النظام العالمي الجديد
اليوم، يقف العالم على أعتاب نظام دولي جديد. وبالطبع، خلال هذه الفترة، أصبحت أميركا أضعف يوماً بعد يوم.
دخل إيران! وصل إلى ايران! ذهب إلى ايران! هذه العناوین الإخبارية الأكثر تكراراً، والتي تمّ تداولها في وكالات الأنباء العالمية في الأشهر الأخيرة، وخصوصاً في الأيام القليلة الماضية، مع وصول كبار المسؤولين والوفود الاقتصادية من مختلف البلدان إلى إيران. وهذا، في حد ذاته، علامة على تشكيل النظام الدولي الجديد المتوقَّع.
كان تخطيط زيارة بوتين لإيران بالتزامن مع زيارة إردوغان لطهران، بعد زيارة بايدن للمنطقة، خطوة ذكية يمكن أن تُلقي ظلالها على جميع الإنجازات السياسية والإعلامية والنفسية لرحلة بايدن، وتحييدها وتغيير أجواء المنطقة إلى قضايا واحتياجات حقيقية.
اليوم، يقف العالم على أعتاب نظام دولي جديد. وبالطبع، خلال هذه الفترة، أصبحت أميركا أضعف يوماً بعد يوم. ويجب أن نتابع الحرب في أوكرانيا بصورة أعمق، وفي إطار تشكيل النظام العالمي الجديد. ومن المحتمل أن تتشكل بعد ذلك عمليات معقَّدة وصعبة، نظراً إلى أهمية هذا النظام الدولي الجديد.
الأبرز في هذا النظام الجديد، وما يُسمع من مسؤولي الدول الأخرى في الاجتماعات الدبلوماسية والاقتصادية في هذه الأيام في طهران، هو حاجة هذه الدول إلى تعاون شامل مع الجمهورية الإسلامية، وهذا يتعارض مع الأخبار في وسائل الإعلام الغربية التي تزعم عزلة إيران.
وطبعاً، فإن طهران تحتاج إلى مثل هذا التعاون البنّاء مع جيرانها والدول الأخرى. وهو أيضاً مفتاح حل مشاكل الدول الأخرى، وهذا الخبر سبّب غضب أميركا وفشل رحلة بايدن للمنطقة.
خلال رحلة بايدن إلى المنطقة، كان الخوف من قوة المقاومة واضحاً، إلى درجة أن المسؤولين الإسرائيليين ذكروا قوة إيران وضرورة مواجهتها في خطاباتهم الترحيبية ببايدن، حتى قبل أن ينزل من الطائرة. لكن، بينما يدرك بايدن أكثر من أي شخص آخر تداعيات أي مواجهة مع إيران، خلافاً لمزاعم الصهاينة، كان أحد أهداف رحلته إلى المنطقة دعوة عدد من حلفاء الولايات المتحدة المزعومين، وخصوصاً الإسرائيليين، إلى تجنُّب أيّ توتر مع الجمهورية الإسلامية. وفي أثناء مغادرة بايدن، أكدت الولايات المتحدة أيضاً، في ردها على مزاعم إرسال طائرات من دون طيّار إيرانية إلى روسيا، أن "لدى إسرائيل وجهة نظر متباينة عن الولايات المتحدة فيما يتعلق بالاتفاقية النووية مع إيران، لكن حكومة بايدن تعتقد أن الدبلوماسية هي أفضل طريق. ويجب علينا النظر إلى تحالف روسيا مع إيران كتهديد. دعونا ننظر بعمق".
التناقض الكبير والواضح في رحلة بايدن هو إبداعات وسائل الإعلام الغربية لتخويف الجمهورية الإسلامية والدول الأعضاء في جبهة المقاومة تحدث، بينما بايدن، بسبب الأزمتين الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة والنظام الصهيوني، لديه الحاجة الماسّة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وإلى نفط إيران والدول الحليفة لها، بما فيها فنزويلا، في ظل الحرب في أوكرانيا. لذلك، كان بايدن يحاول، من ناحية، تخويف إيران، ومن ناحية أخرى، كان يحاول، من خلف الكواليس، تجنُّب أي توتر معها وإقناعها بالابتعاد عنها.
وعلى الرغم من توجُّهات اجتماع الدول الضامنة لمسار أستانة في طهران لمراجعة الوضع الأخير والموقع الجغرافي الاستراتيجي لسوريا، وخصوصاً في مناطقها الشمالية، فإن توقيع مذكِّرة استثمارية كبيرة بين جمهورية إيران الإسلامية وروسيا في مجال الطاقة زاد بصورة كبيرة في قيمة الحركة الدبلوماسية في إيران. بناءً على هذا الفهم، قامت شركة غازبروم الروسية بأكبر استثمار أجنبي في صناعة النفط في إيران بقيمة 40 مليار دولار.
وبحسب الأخبار الواردة، فإن استثمار 10 مليارات دولار في تطوير حقلي الغاز في شمال بارس وكيش، وتطوير 6 حقول نفطية، بما في ذلك حقول المنصوري وأب تيمور وأزار، هما أمران يعنيان طهران وموسكو، اللتين اتفقتا على الاستثمار المشترك والاستكشاف. ومن وجهة نظر عدد من الصحف، يُعَدّ هذا الاستثمار الضخم نقطة تحوُّل بالنسبة إلى التحالف الاستراتيجي في الشرق، بغض النظر عن عقوبات الدول الغربية. ويعدّ عدد من الخبراء قمة طهران ناجحة قياساً برحلة بايدن الفاشلة للأراضي الفلسطينية المحتلة والمملكة العربية السعودية.
وفي المحصّلة، تعترف وسائل الإعلام الغربية الآن بأن "سياسات الجمهورية الإسلامية، وخصوصاً في المرحلة الحالية، يمكن أن تؤدي إلى تشكيل التطورات التي ستبلور الجغرافيا السياسية الجديدة للمنطقة، بحيث تحاول، يوماً بعد يوم، دفع الولايات المتحدة إلى الوراء في مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، وتطوير العلاقات بجيرانها والدول الأخرى".