السياسات المناهضة للهجرة: من خطاب الإسلاموفوبيا إلى شيطنة الآخر وعسكرة الحدود

أزمة الهجرة وما تتطلّبه من مقاربات إنسانية تستدعي فتح حوار جدّي جنوب -جنوب على أساس التضامن بين الشعوب، حوار يطالب باحترام حقوق وكرامة البشر بعيداً عن كل أشكال التمييز على أساس اللون أو الجنس أو الدين.

  • السياسات المناهضة للهجرة.
    السياسات المناهضة للهجرة.

تحيي الكثير من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك المنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات غير الحكومية في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر من كل عام، اليوم الدولي للمهاجرين.

موعد قد يقتصر الاحتفاء به بحسب مراقبين على نشر مطويات عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع المهاجرين أو من خلال التذكير أيضاً بما تكفله الاتفاقات الدولية من الحقّ في التنقّل للجميع، غير أن قضية الهجرة وسياسات دول الشمال في التعاطي معها باتت تتهدّد منظومة حقوق الإنسان في جورها، بما يفرض أكثر من أي وقت مضى، طرح النقاش بكل جدية واعتماد مقاربات جديدة، تضمن احترام حقوق الإنسان في التنقّل والعيش بكرامة.

إن سياسات الأمننة أو عسكرة الحدود التي باتت تنتهجها دول الشمال في أوروبا تجاه دول الجنوب في أفريقيا أو ما يعرف بدول العبور في شمال أفريقيا، وتصنيف هذه الدول لقضية الهجرة عموماً والهجرة غير الشرعية على وجه الخصوص على كونها تمثّل تحدياً يتهدّد استقرارها الأمني والاقتصادي والاجتماعي ويتهدّد حتى تركيباتها الديموغرافية، وخصوصياتها الثقافية، دفعتها الى "تصدير الحدود" إلى ما يعرف بدول العبور، ومحاولة تركيز محتشدات بشرية تعيق وصول الوافدين غير الشرعيّين إليها، من خلال ممارسة الضغوطات السياسية أو الاقتصادية أو تقديم بعض المساعدات اللوجستية لهذه الدول.

حول قضية الهجرة وسياسات الحكومات اليمينية المتطرّفة في أوروبا في التعاطي معها وشيطنتها خطاباً و ممارسة، وكأنها قضية أمن قومي،  حاول المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس، في مسعى منه لتفكيك ظاهرة الهجرة والإلمام بها من كلّ الجوانب، عبر فتح حوار في العمق حول الأسباب التي أدت إلى تفاقم ظاهرة الهجرة، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، والمقاربات التي اعتمدت في التعاطي مع الظاهرة، إن كان ذلك من قبل دول الشمال أو دول المنشأ أو دول العبور، والتداعيات التي تترتّب عن تلك المقاربات اقتصادياً واجتماعياً وخاصة إنسانياً، في ظل ارتفاع عدد ضحايا مراكب الموت في مياه المتوسط من جرّاء رحلات الهجرة غير النظامية، وتنامي خطاب التمييز والعنصرية، إن كان ذلك من قبل دول الشمال التي تنتهج سياسات عنصرية مزدرية لظاهرة الهجرة، أو دول العبور التي تبنّت خطابات دول الشمال وتصنيفاتها لظاهرة الهجرة.

يرجع خبراء ومراقبون تنامي بناء جدران العزل بين الشعوب إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، التي يعتبرون أنها ساهمت في تنامي فكرة الإسلاموفوبيا، والخوف المرضي وغير المبرّر من الإسلام والمسلمين، لتمهّد لانطلاق ما اصطلح على تسميته بالحرب ضد الإرهاب، معطى أسهم في مزيد تكريس أمننة الهجرة وعسكرة الحدود، والتضييق على تنقّلات المهاجرين من المسلمين، أو من مختلف الديانات والثقافات الأخرى، التي لا تتطابق مع مجتمع الاستقبال، إلى حد باتت  الدراسات الأمنية الحديثة في أوروبا تعدّ فيه أن ارتفاع نسب النمو الديموغرافي في مجتمعات الجنوب يمثّل مصدراً للأخطار المجتمعية ولعدم الاستقرار في مجتماعاتها، في ظل توزيع سكاني غير متكافئ بين ضفتي المتوسط، حيث ترتفع نسب الشباب في دول الجنوب، مقابل التهرّم السكاني في دول الشمال.

من هنا كان الخطاب السياسي المعادي لظاهرة الهجرة غير النظامية والمتبنّي لسياسات طرد المهاجرين الذي يتبنّاه اليمين المتطرف في أوروبا، ورقة انتخابية ناجحة في الوصول إلى الحكم، ورسم السياسات التي تعتمد مقاربات تضييقية حول انتقال البشر، مخالفة للقوانين والمواثيق الدولية ولحقوق الإنسان، سياسات فرضت من خلالها هذه الحكومات على دول العبور ومن بينها تونس أن تضطلع بدور حرّاس الحدود، عبر إبرام اتفاقيات مشتركة تقضي بمنع وصول الحالمين بالانتقال للعيش في الضفة الشمالية للمتوسط من خلال رحلات الهجرة غير الشرعية التي عادة ما تتعرّض المراكب فيها إلى صعوبات في البحر تسفر عن كوراث إنسانية، تحاول دول الشمال أن تتملّص من مسؤولياتها في إزهاق الأرواح البشرية من خلالها، لتحصر الظاهرة في عصابات الاتّجار بالبشر.

ندوة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بيّنت من خلال ما تخللها من نقاش بين خبراء و مختصين، أن دول الشمال رغم مسؤوليتها الاستعمارية في تخلّف واقع التنمية في دول الجنوب، ما تسبّب في صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في هذه الدول، عمّقت الأزمة أيضاً في ما يعرف بدول العبور، عبر تصدير مشكلاتها من خلال اتفاقيات الشراكة التي أبرمتها والتي أسفرت عن تشكّل محتشدات بشرية في هذه الدول ومن بينها تونس، لتفرز وضعاً للوافدين من دول الجنوب يعيشون فيه بلا دخل ولا فرص في العمل ولا رعاية صحية، ما تسبّب في ارتفاع الأصوات المنادية بضرورة طرد المهاجرين وإلغاء اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار.

أزمة الهجرة وما تتطلّبه من مقاربات إنسانية تستدعي بحسب الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، فتح حوار جدّي جنوب -جنوب على أساس التضامن بين الشعوب، حوار  يطالب باحترام حقوق وكرامة البشر بعيداً عن كلّ أشكال التمييز على أساس اللون أو الجنس أو الدين، ويعمل على فرض ضغوط على دول الشمال لتحمّل مسؤولياتها في ما خلّفته من هشاشة للأوضاع في مستعمراتها السابقة، وما أنتجته سياساتها لاستنزاف الثروات من هذه الدول، ما أسفر عن هشاشة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها وارتفاع لنسب الفقر والجوع، وتفاقم لظاهرة الهجرة  بحثاً عن فرص لحياة أفضل في الضفة الشمالية للمتوسط.

دول الشمال المتبنية لخطاب سياسي معادٍ لظاهرة الهجرة، محرّض من خطورة الآخر على أمنه واقتصاده واستقراره الاجتماعي وموروثه الثقافي، تريد اليوم بحسب مراقبين التخلّص مما تعتبره أزمة الهجرة، عبر ترحيل غير المرغوب فيهم من المهاجرين الى خارج ترابها، من خلال إقامة محتشدات أو معسكرات لا تتوفّر فيها أبسط شروط الحياة الآدمية، ليكون وضع طالبي اللجوء في هذه المعسكرات أو المحتشدات، أشبه بالموت البطيء، أو الموت المؤجّل.