الانقسام اللبناني بين قوة المقاومة وفرض التفاوض تحت النار

العامل الأوحد في فرض وقف إطلاق النار هو سلاح المقاومة، وصمود مقاتليها الذين استمدوا من كربلاء عظمة الشهادة، وعاهدوا شعبهم وقائدهم الشهيد السيد حسن نصرالله وكل الشهداء، بأن يكسروا شوكة العدو.

  • شكل الانقسام السياسي في لبنان، عنواناً دائماً في معظم المناسبات.
    شكل الانقسام السياسي في لبنان، عنواناً دائماً في معظم المناسبات.

منذ فتح المقاومة جبهة الجنوب، إسناداً لقطاع غزة، وتخفيفاً للضغط على القطاع، عبر إشغال العدو على جبهته الشمالية، والسجال السياسي في لبنان لم يتوقف، ما أدى إلى انقسام سياسي بين المكونات اللبنانية، ارتفعت وتيرته في الأونة الأخيرة، وخصوصاً بعد تصعيد العدو الإسرائيلي استهدافاته بتاريخ 23 أيلول/سبتمبر 2024، وتوسيع عمليات الاغتيال لقادة المقاومة، من دون أي اعتبار للمدنيين، كما إن الغارات التي شنّت بشكل شبه متواصل، طالت معظم المناطق اللبنانية، وكانت مدمرة في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وأوقعت آلاف الشهداء والجرحى، حتى إنها استهدفت طواقم الإسعاف والدفاع المدني، في عملية ضغط واضحة، تهدف إلى إيلام المدنيين، وإيجاد الشرخ بين اللبنانيين، وضرب الثقة بين المقاومة وبيئتها الحاضنة، وتزامن ذلك مع استهداف بعض المناطق البعيدة عن جبهة الجنوب، والتي يوجد فيها النازحون، من أجل تسعير الجدال حول الجدوى من فتح جبهة الإسناد الجنوبية، وتحميل المقاومة مسؤولية الضحايا والدمار الذي حل بلبنان، وتولي وسائل الإعلام إثارة الأمور الخلافية.

والحديث عن النتائج الكارثية التي نتجت عن قرار فتح الجبهة، من دون مشاورة الأطراف اللبنانية الأخرى، في إشارة إلى التحكم في قراري السلم والحرب، والعزف على أوتار السيادة والاستقلال، واتهام المقاومة بتبعيتها للخارج، وتحديداً خضوعها للقرار الإيراني، إذ تحاول تحقيق مصالحها من قرار فتح جبهة الإسناد، وقطف ثمار أي تسوية نتيجة التفاوض لوقف الحرب، ما يبرر العدوان الإسرائيلي، ويعطي العدو شرعية الاستهدافات التي يقوم بها، وأن المقاومة هي التي أخلّت بتطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2006، وأن "إسرائيل" هي التي طبقت القرار، من دون أي إشارة إلى خرق القرار الدولي من قبل العدو براً وجواً وبحراً، وأن "إسرائيل" منذ تأسيس كيانها، لم تلتزم بالقرارات الدولية، كما إنها تعمل على نسفها بشكل دائم، وتحاول دائماً الدخول في حروب متتالية، ينتج عنها قرارات جديدة، سيتم تجاهلها وتعطيلها واستخدامها فقط بما يؤمن مصالحها، وكل ذلك يحصل، وبعض القوى السياسية تحاول دائماً تعكير الداخل اللبناني، وإضعاف المقاومة، لإحداث تغيير في موازين القوى الداخلية، بما يحقق مصالح بعض الدول الخارجية، وتقوية دورها داخلياً.

لقد شكل الانقسام السياسي في لبنان، عنواناً دائماً في معظم المناسبات، بحيث لم يتفق اللبنانيون على أي مسألة داخلية أو خارجية، وهذا عائد إلى الارتباطات الخارجية للكثير من الأحزاب السياسية التي تمثل السلطة، وتهيمن على معظم مفاصل المراكز السياسية والاقتصادية والأمنية والقضائية والتربوية والصحية والرياضية وحتى الثقافية، ونتيجة الترابط الذي يكاد يكون عضوياً بين تلك الأحزاب والداعمين لها في الخارج، عانى لبنان من الخلافات حول الرؤية والدور والوظيفة لهذا البلد، الذي لم يحكمه القانون أو الدستور يوماً، وظل الجميع يتناتشون ويختلفون على توزيع الحصص، وكيفية تحقيق المزيد من المغانم، ما أدى إلى استحالة بناء دولة المؤسسات والقانون، كما إن المواد الدستورية شكلت عاملاً إضافياً للتجاذب السياسي، ويستخدمها كل طرف حسب تفسيره لتلك المواد، ومحاولة تجييش الإعلام التابع له للترويج لوجهة نظره، لتثبيت مصالحه التي يمكن أن تتغير حسب الظروف والأوضاع، وليس هناك من مانع للانتقال من محور داخلي إلى آخر، ما دامت المصلحة هي التي تحكم التوجهات والتحركات السياسية، فنجد خليطاً عجيباً للتحالفات الداخلية، التي من النادر أن تصمد طويلاً، وأصبحت تحالفات غب الطلب، وتتسم بالمراحل الآنية التي يمر بها لبنان.

وإذا ما استعرضنا معظم المحطات الحساسة التي حصلت في لبنان، بداية من الرؤية إلى إنشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948، ومرحلة الخمسينيات التي تميزت بانقسام اللبنانيين إلى معسكرين، أحدهما مؤيد للرئيس جمال عبد الناصر، والآخر مناهض لسياساته في المنطقة، عبر تأييد الرئيس كميل شمعون لحلف بغداد الذي أنشىء عام 1955 (بريطانيا والعراق وباكستان وإيران)، والذي أعلنت الولايات المتحدة الأميركية دعمه اقتصادياً وعسكرياً، وبالمقابل وصف عبد الناصر للحلف بأنه تهديد للقومية العربية، وجاءت أزمة السويس وحرب 1956، التي شنتها "إسرائيل" وفرنسا وبريطانيا على مصر، لتؤجج الخلاف بين الرئيس شمعون وخصومه في الداخل اللبناني، وتسارعت الأحداث عام 1958، وعملاً بمبدأ "أيزنهاور" طلب الرئيس شمعون من الولايات المتحدة التدخل "لإنقاذ الشرعية"، ووصلت قوة المارينز إلى بيروت (قيادة قوات متعددة الجنسيات)، لوقف النزاع ومنع إراقة الدماء في لبنان، حسب التصريحات الرسمية الأميركية، وبعدها انسحاب تلك القوة في العام نفسه، وتفاقمت الخلافات اللبنانية عندما انتقلت منظمة التحرير الفسلطينية إلى لبنان، بعد الأحداث الدامية في الأردن عام 1970، والانقسام اللبناني ظهر مجدداً حول طريقة مقاومة العدو من قبل منظمة التحرير وباقي الفصائل الفلسطينية، والرؤية لمقاربة التعاطي مع القضية الفلسطينية، في ظل اتفاق القاهرة عام 1969 لتنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، وتسهيل المرور للفدائيين، والسماح للفلسطينيين المقيمين في لبنان بالمشاركة في الثورة الفلسطينية من خلال الكفاح المسلح.

الأمر الذي أدى في نهاية المطاف كي يصبح الفلسطينيون أحد أطراف الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وصولاً إلى اجتياح العدو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية عام 1978، والاجتياح الواسع للبنان عام 1982، بحجة ملاحقة منظمة التحرير الفلسطينية، لإخفاء الأهداف الاستراتيجية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، والتي تجاوزت لبنان، لأن معظم تلك الأهداف تتعلق بفرض واقع جديد في المنطقة، وقد نتج عن الاجتياح حصار العاصمة بيروت، والذي استمر 70 يوماً، والاتفاق على خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت (21 آب 1982)، بحماية قوات متعددة الجنسيات، مهمتها الفصل بين المتحاربين.

وتم انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية (23 آب/أغسطس 1982)، في ظل معارضة شديدة لوصوله لسدة الرئاسة، وقبل أقل من شهر على انتخابه تم اغتياله (14 أيلول/سبتمبر 1982)، والرد بعد أيام قليلة على الاغتيال بمجزرة صبرا وشاتيلا (16 أيلول/سبتمبر 1982)، ودخول قوة أطلسية إلى لبنان بتاريخ 20 أيلول/سبتمبر 1982 (تحت اسم قوات متعددة الجنسيات للأمن بمشاركة أميركا وفرنسا وإيطاليا)، والتي تبين أن مهتمها صعبة، وفشلت في مهمتها وانسحبت في شباط/فبراير العام 1984، أثر سلسلة من الهجمات استهدفتها، وكان أكبرها في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1983، التي أودت بحياة 241 جندياً أميركياً و58 جندياً فرنسياً، في عمليتين متزامنتين استهدفتا قوة المارينز الأميركية وكتيبة المظليين الفرنسيين في بيروت، وبعد أسبوع من اغتيال شقيقه بشير تم انتخاب أمين الجميل رئيساً للجمهورية، وتوقيع اتفاق 17 أيار/مايو 1983، ولاحقاً إسقاط هذا الاتفاق بفعل انتفاضة السادس من شباط/فبراير عام 1984، ضد حكم أمين الجميل، الذي زج الجيش اللبناني في مواجهة المعارضين للاتفاق في الضاحية الجنوبية وبيروت الغربية، ورفض الوحدات العسكرية التابعة للواء السادس الانجرار للاقتتال الداخلي، ورفض الأوامر الصادرة عن القيادة العسكرية في وزارة الدفاع في اليرزة، تلك الانتفاضة التي هزّت لبنان، والتي قادت إلى إلغاء الاتفاق في جلسة لمجلس النواب في آذار/مارس 1984.

كل تلك المحطات، بالإضافة إلى أحداث أخرى، أدت إلى الانقسام بين اللبنانيين، الذين غرقوا على مدى عقود في مستنقع الخلافات فيما بينهم، والتي عمل الخارج على ترسيخها، بحيث ارتفعت المتاريس في جبهات القتال العسكرية والسياسية، بحيث أن المواجهات المسلحة في كثير من الأحيان، حكمت الوضع الداخلي في لبنان، حتى إن هذا الانقسام تسلل إلى العمق اللبناني، ووصلت الصراعات إلى داخل كل طائفة أو مذهب، وأوقعت آلاف الضحايا، ودمرت مناطق بأكملها، بالإضافة إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي مارس أقسى أنواع الترهيب والاعتقال بحق اللبنانيين، إلى أن خرج مدحوراً بعد مقاومة استمرت نحو 18 عاماً، والتي توجت إنجازاتها بتحرير معظم الأراضي اللبنانية عام 2000.

لم يجتمع اللبنانيون على كيفية مواجهة الأطماع الإسرائيلية، بالرغم من اتفاقهم على اعتبار "إسرائيل" عدواً للبنان، والتصريحات العلنية بذلك لمعظم الفرقاء، بمن فيهم من كانت تربطه في مرحلة من المراحل علاقة واضحة بـ"إسرائيل"، بحجة الدفاع عن وجوده، تلك الانقسامات حول طريقة المواجهة، تركت آثاراً سلبية أضعفت الوحدة الوطنية، وعرضتها للكثير من الصدمات، التي كان أصعبها اغتيال الرئيس رفيق الحريري (رئيس حكومة أسبق) في 14 شباط/فبراير 2005، وما نتج عنه من تداعيات خطيرة، تمثلت في مظاهر الفتنة التي لاحت حينها، ومحاولة استغلال الاغتيال لتغيير موازين القوى الداخلية، خصوصاً بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان (30 نيسان/أبريل 2005)، وتعمّق الانقسام بين اللبنانيين بعد عدوان تموز/يوليو 2006 على لبنان، والذي أثبت صعوبة الاتفاق على مقاربة موحدة للصراع مع العدو الإسرائيلي.

بحيث أن الانقسام وصل إلى ذروته، وتحميل المقاومة مسؤولية الضحايا والدمار الذي حل بلبنان، وأن عملية أسر الجنديين الإسرائيليين هي التي سببت بذلك، وتناسى الجميع الاعتداءات السافرة على لبنان، وآلاف الطلعات الجوية للطيران الحربي الإسرائيلي، تلك الطلعات التي كانت تهدف إلى جمع المعلومات الاستخبارية، لاستخدامها في الحروب المقبلة ضد لبنان، وهذا ما برز بشكل واضح في الحرب المفتوحة ضد لبنان، بسبب فتح المقاومة لجبهة إسناد غزة منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بالإضافة إلى إبقاء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر تحت الاحتلال.

المشهد يتكرر في تصعيد  العدو الإسرائيلي لاعتداءاته على لبنان منذ 23 أيلول/سبتمبر 2024، إذ ظلت العمليات العسكرية لفترة طويلة ضمن قواعد الاشتباك التي رسمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، بعد حرب تموز/يوليو 2006، لكن بعد هذا التاريخ تغير كل شيء، وانتقل العدو من مرحلة الاشتباك المضبوط إلى الحرب المفتوحة، التي تجاوزت كل الخطوط الحمر، بهدف إرهاق المقاومة وتدمير بنيتها وقدراتها العسكرية والصاروخية، واستهداف قياداتها، والقيام بتدمير واسع للقرى والمدن، وسقوط آلاف الشهداء والجرحى، هذا التصعيد غير المسبوق يهدف إلى تغيير التوازنات الداخلية، وإحداث تعديلات كبرى في خريطة الشرق الأوسط وتوازناته، وإدخاله في مرحلة تطبيع شاملة، تعيد إحياء المشاريع التي أعدّت للمنطقة، لتكون "إسرائيل" جسماً طبيعياً فيها، واستئصال حركات المقاومة، خصوصاً الفلسطينية منها، ومنعها من المطالبة بحقوقها، وتغييب القضية الفلسطينية، وتحويلها من قضية مركزية في الصراع العربي – الإسرائيلي، إلى مسألة هامشية محصورة بحلول خادعة، عنوانها حل الدولتين.

كل ذلك يجعل من الحرب ضد لبنان، محطة أساسية لتحقيق ألأهداف الكبرى للعدو، وإضعاف إيران، عبر تدمير برنامجها النووي، وقطع أوصالها مع حركات المقاومة، وإغراقها في العقوبات الأميركية والغربية، وتفكيك علاقاتها مع روسيا والصين، وإرغامها على حصر اهتماماتها في قضاياها الداخلية، وإثارة الاضطرابات لتقويض النظام أو ترويضه، بالإضافة إلى تحييد سوريا عن التأثير في المنطقة، وإشغالها في تجميع سلطتها المركزية المفقودة، التي فقدتها في الحرب عليها منذ العام 2011، ومحاصرتها من كل الجهات، وإبقاء القواعد الأميركية فيها (نحو 28 موقعاً وأكثر من 2000 جندي أميركي معظمها في شرق سوريا)، تحت مظلة التحالف الدولي، وهي قواعد تحاول التاُثير في الوجود الروسي والإيراني في سوريا، واقترابها من حقول النفط والغاز.

بالإضافة إلى إقامة أميركا قاعدة استراتيجية لها في منطقة التنف، للسيطرة على معبر التنف الحدودي، وأهمية القاعدة تكمن في أنها تقع في منطقة المثلث السوري- العراقي- الأردني، وتهدف إلى تعطيل الممرات التي تستخدمها إيران، ومواجهة تمددها، وإضعاف النفوذ الروسي أيضاً، كما إن وجود القوات التركية في شمال سوريا، واحتلالها لعدة مناطق في محافظات حلب والرقة والحسكة، والتي تشكل كياناً سياسياً منفصلاً، تحت حكم السلطة المزدوجة للمجالس المحلية اللامركزية والإدارة العسكرية التركية، كل ذلك يضع سوريا في دائرة الاستهداف، لتكون أقل فاعلية في أي مشروع يتعلق بمستقبل الشرق الأوسط، ولن نُكثر الحديث عن العراق، الذي يعاني من مشكلات تسبب بها الاحتلال الأميركي لأراضيه عام 2003، ولا يزال يعاني من توزّع السلطة، بين الأحزاب الحاكمة والكرد، الذين يترددون في الانخراط الفعلي في الدولة الواحدة، وينتظرون أي فرصة لإعلان الانفصال الكلي، أو المطالبة بحكم ذاتي موسّع في إقليم كردستان، أقرب إلى الكونفدرالية منه إلى الفدرالية، يحرره من قبضة الحكومة الاتحادية على الصعد المالية والقضائية والاقتصادية وحتى الأمنية.

نحن نعيش في قلب الحرب الكبرى، ولو قدّر للعدو المضي في مخططاته، فإن الدول لن تظل في حدودها المعترف بها دولياً، خصوصاً في ظل تمادي "إسرائيل" في تجاهل القرارت الدولية، والتعاطي مع الأمم المتحدة كأنها غير موجودة، وما يثبت ذلك، إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشكل صريح:

"لم يكن قرار الأمم المتحدة الذي أنشأ دولة إسرائيل، بل هو النصر الذي تحقق في حرب الاستقلال بدماء المقاتلين الأبطال"، في رده على الرئيس الفرنسي بعد تذكيره له بأن لا ينسى أن بلاده أنشئت بقرار من الأمم المتحدة، بالإضافة إلى أن الممارسات الإسرائيلية على مدى عقود، تهمّش تلك المنظمة، وتنكر جميع قراراتها، حتى إن قرارات مجلس الأمن الدولي لم تنفذها، خصوصاً أنها تحظى بدعم مطلق من الولايات المتحدة الأميركية، التي تعطل الكثير من مشاريع القرارات في مجلس الأمن، التي تدين أو تعارض السياسة الإسرائيلية، وهذا ما يحتم على جميع الدول وحركات المقاومة، التنبه إلى خطورة التعويل على منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها، في الحصول على حقوقها، ما دامت "إسرائيل" لم تلتزم يوماً بأي قرار، إلا إذا كان يحقق مصالحها، وغير ذلك تقوم باتهام المنظمة وأمينها العام بإصدار مئات القرارات المعادية للسامية.

أمام تمادي العدو في تجاهل قرارات مجلس الأمن الدولية، وقرارات المحاكم الدولية، وقيامه بعملية برية على الحدود اللبنانية، تنتهك سيادة الدولة، وتنسف القرار 1701، وتستهدف قوات حفط السلام "اليونيفيل" التابعة للأمم المتحدة، وتطلب منها إخلاء بعض مواقعها، والاعتداء على الجيش اللبناني، كيف يمكن تفسير مسارعة بعض المسؤولين اللبنانيين إلى الاستعداد لتنفيذ هذا القرار؟ في ظل حملة مسعورة من قبل بعض الجهات اللبنانية، للتصويب على المقاومة، وتحميلها مسؤولية الخسائر البشرية والمادية، وكي الوعي الشعبي الحاضن للمقاومة، وإخفاء الأهداف الحقيقية للحروب التي يقوم بها العدو الإسرائيلي، الذي لم يتوقف يوماً عن السعي للسيطرة مباشرة على لبنان، وضرب التنوع الذي يتميز به، والمناقض لتركيبة الكيان العنصرية، وكأن اللبنانيين لم يتعلموا من تجاربهم التاريخية مع هذا العدو، وسياساته الإجرامية.

المشكلة تكمن في تنامي الانقسام اللبناني، في ظل الحرب الدائرة بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، التي بدأت كجبهة إسناد لقطاع غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفي السجال المتشعب بين المكونات اللبنانية، ومحاولة رمي المسؤولية على طائفة من الطوائف، أو الإيحاء بأن المقاومة تلفظ أنفاسها الأخيرة، في صورة تخفي حقيقة التصدي لكل الاعتداءات الإسرائيلية، ومنع العدو من دخول الأراضي اللبنانية على مدى أكثر من ثلاثة أسابيع، بالرغم من حشد آلاف الجنود، وتنفيذه لآلاف الغارات الجوية، ومواصلة المقاومة في إمطار الداخل الإسرائيلي كما مناطق تحشيدات العدو على الحدود بمئات الصواريخ، والبدء باستخدام النوعية منها، والقيام بعمليات نوعية كبدته خسائر كبيرة، ويكفي أن المقاومة تمكنت من ضرب معسكر تدريب للواء غولاني، الذي يتباهى به "الجيش" الإسرائيلي، وتفجير مسيّرة في منزل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أليس هذا دليلاً واضحاً على قوة المقاومة، التي تحتم على المسؤولين اللبنانيين الاستناد إليها في أي عملية تفاوضية، من دون استجداء تلك العملية، لأن لبنان ليس بموقف الضعيف ما دامت مقاومته قوية؟

التفاوض تحت النار، هو شعار أعلنته معظم قيادات العدو، فلماذا يرضخ لبنان لهذا الابتزاز، والمقاومة تلقن "الجيش" الإسرائيلي درساً موجعاً في القتال، في ظل الدعم الأميركي الواضح للكيان الغاصب، وقيام واشنطن بكل وقاحة بنشر منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية "ثاد" في "إسرائيل"، بذريعة حمايتها من الهجمات الإيرانية، لكنها في الحقيقة مظلة عسكرية تميزت بمدّ الاحتلال بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، التي تسفك دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، والتي تدمر المدن والبيوت بذكرياتها وإرثها ومعالمها، فكيف يمكن أن تكون الولايات المتحدة الأميركية الوسيط المحايد في أي عملية تفاوض لوقف إطلاق النار؟

فالعامل الأوحد في فرض وقف إطلاق النار هو سلاح المقاومة، وصمود مقاتليها الذين استمدوا من كربلاء عظمة الشهادة، وعاهدوا شعبهم وقائدهم الشهيد السيد حسن نصرالله وكل الشهداء، بأن يكسروا شوكة العدو، ويخرجوه ذليلاً كما أخرجوه مدحوراً عام 2000، كإنجاز تاريخي فضح الجيوش العربية والكثير من شعوبها، ذلك الإنجاز الذي تكرر صموداً في حرب تموز/يوليو 2006، وما الحرب المفتوحة ضد لبنان، إلا بهدف كسر المقاومة، وتقويض إنجازاتها التاريخية، وتغيير موازين القوى الداخلية، والسيطرة عليه سياسياً واقتصادياً، إذا تعذر احتلاله عسكرياً، وما الحملة التي تقودها بعض القوى السياسية الداخلية، وإعادة حديثها عن القرار 1559، سوى دليل واضح على استباق نتائج الحرب، وتشويه الحقائق، والتغاضي عن الامتناع الدائم للعدو عن تنفيذ القرارات الدولية، والضغط على بيئة المقاومة، للدخول في مفاوضات تفرض شروطاً مذلة على لبنان، ستكون بمنزلة إعلان متسرّع عن الاستسلام قبل انتهاء المعركة.

لم يتغير شيء في الانقسامات اللبنانية المزمنة، مع الإشارة إلى أن معظم الدول تصيبها مثل تلك الانقسامات، لكن ليس بالقدر الذي يؤدي إلى تبرئة العدو من اعتداءاته، وتحميل فئة داخلية مسؤولية الضحايا والدمار، فهل "إسرائيل دولة" مسالمة، تسعى إلى إحلال الاستقرار في الشرق الأوسط، حتى نعوّل على السياسة الحكيمة في التعاطي معها؟

أم أنها دولة مارقة من منظور القانون الدولي، وهي التي لم تحترم يوماً شرعة من شرعات حقوق الإنسان؟ وضربت كل القرارات الدولية عرض الحائط، ومزّق مسؤولوها ميثاق الأمم المتحدة في دارها، وهددت واشنطن من أجلها بوقف مساهماتها المالية للمنظمة وأجهزتها، في حال اتخاذ أي قرار يتعلق بعضوية "إسرائيل"، وهذا التهديد وصل إلى الرغبة في تشريعات قانونية ملزمة؟ فهل نسي اللبنانيون وحشية هذا العدو منذ ما قبل نشأة كيانه، وقيامه بمجازر في القرى اللبنانية؟ ما يستدعي من الجميع مراجعة التاريخ، لنكون وطنيين من أجل لبنان، لبنان التنوع والرسالة والمقاومة.