إردوغان يتحدّى واشنطن وموسكو.. هل يشنّ عملية عسكرية في شمال سوريا؟
تمرّ تركيا بأزمة اقتصادية عصيبة أدت إلى انخفاض قيمة عملتها وارتفاع معدلات التضخّم. ورداً على مشاكلهم الداخلية، وجه الشعب التركي أصابع الاتهام بشكل جماعي إلى اللاجئين السوريين.
أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في 23 أيار/مايو عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا من أجل إقامة منطقة للاحتلال التركي بعرض 30 كيلومتراً، ووصف الحدث المقترح بأنه عملية لمكافحة الإرهاب، وسيُكشف عن التفاصيل في الاجتماع القادم لمجلس الأمن الوطني.
تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة أميركياً (YPG) والميليشيا الموالية لها، قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، رفاق سلاح مع حزب العمال الكردستاني (PKK). وقد أثارت رعاية الولايات المتحدة لـ"قسد" ووحدات حماية الشعب الكردية ودعمها لهما حفيظة تركيا لسنوات، وسببت توتراً بين واشنطن وأنقرة اللتين كان يُنظر إليهما في وقت من الأوقات على أنهما حليفتان مقربتان، وكلتاهما عضوان في حلف شمال الأطلسي.
وقد استهدفت تركيا الميليشيات الكردية في سوريا وشمال العراق لسنوات. وتحتل الولايات المتحدة أجزاء من شمال شرقي سوريا، واصفةً ذلك بأنه عمليات مضادة لتنظيم "داعش"، إلا أنها في واقع الأمر مجرد عمليات مضادة لتركيا وسوريا لمساندة الميليشيات الكردية المدعومة أميركياً.
ونفَّذت أنقرة 3 عمليات توغل عسكرية في شمال سوريا منذ العام 2016، واستولت على مئات الكيلومترات من الأراضي، متغلغلة نحو 30 كيلومتراً في عمق البلاد. وخلال هجوم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على سوريا، والذي بدأ في آذار/مارس 2011، قامت تركيا، إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وممالك الخليج الغنية بالنفط، بدعم الإرهابيين الإسلاميين الراديكاليين الذين تم تجنيدهم في سوريا أثناء إدارة أوباما وتمويلهم.
وقد انتهى الصراع في سوريا منذ العام 2019، وآل إلى الجمود الحالي بوجود إدلب فقط قابعةً تحت سيطرة "القاعدة"، والتي تحميها النقاط العسكرية التركية.
تحذير الولايات المتحدة لتركيا
عارض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في 24 أيار/مايو العملية العسكرية الجديدة التي اقترحها إردوغان بشدة، قائلاً إن أي هجوم جديد على شمال سوريا سيقوض الاستقرار الإقليمي ويعرّض القوات الأميركية للخطر.
وقال برايس: "نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير والمباحثات فيما يتعلق بزيادة النشاط العسكري المحتمل في شمال سوريا، ولا سيّما تأثيره في السكان المدنيين هناك. نحن ندين أي تصعيد، وندعم الحفاظ على التزامات وقف إطلاق النار الحالية".
وتريد إدارة بايدن الحفاظ على حالة الجمود في سوريا، والتي تمنع الشعب السوري من تضميد جراحه وإعادة الإعمار بعد 11 عاماً من الصراع المسلح. وتهدف سياسة الولايات المتحدة إلى إبقاء سوريا ولبنان في حالة من الفوضى، لإضعاف صمودهما في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
ردّ الحكومة السورية
صرّحت وزارة الخارجية السورية، في 25 أيار/مايو، أنها ستعتبر أي توغلات عسكرية تركية في أراضيها بمنزلة "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، وترى دمشق أنّ التوغّلات انتهاك لسيادة البلاد ووحدة أراضيها، ووجهت رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن تصف فيها تصرفات تركيا بأنها غير شرعية.
وقبل اندلاع صراع العام 2011، كانت سوريا وتركيا حليفتين وثيقتين، وكانتا تنتهجان سياسة التجارة الحرة والسفر من دون تأشيرة بين الجارتين اللتين تحدهما حدود طويلة، إلا أنَّ تركيا وافقت على هجوم موجّه من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من أجل تغيير النظام، ولكنه فشل.
استضافت تركيا خلال الصراع إرهابيين من جميع أنحاء العالم، وكانت كأنها مركز عبور للإرهابيين القادمين براً إلى سوريا من الحدود التركية، وكان الإرهابيون الدوليون من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وأستراليا، وكذلك من الدول العربية، وكان معظمهم من أتباع "القاعدة" وتنظيم "داعش".
وتشهد سوريا حالة انهيارٍ اقتصادي، إذ دمرت العقوبات الأميركية والأوروبية الاقتصاد، وألقت السكان في براثن الفقر، لكن العقوبات لم تؤثر في الحكومة السورية، ما دفع الاقتصاديين إلى التشكيك في دور العقوبات التي أقرها الكونغرس الأميركي.
من هم حزب العمال الكردستاني و"قسد" ووحدات حماية الشعب الكردية؟
تعتبر الولايات المتحدة والناتو حزب العمال الكردستاني مجموعةً إرهابيةً، ولكنهما يدعمان "قسد" ووحدات حماية الشعب الكردية، وهو ما سبب الخلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة وتركيا من جهة أخرى.
وقد قام حزب العمال الكردستاني بقتل الآلاف في تركيا على مدى عقودٍ من الإرهاب. حزب العمال الكردستاني هو جماعة إرهابية شيوعية مسلحة متحالفة مع قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية اللتين ترعاهما أميركا.
وسط فوضى الصراع في سوريا، تسلّح الكرد، وأجلوا العرب من شمال شرق سوريا تحت تهديد السلاح في عملية تطهير عرقي، وشُرّد مئات الآلاف من العرب السوريين في هذه العملية التي أقامت إدارة اشتراكية في الشمال الشرقي.
وعندما قررت الولايات المتحدة اجتياح سوريا عسكرياً ونشر جنودها على الأرض بذريعة محاربة "داعش"، تحالف البنتاغون مع قوات سوريا الديموقراطية ووحدات حماية الشعب المتحالفتين مع حزب العمال الكردستاني الشيوعي. وكان البنتاغون على استعداد لدعم هؤلاء الإرهابيين والدفاع عنهم، لأنهم كانوا مرتزقة لمصلحة الولايات المتحدة.
وعلى الصعيد المحلي، ترى الولايات المتحدة أن الشيوعيين والاشتراكيين غير أميركيين، ولكن حكومة الولايات المتحدة ستتحالف معهم من دون قيد ما داموا يخدمون المصلحة العسكرية الأميركية.
سكن جديد للاجئين السوريين
وأعلن إردوغان، خلال حديثه أثناء تدشين منازل إسمنتية جديدة في شمال سوريا، خطته لإخراج اللاجئين السوريين من داخل تركيا، وتوطينهم في الأراضي التي تحتلها تركيا في شمال سوريا.
وأوضح أنه تم إنجاز ما يزيد على 57 ألف منزل من أصل 77 ألف منزل في محافظة إدلب، وهي تؤوي الآن 50 ألف أسرة. وستحوي المنطقة الآمنة التي اقترحها إردوغان 100،000 منزل. وفي نهاية المطاف، سيكون فيها ما يكفي من المنازل لإيواء جميع ملايين اللاجئين السوريين في تركيا.
وسيكون في مستوطنة الاحتلال مدارس ومستشفيات تديرها تركيا على الأراضي السورية، إذ استقبلت تركيا لاجئين سوريين أكثر من أي دولة أخرى، وأفادت بأن حوالى 500 ألف سوري عادوا إلى سوريا منذ العام 2016، بعضهم طوعاً، والبعض الآخر من خلال عمليات الترحيل القسري.
الكراهية التركية تجاه اللاجئين السوريين
تمرّ تركيا بأزمة اقتصادية عصيبة أدت إلى انخفاض قيمة عملتها وارتفاع معدلات التضخّم. ورداً على مشاكلهم الداخلية، وجه الشعب التركي أصابع الاتهام بشكل جماعي إلى اللاجئين السوريين. وتم توجيه الغضب السائد تجاه اللاجئين السوريين الذين يتم استخدامهم مثل كبش فداء.
وملأت المنشورات المليئة بالكراهية مواقع التواصل الاجتماعي التركية، وشاهد الملايين مقطع الفيديو الذي نشره أحد أعضاء اليمين المتطرف في البرلمان، أوميت أوزداغ، حديثاً. وتلقي شريحة متزايدة من الشعب التركي اللوم على اللاجئين السوريين في كل مشاكلهم وترغب في رحيلهم، فقد نفذت الإدارة العثمانية التركية أول إبادة جماعية في التاريخ بحق الأرمن والمسيحيين، فالأتراك ليسوا عرباً، ولديهم ثقافة تحيز عنصري راسخة تجاه كل من ليس ذا عرقٍ تركي.
ودفع الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات لإردوغان للإبقاء على اللاجئين السوريين ومنعهم من الهجرة إلى أوروبا طلباً للجوء.
تركيا وحلف شمال الأطلسي
يمتلك إردوغان قرار قبول طلب فنلندا والسويد للانضمام إلى الناتو أو رفضه، فقد قام كلا البلدين بإيواء وحماية ناشطين كرد تعتبرهم تركيا إرهابيين على ارتباط بحزب العمال الكردستاني وجماعات متطرفة أخرى. بالنسبة إلى الغرب بشكل عام، حظيت قضية الكرد وكفاحهم من أجل إقامة وطن على أرض مسروقة بنظرة إيجابية، وغالباً ما يطلق الغرب على الإرهابيين مسمى "مقاتلي الحرية".
ولكون مصير توسع الناتو في أيدي إردوغان، فهو يرى في ذلك فرصته في مطالبة فنلندا والسويد بوقف دعمهما الناشطين الكرد وأولئك المرتبطين بقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني. وتطالب تركيا الناتو بالإحجام عن دعم الإرهابيين، في الوقت الذي يدّعي توفير الأمن للدول الأعضاء.
وسيكون هذا بمنزلة خروجٍ عن الدعم السابق للإرهابيين الإسلاميين الراديكاليين الذين كانوا جنود الولايات المتحدة والناتو على الأرض في سوريا. وسيكون السؤال: هل سيتوقف الناتو عن دعم الإرهابيين الكرد، في حين أن الولايات المتحدة تحالفت معهم في سوريا؟ وهل الناتو هو مجموعة تمثل جميع الأعضاء أو أنه مجرد دمية في أيدي الولايات المتحدة؟