف تتحوّل روسيا إلى دولة مارقة، ما من شأنه أن يقوّ ي قناعة الغرب بأن روسيا دولة عدوة، ولا يمكن التفاهم معها؛ كونها تسعى لضمّ الدول الأوروبية التي انسلخت عنها. 

السيناريو الثالث، ستجري المعارك الحاسمة، ليس في أوكرانيا، بل في أروقة الكرملين أو في شوارع موسكو، حيث يستمر الروس في السير وراء قيصرهم "غير الكفؤ" فقط إلى نقطة معينة. على الرغم من أن بوتين قد جلب الاستقرار السياسي إلى روسيا، وهي حالة ثمينة بالنظر إلى التصدعات التي حدثت في سنوات ما بعد الاتحاد السوفياتي، فإن مواطنيه قد ينقلبون عليه إذا أدت الحرب إلى الحرمان العام. (فورين أفيرز-كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2023).

هذا بحساب الغربيين، أما لو نظرنا قليلاً إلى نتائج المعركة لوجدنا أن روسيا استحوذت على أربع مناطق استراتيجية على حدودها كانت حتى وقت ليس ببعيد تابعة لها، أيام الاتحاد السوفياتي قبل أن يتفكك. وبالتالي، فإن بوتين يرى أن المعركة قاب قوسين أو أدنى من تحقيق جميع أهدافها، وخاصة بعد ضم ما يشكل 20% من مساحة أوكرانيا (لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا) و70% من حجم الاقتصاد الأوكراني. 

ولكن، هل سيسمح الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة لروسيا بتحقيق "النصر الروسي"، فالضغط الأميركي على الأوروبيين لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، والشعوب الأوروبية عانت وما زالت تعاني من انهيار الوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار وخاصة الطاقة والغاز إلخ... والضغوط التي تمارس الآن على الدول الأوروبية لتسليح أوكرانيا بأنواع الأسلحة الفتاكة كافة، والضغط لتسليم أوكرانيا نحو 118 دبابة بعد أن وافقت الحكومات الغربية، والتي ستصل خلال مراحل تبدأ بعد فترة وتنتهي بعد 4 أشهر على خط جبهة يمتد إلى مئات الكيلومترات، مع تأمين غطاء جوي لها، وهذا يأخذنا إلى القول إن أميركا تسعى لدفع أوروبا في اتجاه التوغل أكثر فأكثر والدوافع على الشكل الآتي:

1- استمرار دفع الدول الأوروبية وتوريطها في الصراع ضد روسيا.

2- توسيع الهوة بين أوروبا وروسيا بحيث تضمن عدم عودة العلاقات بينهما كما كانت في السابق، وخاصة فيما يخص التبادل التجاري والاتفاقيات الاقتصادية.

3- ضمان صمود أوكرانيا والحفاظ على التوازن، بحيث يبدو أن لا أوكرانيا ولا روسيا قد تعرضت لهزيمة.

4- ضمان عدم عودة أي علاقة بين روسيا وألمانيا، وخاصة بما يخص الطاقة.

5- الحفاظ على وحدة صف الدول الغربية، وتعزيز حلف الأطلسي أكثر من السابق؛ لما له من فائدة، خاصة على مستوى تعزيز التعاون في صناعة الأسلحة، وتشغيل مصانع الغرب العسكرية.

فبحسب خبراء أوروبيين، فإن كلفة وحدة الصف هذه ستجعل اقتصاديات أوروبا ومصانع الأسلحة تعمل لفترة أكثر من 15 سنة؛ كي تعيد صناعة الخسائر التي تكبدتها أوروبا حتى الآن.

وهنا، تسعى الولايات المتحدة الأميركية لتوريط أوروبا أكثر، وقد تدفعها إلى إرسال جنودها (إذ لم يبق إلا ذلك) "بعد إرسالها مجموعة كبيرة من الخبراء" في الحرب الدائرة، وهذا ما سيعارضه الجمهور الأوروبي والنخب الأوروبية المعارضة لهذه الحرب لما لها من تداعيات خطيرة. وإذا استمر تزويد أوكرانيا بالأسلحة، فيمكن أن نوسع نطاق الصراع إلى دول مجاورة، لكنّ الدول الأوروبية كشفت عن وجهها، وهي لم ولن تقدر على اتخاذ قرارات لمصلحة شعوبها بقدر ما تتخذ قرارات لمحاباة الأميركيين، نتيجة خضوعهم للإملاءات الأميركية.

ما هي الدبابات القتالية التي بحوزة أوكرانيا حتى الآن؟ وما هي الميزات الإضافية لدبابات "ليوبارد"؟

تمتلك أوكرانيا مئات المدرعات والدبابات الدفاعية، سواء مما يمتلكه جيشها سابقاً، أو زودتها بها دول حليفة مؤخراً. كما تمتلك دبابات هجومية من الحقبة السوفياتية، من بينها دبابات قديمة مثل T72 وT80، غنمتها أوكرانيا من الجيش الروسي خلال انسحابه على وقع الضربات. وأيضاً موديل T90، والآن تأتي الدبابات الغربية، ومنها "ليوبارد" الألمانية، لتزيد في قدرات الجيش الأوكراني لشن هجوم مضاد من أجل استعادة المناطق المحتلة. وبها يمكن لأوكرانيا أن تفتح ممراً عبر منطقة دونباس في اتجاه جزيرة القرم أيضاً، وفق القيادي السابق في الجيش الأميركي في أوروبا، بن هودجس، في مقابلة إذاعية. كما يمكن لأوكرانيا أن تبني بهذه الدبابات القتالية الغربية المتطورة حاجزاً مصفحاً يصعب اجتيازه، ويكون "مقدمة لهجوم القوات الأوكرانية لكسر خطوط الدفاع الروسية حتى الوصول إلى ماريوبول". وبشكل عام، ستساهم هذه الدبابات في فتح الطريق أمام التقدم في أي اتجاه.

هل سيقتصر ما تقدمه ألمانيا على الـ 14 دبابة، التي أعلن المتحدث باسم الحكومة الألمانية عن تسليمها لاحقاً لأوكرانيا؟ أم ستكون هناك دفعات إضافية؟ عموماً، توجد دبابات "ليوبارد" في المخازن وورشات الصيانة وعند الشركة المصنعة، إضافة إلى تلك الموجودة بحيازة الجيش الألماني.

مدير شركة "راينميتال"، أرمين بابرغر، قال لمجلة "شتيرن" إنه يمكن لشركته أن تجهز، حتى نهاية آذار/ مارس، 29 دبابة "ليوبارد"2A4، وكان الجيش الألماني يمتلك خلال الحرب الباردة أكثر من 2100 دبابة من طراز "ليوبارد 2"، ولكن بعد سقوط جدار برلين وتراجع خطر الصراعات المسلحة تخلص الجيش من كثير من تلك الدبابات إما ببيعها أو منحها لدول أخرى، أو بتفكيكها والتخلص منها.

أما على المقلب الروسي، فثمة من يقول إن روسيا لا يمكن أن تسمح للدبابات الألمانية، والتي لها تأثيرات وحساسية سلبية لدى الشعب الروسي، إذ إن معركة "كورسك" التي قلبت الموازين في الحرب العالمية الثانية، بعد معركة "ستالينغراد" والتي شارك فيها 8 آلاف دبابة روسية وألمانية، ما زالت ماثلة أمام الأجيال التي واكبت هذه الحرب. فكلفة هذه الحرب بلغت أكثر من 30 مليون نسمة إن لم نقل أكثر.

تمتلك روسيا أكبر مخزون نووي في العالم قوامه 5977 رأساً حربياً، بينها 977 تمحو مدناً بشكل كامل عن الخرائط، فصاروخ "سارمات" يصل مداه إلى 11000 ميل، و"ياريس" إلى 7500 ويصعب تعقبهما، أسلحة نووية تكتيكيّة مبيدة للأرواح، وصاروخ "كينزال" تفوق سرعته سرعة الصوت بـ 12 ضعفاً ويطلق من الطائرات، والغوّاصة "بوسايدون" المختفية تحت الماء منذ سنوات، وتنتظر إشارات إطلاق قذائفها التي تزن 2 ميغا طن بما يتجاوز انفجار هيروشيما بـ 130 مرّة.

منْ يعرف شخصية بوتين العنيدة والجبارة ويعرف تاريخه وما فعله أثناء خدمته في جهاز الاستخبارات الـ "كي جي بي"، وخاصة بعد حطام جدار برلين، يدرك أن صاحب هذه الشخصية الجدلية التي شغلت العالم بأسره، قد يقدم على خطوات لا يتوقعها المحللون من الاستخبارات الأميركية وغيرهم، لما يمتلكه من غموض وذكاء حاد قل نظيره على المستويين الأمني والعسكري.

يبدو جلياً إن الانصياع الأوروبي للطلبات والرغبات الأميركية يأخذنا إلى القول إن الأوروبيين يريدون للولايات المتحدة الأميركية أن تبقى مهيمنة على العالم أجمع؛ لأن مصلحتها من خلال هذه الهيمنة، حيث تكمن قوتها لاستمرار سيطرتها على الدول الصغيرة واستغلال مواردها، لكن هذا الأمر قد يبدو كمن يضع نفسه على حافة الهاوية أو يطلق الرصاص على نفسه.

المسار لغاية الآن يبدو تصاعدياً، والخطير هو أن يبقى كذلك، فالغرب لا يريد انتصار روسيا وفي الوقت نفسه لا يتحمل كلفة هزيمتها، وبالنسبة إلى روسيا فهذه معركة وجود، كما عبّر الرئيس بوتين عن ذلك أكثر من مرة، وهذا قد يدفع القيادة الروسية إلى الذهاب نحو حرب نووية فيما لو شعرت بهزيمة. وهذا ما عبّر عنه نائب رئيس مجلس الأمن القومي ديمتري ميدفيدف عندما قال: "على واشنطن إيقاف دقات الساعة النووية".

ولطالما صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "إذا تعرض الأمن القومي الروسي للخطر فسنستعمل كل الوسائل المتاحة للدفاع عن أنفسنا"، وما تمارسه الولايات المتحدة الأميركية من ضغوط على العالم أجمع، وبخاصة أوروبا، قد يجبر الرئيس بوتين على القيام بخطوات غير منتظرة، وخارج حسابات الدائرة الأمنية - العسكرية (الأميركية-الأوروبية).

الربيع قادم والشعب الأوروبي برمته يعاني أزمة غذاء غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، فماذا ستكون النتائج، لا أحد يعلم، ولكن المؤشرات تدل على أننا دخلنا في الجزء الأصعب من الحرب، والتوقعات باتت قريبة الحدوث جداً، أما المنتصر، فسيكون أصحاب الكتلة النقدية الكبرى في العالم التي تدير هذه اللعبة القذرة، وهي لعبة غالباً ما تدفع ثمنها الشعوب.

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.