العلاقات الصّينية العربيّة إلى أين؟
تولي الصّين المنطقة العربية أهمية كبيرة، نظراً إلى موقعها الاستراتيجي وغناها بمصادر الطاقة.
مع تسارع الأحداث العالميّة خلال السنوات الماضية، وما خلّفته من أزمات أثرت في اقتصاد الدول وإمدادات الطاقة، شهدت العلاقات الصينية العربية تطوراً كبيراً على مختلف الأصعدة، عززتها زيارتا وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى المنطقة العربية خلال عام 2021، وأيضاً زيارة المسؤولين الخليجيين إلى بكين أوائل هذا العام، وحضور زعماء عرب افتتاح أولمبياد بكين في شهر شباط/فبراير الماضي، وعقدهم لقاءات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، في الوقت الذي قاطعت عدة دول غربية الأولمبياد دبلوماسياً.
تولي الصّين المنطقة العربية أهمية كبيرة، نظراً إلى موقعها الاستراتيجي وغناها بمصادر الطاقة، فالصين حالياً هي أكبر شريك تجاري للدول العربية، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 330 مليار دولار أميركي عام 2021، بعد أن كان نحو 36،7 مليار دولار عام 2004.
ومع تصاعد الصين ونموها الاقتصادي، ازداد طلبها على النفط، فباتت أكبر مستورد للنفط الخام عالمياً، وهي تستورد نصف احتياجاتها منه من البلدان العربية، إذ إنَّ هناك 5 دول عربية من بين أكبر 10 دول موردة للنفط إلى الصين (السعودية، العراق، عمان، الكويت، الإمارات)، والسعودية أكبر مصدر لواردات الصين من النفط. وقد شكلت وحدها 17.4% من إجمالي واردات الصين من النّفط الخام في العام 2021.
وبلغت استثمارات الصين في الدول العربية 213.9 مليار دولار، وارتفعت بنسبة 9% (17 مليار دولار) خلال 2021، وكانت استثماراتها 196.9 مليار دولار في نهاية 2020.
وللدول العربية دور كبير في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي انضمَّت إليها 20 دولة عربية، وعمدبعضها إلى مواءمة استراتيجيتها التنموية مع المبادرة، منها رؤية مصر 2030، ورؤية السعودية 2030، ورؤية الأردن 2025، ومشروع مدينة الحرير الكويتي، ومشروع مدينة محمد السادس الذكية في طنجة المغربية.
وتعمل الصين على إنجاح مبادرتها التي ستعود بالنفع عليها وعلى دول طريق الحرير، ولكن في المقابل تحاول الولايات المتحدة الأميركية عرقلة المشروع الصيني، لأنها ترى فيه تصاعداً لنفوذ الصين وهيمنتها على العالم وتراجع دور الولايات المتحدة الأميركية كأعظم قوة عالمياً. لذلك، سعت مع مجموعة الدول الصناعية السّبع الكبرى إلى إقرار خطة للبنى التحتية بتمويل 600 مليار دولار أميركي تنافس مبادرة "الحزام والطريق".
إنَّ سياسة الصين تجاه الدول العربية واضحة، وأعلنتها بكين في الوثيقة التي أصدرتها عام 2016، إذ إنها شكلت معادلة 1+2+3 التي تتخذ مجال الطاقة كمحور رئيسي، ومجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين، و3 مجالات ذات تقنية متقدمة وحديثة، تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة.
وتنتهج الصين سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتدعو إلى حل المنازعات بالطرق السلمية، وترفض التدخل الأجنبي في شؤون دول المنطقة. ومن أجل تأمين الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بهدف تحقيق التنمية التي تعود بالنفع على الجانبين، اقترحت عدداً من المبادرات التي تتعلّق بتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وحل القضية السورية، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. في المقابل، تقف الدول العربية إلى جانب الصين في القضايا المتعلقة بمصالحها الجوهرية، بما فيها مناطق هونغ كونغ وشينغاينغ وتايوان.
ولطالما كان التقارب بين الصين والدول العربية يثير حفيظة الولايات المتحدة الأميركية التي تعمل على إبعاد الدول العربية (لا سيما الخليجية) عنها، وخصوصاً في المجالات الأمنية، فقد طلبت مثلاً من أبو ظبي إزالة معدات هواوي، وألزمتها بإيقاف أعمال بناء قاعدة عسكرية للصين في ميناء خليفة، اتهمت واشنطن بكين ببنائها، وأشارت وكالة الاستخبارات الأميركية إلى أن المملكة العربية السعودية تعمل على تصنيع صواريخها البالستية بمساعدة الصين.
كما يبدو، إنَّ التقارب الصيني العربي في الآونة الأخيرة لم يعجب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي اتسمت علاقتها مع بعض دول المنطقة بالفتور، ولا سيما الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية. لذلك، تعمل واشنطن حالياً، ولا سيَّما بعد أزمة الطاقة عالمياً، إلى الاستدارة مجدداً نحو الشرق الأوسط.
ومما لا شكّ فيه أنّ دول المنطقة لن تتخلّى عن الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً وأمنياً، فدول الخليج ترى فيها الداعم لها في مواجهة إيران، فيما لن تقف الصين إلى جانب طرف ضد آخر. وهكذا، يبقى على دول المنطقة الموازنة في علاقتها بين واشنطن وبكين التي تعتمد عليها اقتصادياً، في حين تعتمد على واشنطن عسكرياً.
ولكن يبقى السؤال: إلى أيِّ مدى ستبقى دول المنطقة، ولا سيما الإمارات العربية والسعودية، قادرة على موازنة علاقتها بالقوتين العالميتين؟
ستشهد السعودية في الأيام والشهور القادمة حدثين؛ أولهما زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لحضور قمة خليجية بحضور الأردن ومصر والعراق. ومن المؤكد أن الصين ستكون على رأس المحادثات التي سيجريها الرئيس الأميركي مع الزعماء العرب. والحدث الآخر هو القمة العربية الصينية التي يجري التحضير لها، والتي ستساهم في تطوير العلاقات بين العرب والصين، ولا سيما استكمال المباحثات في التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة وزيادة واردات النفط إلى الصين.