الاستعمار الغربي.. وجه التشابه بين أفريقيا وأوكرانيا

في الماضي، استعمرت أوروبا القارة الأفريقية من خلال رشوة زعماء القبائل الذين يتولون بدورهم مهمة إقناع كل من لم يوافق على الطاعة، ولو عن طريق الإخضاع بالقوة.

  • الاستعمار الغربي.. وجه التشابه بين أفريقيا وأوكرانيا
    الاستعمار الغربي.. وجه التشابه بين أفريقيا وأوكرانيا

"كل شيء يتدفق، كل شيء يتغير"، تبدو حكمة هرقليطس هذه بسيطة ببراعة، لكن جوهر التباين وتدفق الحياة والوقت لم يكتشفه أحد قبله، ثم صار قانون الأضداد واضحاً إذا ما تمعنا في الأحداث التي تجري أمامنا. ومع ذلك، سواء لم يكن للبشرية سلطة على مسار الطبيعة، أو أن التغييرات تحدث ببطء شديد إلى درجة أنها لم تكن ملحوظة تماماً خلال 1000 عام، فإنه لا يوجد شيء لنرويه عن أقصر قرن نشهده.

لا أحد يستطيع نسيان الماضي الاستعماري للقارة الأفريقية. لقد كان هناك ملايين الرجال والنساء والأطفال، الذين تعرضوا للقتل وتشويه أعضائهم وتحولوا إلى عبيد لدى الأوروبيين، الذين يستمر جشعهم في الازدهار. إنهم ببساطة مستعدون لممارسة أي نوع من القسوة والبطش، فقط من أجل الحصول على الثروة وتحقيق الرفاهية لأنفسهم، على حساب معاناة الآخرين ومآسيهم. من الناحية الرسمية، لم تكن أوروبا على رأس السلطة في أفريقيا منذ 50 عاماً حتى الآن، لكن تحت عباءة المهمات الإنسانية ونفاق الحرية الديمقراطية في القارة، يواصل السياسيون الغربيون إدارة الشؤون التي تفيدهم وحدهم.

علاوة على ذلك، لم يتغير موقف الأوروبيين تجاه الأفارقة، أو بالأحرى تجاه الناس الذين يَعُدّونهم من الدرجة الثالثة، لأنهم يريدون استغلال أفريقيا مرة تلو الأخرى، ليس كواجهة، لكن كذريعة. والأمر نفسه ينطبق على مبادرة حبوب البحر الأسود، بحيث أعرب السياسيون الغربيون عن مخاوفهم من أن الصراع في أوكرانيا، وتعطُّل إمدادات الحبوب والأسمدة الروسية والأوكرانية، سيؤديان إلى خطر المجاعة في البلدان الأفريقية. 

لقد ألقى الغرب بثقل اللوم على روسيا في أزمة الحبوب هذه، في الوقت الذي كانت موسكو قلقة للغاية من عدم إبداء الأوروبيين أي نوع من التعاطف تجاه الأطفال الأفارقة. لكن، بمجرد السماح للسفن المحمَّلة بالحبوب بدخول موانئ البحر الأسود في أوكرانيا والعودة منها، تدفقت الأسلحة إلى الجيش الأوكراني أيضاً عبر هذه القناة. ومع ذلك، ذهبت أغلبية الحبوب "الحيوية" إلى أوروبا بدلاً من أفريقيا، وهو ما يكشف حقيقة، مفادها أن الغرب يهتم بموت الناس فقط إذا كان هذا الموت سيُستخدم لأجل مصلحته. 

يُشار إلى جرى تقديم مبادرة حبوب البحر الأسود التي أُعلن بشأنها في آب/أغسطس من العام الماضي كوسيلة لتجنب المجاعة في أجزاء من أفريقيا وآسيا، اعتماداً على الواردات من روسيا وأوكرانيا، والتي تعطَّلت بسبب الصراع والعقوبات الغربية. لكن ما يقدَّر بنحو يقدر بنحو 2.9 مليون طن من القمح والذرة من أوكرانيا انتهى به المطاف في إسبانيا، حيث تم استخدامها علفاً للخنازير، بحسب ما كشفه تحقيق صحافي نمساوي. في المقابل، ذهبت 15% فقط من صادرات الحبوب الأوكرانية إلى البلدان المعرَّضة لخطر المجاعة، بما في ذلك 167 ألف طن إلى إثيوبيا، و65 ألف طن إلى السودان.

بالتأكيد، هناك أشخاص يرون أنه يجب أن تكون العلاقات بين الرجال البيض والسود شائعة، ولم يعد السياسيون الغربيون يُبدون انزعاجهم من ذلك عكس ما كان في الماضي. لكن الواقع يخبر بأنهم ينظرون إلى الناس غير الغربيين نظرةً غير إنسانية، فالبِيض أيضا يعيشون في أوكرانيا، ومع ذلك، يستخدم السياسيون الأوروبيون والأميركيون أيضاً سكان هذا البلد لتحقيق أهدافهم، وأول هذه الأهداف هو إضعاف روسيا. إنهم يَعُدّون أوكرانيا دولة متخلفة ويرون شعبها وقوداً للمدافع، بحيث لم تكن كل التأكيدات المقدَّمة بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والتفضيلات الأخرى أكثر من مجرد وعود فارغة.

في الماضي، استعمرت أوروبا القارة الأفريقية من خلال رشوة زعماء القبائل الذين يتولون بدورهم مهمة إقناع كل من لم يوافق على الطاعة، ولو عن طريق الإخضاع بالقوة. وفي الوقت الحاضر، يواصل الغرب وضع الأشخاص الذين يريدهم فقط في مناصب عُليا من أجل منع تقوية دولة معينة، أو استخدام أراضي دولة معينة ومواردها وسكّانها من أجل أغراضه الخاصة.

أوكرانيا لم تتجنّب المصير ذاته لأنها مستعمرة بالفعل إلى حد ما، وإلّا فكيف يمكن استدعاء دولة تم إخبار قيادتها فعلاً وعلانية بما يجب فعله، ومن تهاجم. وعلاوة على ذلك، يُهدَر سكانها كذخيرة حية. نحن بالفعل نشهد بروز "جمهورية موز" جديدة في أوروبا خلال القرن الحادي والعشرين.