"السوشيل ميديا" واحتكار السّلطة الرابعة.. من يتحكَّم بمن؟!

أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي تحولاً جوهرياً في البيئة السياسيَّة، حيث لعبت دوراً في اختيار من يحكم، ما أدى إلى تغيير المشهد الإعلامي خلال الحملات الانتخابية.

  • تزايد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بشكل حادّ، وخصوصاً خلال السنوات الخمس الماضية
    تزايد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بشكل حادّ، وخصوصاً خلال السنوات الخمس الماضية

لم يعد الأمر مجرّد تدوينة شخصيّة صغيرة أو تعبيراً عما يجول في الخاطر، فالأمر تعدّى مداه المخطّط له منذ أن فكّر مارك زوكربيرغ بإنشاء "فيسبوك"، فكان مولوده الأزرق خير دليل سارت على نهجه العديد من العلامات الزرقاء الأخرى. وبهذا، تحوّلت "صدفة" مارك – ربما - إلى أول ميعاد في ميدان التخطيط للسيطرة على العالم.

على مدى السنوات القليلة المنصرمة، أضحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً من الحياة اليومية للناس والمجتمع بأكمله، وهي لم تغيّر أشكال الاتصال فحسب، بل امتلكت أيضاً القدرة على إعادة توزيع السلطة، عبر تحويل العلاقة بين الحكومات والمواطنين، فلم تعد علاقة أحادية الجانب وسلبية، بل منحت الأفراد المزيد من الفرص للمشاركة السياسية، ونشر الوعي بالديمقراطية، والقدرة على مواجهة الأحداث الاجتماعية غير العادلة، ومراقبة سلوك الحكومات.

وبهذا، تحدى الوافد الجديد موقف الإعلام التقليدي، وأضفى الطابع الديمقراطي على الإعلام والمعلومات، أو ربما هذا ما يبدو عليه الأمر عندما يطرح السؤال نفسه: من يتحكّم في تدفق المعلومات والأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي "السوشيل ميديا"؟ هل ما نشاهده في صفحاتنا الشخصية هو تدفّق عشوائي غير مدروس فعلاً؟

قوة مهيمنة

تزايد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بشكل حادّ، وخصوصاً خلال السنوات الخمس الماضية، إذ زاد عدد مستخدمي هذه الوسائل على 3.6 مليارات في العام 2020. ومن المتوقّع أن يرتفع العدد إلى ما يقارب 4.41 مليارات في العام 2025، وخصوصاً مع انخفاض متطلبات "السوشيل ميديا"، والتي لا تحتاج إلى أكثر من هاتف محمول وإنترنت، وهما اللذان أصبحا من الضروريات في حياتنا، ولم يعودا من الكماليات.

مما لا شكّ فيه أنّ مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت منتدى مهيمناً للخطاب وتوزيع الأخبار مع استخدامها الكبير وانتشارها الواسع، وباتت متفوقة على وسائل الإعلام التقليدية في سرعة الوصول إلى المعلومات وموقع الأحداث، ولم تقتصر حدود طغيان هذه المنصات على ذلك فحسب، وإنما أصبحت كالمعلم، يستقي منه التلاميذ فروضهم اليومية لتغطية حدث ما أو تناول خبر معين.

وبهذا، بات الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي يعدّ القوة العظمى المسيّرة لمهام الإعلام التقليدي، ومحدداً لا بديل له - حالياً - لفرز القصص الإخبارية وتحديد أولويتها، تماماً كما حدث في قضية مقتل الشابة السورية آيات الرفاعي على يد زوجها، ما دفع إلى تحرّك ضخم للرأي العام في "فيسبوك" ومنصات أخرى للمطالبة بالقصاص العادل.

وقد نتج من هذا التحرك الاجتماعي الافتراضي تناول وسائل الإعلام التقليدية للقضية، ومن ثم استجابة فعلية من جهات حكومية قانونية لمحاكمة الجناة. وقس على هذه القضية العديد مما هو أكبر وأضخم على الصعيد السياسي، كالثورات والتحركات السياسية وغيرها.

القرار والسلوك السياسي

أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي تحولاً جوهرياً في البيئة السياسيَّة. لا يتضمَّن ذلك تغيير الطريقة التي يتفاعل بها الأشخاص مع بعضهم البعض، والوصول إلى المعلومات والحصول عليها فقط، إنما استخدام هذه المعلومات أيضاً في النهاية لاختيار من يحكم، ما أدى إلى تغيير المشهد الإعلامي خلال الحملات الانتخابية؛ ففي الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2008، حصل أوباما على معظم الدعم من وسائل التواصل الاجتماعي. ووفقاً لبحوث جامعية مختصّة بالتكنولوجيا وإدارة الأعمال، كان لدى أوباما أكثر من مليوني مؤيد أميركي في "فيسبوك"، وأكثر من 112000 مؤيد غرّدوا لانتخابه. 

وتكرر الأمر نفسه في العام 2012 خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، إذ أثار خطاب قبول ترشيح الرئيس أوباما عدداً كبيراً من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين أيّدوا إعادة انتخابه، ونُشر أكثر من 50000 تغريدة حوله في الدقيقة. نتج من الحدث الذي استمرّ 3 أيام ما يقارب 10 ملايين تغريدة ذات صلة مباشرة بالموضوع، استطاعت التأثير في الناخبين، وبالتالي أصبح أوباما أوَّل من استخدم وسائل التواصل الاجتماعي للترشّح إلى الرئاسة وحقّق النجاح.

لا يتوقّف دور وسائل التواصل الاجتماعي سياسياً عند الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، وإنما يصل إلى إمكانية دفع أصحاب القرار إلى اتخاذ إجراءات معيّنة، مثل إصدار قوانين جديدة أو عزل بعض الأشخاص ممن كانوا حديث الشبكات، نتيجة تصريح ما أو قرار معيّن.

من يتحكّم بمن؟

ربما تعتقد لوهلة بأنَّك سيّد نفسك عندما تقرّر تصفح "فيسبوك" مثلاً لمدة 5 دقائق، لتجد نفسك قضيت أضعاف هذه المدة، فما الذي حدث؟

في الحقيقة، لم يعد الأمر سراً على أحد. معظم الأشخاص باتوا يعلمون أنَّ الشركات العالمية المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي تعتمد على تقنية الخوارزميات في عملية جذب انتباه المتابعين قدر المستطاع للحفاظ عليهم ضمن الشبكة، ما يحقق لها أرباحاً جمة من الشركات المعلنة، إذ تحلّل الخوارزميات البيانات التي تقوم بإدخالها، سواء عن قصد، مثل المعلومات الشخصية، أو عن غير قصد، من خلال تصفّحك الشبكة، مثل الوقت الذي تقضيه في مشاهدة صورة ما، أو تكرار فيديو معين، أو العودة إلى منشور سابق، وبالتالي تتمّ برمجة صفحتك الشخصية لتتضمّن ما يأسر انتباهك ويحرك مشاعرك، فما تشاهده فيها لا يظهر بمحض الصدفة أو يكون مجرد أخبار عشوائية تظهر في خلاصتك.

ولا يتوقف الأمر عند جمع البيانات لأغراض تجارية وإعلانية فحسب، إنما يتعداه إلى فهم حالة المستخدم المزاجية وتحليل سلوكه النفسي والاجتماعي، ليتمّ التنبؤ بالأفعال والتصرفات عند قراءة منشور معيَّن أو مشاهدة محتوى مرئي متعلّق بقضية ما.

يصرّ قادة شركات التواصل الاجتماعي على أنَّهم ليسوا ناشرين، وأنّ منصاتهم مجرد قنوات تكنولوجية للمحتوى الَّذي ينشئه المستخدمون. ورغم ذلك، يعلنون في الوقت نفسه الدور الحاسم الذي يؤدونه في الاتصال الحديث والوصول إلى المعلومات، إلا أنَّ القرارات التي يتخذونها بشأن المواد التي يجب أن يراها المستخدمون، تضعنا أمام تساؤل آخر: هل انتقلنا إلى عصر إعلام جديد حرّ من دون قيود أو أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تعيد تمثيل صفة حارس البوابة، ولكن بشكل محدّث أكثر ذكاء وخبثاً من ذي قبل؟ 

لا يمكن إنكار المساحة الافتراضية الحرة - نوعاً ما - التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يمكن تبديد القوة الفاعلة للرأي العام في هذه المنصات وتأثيرها في غالب الأحيان في سير العملية السياسية لدولة ما أو مجتمع معين، ولكن هل تعتبر هذه المساحة حقاً منطقة محايدة خالية من الضوابط السياسية والخطوط الحمراء، وتقبل جميع الانتماءات، وتعرض كلّ الآراء بشكل عادل؟