"الإرباك الصوتي".. الاختراع أبُ الحاجة
أيّ اختراع ربما يلجأ مُخترعه إلى الرضوخ أمام حاجات الناس، والعكس، فربما يرضخ الناس لظرف مُلحّ.
لن يهدأ الفلسطيني ولن يكِلّ عن تطوير أشكال المقاومة. كلّ زمن يحتاج إلى تنمية القدرات وتحسين أداء وسائل الردع، من دون تغيير الغاية، أي زوال الاحتلال وتحرير الأرض. ليست كلّ حاجة أمّ الاختراع. الأهم أن يكون الاختراع مقبولاً ومفيداً للمجتمع، وإلا سيفشل.
لنوسّع الفكرة، عندما قام إديسون باختراع جهاز الفونوغراف في العام 1877م لتسجيل الأصوات وبثّها، كان لهذا الاختراع 10 استخدامات ممكنة، منها تسجيل آخر كلمات الموتى، وتسجيل الكتب للمكافيف، وتعليم الحروف، وإعلان الوقت، وغيره.
وقد اعترض إديسون على استخدام الجهاز موسيقياً، لأن ذلك، في رأيه، يقلل من قيمته، ولكن بعد 20 عاماً، رضخ إديسون، وقال إن هدف الجهاز هو تسجيل الموسيقى وبثها أيضاً.
وعندما اخترع نيكولاس أوتو محرك البنزين في العام 1866م، كان المجتمع راضياً عن الخيول والقطارات البخارية، لأنَّ المحرّك كان ضخماً وثقيلاً. وبين العامين 1885-1905، ظهرت الدراجة النارية والشاحنات على يد غوتفريد ديملر، إلا أنَّ المجتمع بقيَ متمسكاً بالخيول والقطارات، لاعتقاده بأنَّ هذه الاختراعات، مثل السيارة، هي مجرّد كماليات ثمينة لا يقدر عليها إلا الأثرياء.
ومع بدء الحرب العالمية الأولى في العام 1914، ألحّت الشركات على الحكومة والناس لاستخدام الشاحنات، بوصفها أفضل الطرق لنقل مؤن الحرب، فرضخ الناس، وحلَّت الشاحنات محل الخيل.
نفهم من ذلك أنَّ أيّ اختراع ربما يلجأ مُخترعه إلى الرضوخ أمام حاجات الناس، والعكس، فربما يرضخ الناس لظرف مُلحّ.
في المشهد الفلسطيني، يبدو الأمر مختلفاً، فقد يكون "الاختراع أب الحاجة"، مِن الحجارة والمولوتوف ووحدة الكاوتشوك والإرباك الليلي والدهس والطعن، وصولاً إلى أسرى جلبوع الَّذين اقتلعوا حريتهم بيدهم، والأسرى الإداريين الذين واجهوا السجّان ببطون فارغة، وآخرها العمليّات البطولية في الأراضي المحتلة. هذه كلّها أساليب وابتكارات محلية وطنية لمواصلة معركة الصمود والتحدي ومواجهة العدو وإزالته حتى خارج كوكب الأرض.
أما الإرباك الصوتي، فهو أسلوب جديد في مقاومة العدو للدفاع عن مسجد الأقصى، يستخدمه المعتكفون في المصلى القبلي، لبثِّ الخوف في قلوب المستوطنين وإرباك قوات الاحتلال، من خلال:
١- التكبيرات والهتافات المرتفعة.
٢- استخدام مكبّرات المسجاد ومآذنها لبث النداءات.
٣- القرع على الأبواب بصخب، بما يشبه قرع "طبول الحرب".
٤- إطلاق المفرقعات النارية.
لم يعتد الاحتلال هذا الأسلوب، وهو لن يكون الأخير، لأنَّ الفلسطيني يعشق المفاجآت، وبحوزته الكثير من أشكال المقاومة التي سيتعرف العدو إليها لاحقاً، إضافة إلى تطوير المقاومة الفلسطينية عسكرياً.
وهنا، نذكر صاروخ "ستريلا 2"، وهو سهم من الزمن السوفياتي، ونظام دفاعي أرض-جو يُحمل على الكتف، تم إطلاقه لأول مرة تزامناً مع استفزازات مقتحمي الأقصى، وللوقوف إلى جانب جنين.
إنّ معادلة المقاومة توسّعت ذهاباً وإياباً من غزة إلى القدس، مروراً بحيّ الشيخ جراح ومسجد الأقصى، وصولاً إلى جنين، إلى جانب القاعدة الشعبية المنتفضة بالعمليات البطولية التي باتت تجبر المستوطن على المكوث في بيته أكثر من ساعة.
من رحم المعاناة تولد الشّجاعة، وهي تولد أيضاً من رحم الأبطال. ولولاها لما وجِدت التضحية، فالمجتمع الفلسطيني معروف بأنه ولاد في كل المجالات.