العنصرية الغربية وفوبيا فلسطين: وجه آخر لمعاناة لم تبدأ يوم السابع من أكتوبر

يظهر ارتباط وثيق بين ظاهرة فوبيا فلسطين وجرائم الكراهية التي تستهدف الفلسطينيين في الدول الغربية. وفق علم النفس والاجتماع يمكن أن يكون الخوف والرهاب من رموز ثقافة معيّنة ومواطنيها سبباً رئيسياً لتفاقم حالات التمييز والعنف.

  • العنصرية الغربية وطوفان الأقصى.
    العنصرية الغربية وطوفان الأقصى.

الانتشار الإعلامي الدولي للقضية الفلسطينية والمأساة الإنسانية في غزة تحديداً كان له دور بارز في تحريك الرأي العام العالمي بطريقة غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني مع الكيان المحتل.

شهدنا على مدار أيام هذه العدوان الغاشم تعاطفاً وحراكاً شعبياً دولياً على أعلى المستويات من التنظيم والمشاركة الحاشدة في مختلف دول العالم الغربي، وأولها أميركا الشريك والداعم الأول لهذه العدوان الهمجي الممنهج على الغزيّين، كما شهدنا استنفاراً عالمياً لم يكن في مخيّلة أيّ عربي أو داعم للقضية الفلسطينية أن يكون شاهداً عليه يوماً في دول مثل أميركا وبريطانيا وبلجيكا ومختلف الدول الأوروبية. 

لم يكن هذا الحراك بكلّ ضخامته والمشاركة التي تصل مئات الألوف فيه كافياً لإخفاء الوجه المقيت للعنصرية الغربية، التي تجلّت وازدادت بشكل أكثر عنفاً ووضوحاً في العديد من الدول على شكل جرائم كراهية تجاه أفراد فلسطينيين، أو حتى أجانب مؤيدين ومناصرين للقضية الفلسطينية، مؤيدين ممن خرجوا في التظاهرات أو الاعتصامات، أو من الطلاب الجامعيين أو حتى ممن قرّروا فقط ارتداء الكوفية الفلسطينية كرمز فلسطيني ودعم منهم لهذا الشعب وقضيته.

ظهرت العنصرية الغربية في أبشع وأعنف صورها، وشاهدنا العديد من جرائم الكراهية ضد كل من يظهر أي نوع من الدعم أو التأييد لغزة وللقضية الفلسطينية، بدءاً بالجريمة المروّعة في ولاية النيوي الأميركية في منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي 2023، التي نفّذها رجل أميركي بقتل طفل مسلم بطعنه 26 طعنة، وهو يردّد عبارات كراهية معادية للمسلمين والفلسطينيين، كما أصاب والدته بجروح خطيرة. 

وما تبعه من هجوم مسلح على ثلاثة طلاب جامعيين من أصل فلسطيني في ولاية فيرمونت الأميركية، حيث صرّحت شرطة الولاية أن "الجريمة على ما يبدو حدثت بدافع الكراهية". وقد كانت "صحيفة واشنطن بوست" قد ذكرت قبل أيام أن الفلسطينيين الأميركيين في الولايات المتحدة يتعرّضون لجرائم كراهية ويواجهون الخوف والعنف، مشيرة إلى أن الكوفية الفلسطينية باللونين الأبيض والأسود أصبحت تشكّل مصدر قلق وخوف أو تهديد لكلّ من يرتديها لأنها تمثّل رمزاً من رموز دعم الفلسطينيين. 

يرجع محلّلون هذا إلى ظاهرة "الإسلاموفوبيا" وتصاعدها في المجتمعات الغربية تزامناً مع العدوان الإسرائيلي على غزة، وما شهده من تغطية إعلامية وانتشار كبير لمحتواه عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولم يكن هذا الانتشار والتغطية للمحتوى المؤيّد للفلسطينيين فقط، أو المحتوى الذي يظهر ويوثّق هذه المجازر الإسرائيلية، بل كان هناك محتوى إعلامي وخطابات سياسية وإعلامية معادية وتحريضية ضد الفلسطينيين والغزيين، خصوصاً أنه أصدرها وتبنّاها العديد من السياسيين الإسرائيليين والغربيين والإعلاميين في الولايات المتحدة وبريطانيا  و"إسرائيل" والعديد من الدول الأخرى. 

ساهمت هذه الخطابات السياسية والإعلامية في ظهور وتصاعد ما أميل لتسميته فوبيا فلسطين، فوبيا فلسطين ليست مرتبطة فقط بالدين، كما هو الحال في "الإسلاموفوبيا" بل هي مرتبطة بالقضية والثقافة والأصل وكلّ ما تمثّله هذه القضية الإنسانية، وما يحاول العدو الصهيوني الترويج له على أنه دعم للمقاومة "الإرهابية"، وفق قولهم أو دعم "للإرهاب الإسلامي والفلسطيني" كما يروّجون له، ومعاداة للسامية هي الحجّة التي يتذرّعون بها بينما يمارسون الإبادة الجماعية والتهجير القصري لشعب بأكمله. 

إن تنامي ظاهرة الكره والعنصرية الثقافية والعداء للقضية الفلسطينية ومناصريها لم يكن وليد طوفان الأقصى، بل إن هذه العنصرية بعمر المحتل، لكن طوفان الأقصى الذي أغرق المصداقية والإنسانية الغربية الزائفة كشف معه العديد من المعايير المزدوجة والأقنعة الكاذبة والحريات والحقوق الزائفة التي لطالما تغنّى بها المجتمع الغربي، وجاءت غزة وحدها لتكشف هذا الزيف والكذب والرؤية الغربية، التي كانت وما زالت وستبقى سياسة الرجل الأبيض والمجتمع الأبيض، العقلية التي لا تقبل ولا ترحّب إلّا بمن يشبهها ويماثلها وكلّ من دون ذلك هم بشر من الدرجة الثالثة والعاشرة حتى.

هذه العقلية التي ولدت "الإسلاموفوبيا" هي نفسها اليوم التي تقود وتحرّك فوبيا فلسطين، إنّ الهجوم المعادي للإسلام أو "الإسلاموفوبيا" لا يمكن فصله عن محاولة تجريم وتكذيب القضية الفلسطينية، حيث تروّج العديد من وسائل الإعلام الغربية الصهيونية هذا الأمر للتحريض واستهداف المظاهرات والأنشطة الداعمة لفلسطين، مما أنتج حالة متزايدة من الاتهامات بدعم الإرهاب ومعاداة السامية ضد أولئك الذين يتجرّأون على معارضة مذبحة الأطفال والنساء والإبادة الجماعية التي يرتكبها "الجيش" الإسرائيلي في غزة وفلسطين عموماً. 

فوبيا فلسطين وجرائم الكراهية والإعلام

يظهر ارتباط وثيق بين ظاهرة فوبيا فلسطين وجرائم الكراهية التي تستهدف الفلسطينيين في الدول الغربية. وفق علم النفس والاجتماع يمكن أن يكون الخوف والرهاب من رموز ثقافة معيّنة ومواطنيها سبباً رئيسياً لتفاقم حالات التمييز والعنف.

في هذا السياق، يظهر توجيه الكراهية ضد الفلسطينيين والغزيين والمقاومة الفلسطينية وكل من يؤيّد القضية الفلسطينية، أو حتى يطالب بإيقاف العدوان الغاشم والمستمر على غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي. مثلما ظهر هذا الربط سابقاً بين ظاهرة الفوبيا وجرائم الكراهية أيضاً في حالة "الإسلاموفوبيا"، حيث يتعرّض المسلمون للتمييز والعنف بسبب ديانتهم. 

قد يكون الخوف من الإرهاب أو الجهل بالثقافة الإسلامية عوامل تشجّع على نشوء هذا النوع من الفوبيا. إضافة الى ذلك تشير العديد من النظريات النفسية إلى أن التأثيرات الإعلامية يمكن أن تؤدي دوراً كبيراً في تشكيل وتعزيز مشاعر الفوبيا وجرائم الكراهية. حيث يمكن للإعلام تكريس وبناء صور سلبية، وتوجيه الانتباه إلى أحداث سلبية يروّج لها طرف ما، مما يؤدي إلى تكوين تصوّرات مغلوطة حول فئة معيّنة، كما هو الحال في حالة "الإسلاموفوبيا". 

يعزّز الإعلام خطاب الكراهية من خلال نشر تقارير محدّدة وصور نمطية تظهر المجموعات المستهدفة بشكل سلبي. يمكن للتحليل السطحي والتصاعدي للأحداث أن يفتح الباب أمام إلقاء اللوم على فئات معيّنة، مما يزيد من مشاعر العنصرية والكره تجاه هذه الفئة، كما أن الخطاب السياسي والإعلامي للعديد من السياسيين والإعلامين يساهم في تعزيز وتأجيج هذا النوع من الكراهية، وتبرير العنف تجاه هذه الفئة والتي هي سكان غزة خصوصاً والفلسطينيين وكلّ من يؤيّدهم عموماً في الفترة الحالية.

كما يقوم بتعزيز التحيّز والتفرقة ويغذّي المشاعر السلبية تجاه الفئات المستهدفة، من خلال نشر أفكار مثل معاداة السامية والإرهاب وقتل المدنيين الإسرائيليين وقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء، والعديد من الاتهامات الزائفة الأخرى التي تساهم في تشكيل صورة سلبية مخيفة عن الفلسطينيين ومؤيّديهم الذين في هذا الخطاب يصبحون ممن يؤيّدون الأفعال الإرهابية والإجرامية، وهنا يصبح الإعلام عاملاً فعّالاً في تكوين الآراء العامة وتشكيل تصوّرات مجتمعية منحازة وعنصرية تجاه فئة معينة تشكّل لدينا لاحقاً حافزاً وتبريراً قوياً لجرائم الكراهية والعنصرية التي نشاهدها تجاه كلّ ما هو فلسطيني، حتى تصاعدت هذه المشاعر والأفكار العنصرية لتشكّل ظاهرة فوبيا فلسطين.

إن ظاهرة فوبيا فلسطين والتي ظهرت في الجرائم المذكورة سابقاً وغيرها العديد من الجرائم والهجمات الإلكترونية أيضاً، وتمثّلت في بدايتها بما يسمّى الفوبيا الثقافية، والتي تعبّر عن الخوف أو التجنّب الشديد لبعض العناصر الثقافية. 

حيث يمكن أن تكون هذه العناصر رموزاً، لغات، تقاليد، أو أيّ جوانب أخرى من ثقافة معيّنة. على سبيل المثال، يمكن للفوبيا الثقافية أن تظهر كخوف من الاختلاط مع أفراد من ثقافة معيّنة، أو كخوف من التحدّث بلغة معيّنة. أو الخوف من أشخاص يرتدون رمزاً ثقافياً معيّناً، أو ملابس ترتبط بثقافة معيّنة، مثل الكوفية الفلسطينية التي تعتبر رمزاً من رموز القضية الفلسطينية، والتي كان يرتديها أحد الطلاب الذين تعرّضوا لحادثة الاعتداء بينما كان أحدهم يتحدث باللغة العربية، وكانوا جميعاً من المشاركين في تظاهرة كبيرة مؤيدة لفلسطين.

تنامت وتيرة الفوبيا الثقافية لتصل لما هو أبعد من ذلك، مثل العنصرية وخطاب الكراهية الإلكتروني والتهديدات التي أصبحنا نشاهدها عبر المنصات الرقمية، التي ساهمت بدورها في سرعة وزيادة نشر هذ الخطاب والرسائل العنصرية، وشجّع التفاعل السريع وسهولة النشر والمشاركة عبر هذه المنصات المزيد من الأفراد على التصرّف بشكل عدائي وعنصري أكثر، وتبادل واسع لمعلومات مغلوطة وخطابات سياسية عنصرية مضلّلة، ساهمت في بناء فقه رقمي مغلوط عند العديد من الأفراد تجاه القضية الفلسطينية ومؤيّديها حول العالم، وعززت الانغماس في ثقافة الكراهية والعنصرية التي شكّلت ظاهرة فوبيا فلسطين، والمزيد من جرائم الكراهية والمعاداة لكلّ ما هو فلسطيني.

فوبيا فلسطين تحدٍ آخر لكلّ فلسطيني خارج أرضه

لا يخفى على أحد كمّ الصعوبات والتحديات التي تواجه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، أو الفلسطينيين المغتربين في الخارج وخاصة في الدول الأجنبية، للحفاظ على هويتهم والدافع الدائم عن كل محاولات السرقة والطمس والتهويد التي تتبنّاها "إسرائيل"، والسياسة الصهيونية التي تنسب لنفسها العديد من العناصر والرموز الثقافية والتراثية للهوية الفلسطينية.

وفي ظل الأحداث الراهنة أصبحت هذه الفئة من الفلسطينيين أو حتى الأجانب الداعمون للقضية الفلسطينية يواجهون تحدياً جديداً وخطراً أكبر يتمثّل في تحوّل ظاهرة العنصرية الثقافية الى فوبيا فلسطين، وممارسات أكثر خطراً تتمثّل في تزايد جرائم الكراهية والعنف ضد هذه الفئات. 

لذلك هناك حاجة ملحة للتوعية بهذه الظاهرة وأخذ الاحتياطات اللازمة لتجنّب تفاقمها، ومحاولة احتواء هذه الممارسات العنيفة التي قد تتسبّب في فقدان حياة الأشخاص أو إصابتهم إصابات بليغة، فقط بسبب انتمائهم أو دعمهم أو تأييدهم للقضية الفلسطينية.  

 وفي السياق ذاته يمكن أن تقدّم منصات التواصل الاجتماعي حملات توعية حول خطورة جرائم الكراهية وتنامي ظاهرة فوبيا فلسطين، وكيفية التعامل مع هذه الظاهرة ومع المجتمعات التي قد تنتشر فيها هذه الظاهرة من قبل الأفراد أو مؤسسات المجتمع المدني المعنية بهذه القضايا. يجب أن ندرك حجم القضية وحجم التغذية الإعلامية والسياسة الصهيونية والغربية التي ساهمت في وجود وتنامي هذه الظاهرة حتى نساهم في إيجاد حلول لحماية المدنيين والمغتربين الفلسطينيين والعرب ممن قد يتعرّضون لهذه الممارسات. 

وحيث أن منصات التواصل الاجتماعي أثبتت في هذا العدوان قدرتها على إيصال الصوت الفلسطيني، وقدرتها على حشد رأي عام غربي مؤيّد لفلسطين، يجب استغلال هذه المنصات لتسليط الضوء على هذه الظاهرة في المجتمعات الغربية، وأن نسيطر عليها ونحدّ من انتشارها قبل أن تتحوّل إلى شكل أخطر وأشدّ عنفاً من ظاهرة "الإسلاموفوبيا" وجرائمها وممارساتها التي لا تزال ترتكب يومياً.