"ستارلينك" ومعركة سيطرة البيانات.. من كييف إلى غزة
تعدّ خدمة "ستارلينك" الفضائية فائقة السرعة حلاً لمشكلة الإنترنت في الحروب خصوصاً، إذ تستند إلى تقنية سلاسل الكتل لتوفير اتصالات آمنة ومستدامة، وظهرت أهمية هذه الخدمة في الحرب الأوكرانية. وفي حرب غزة لم تسمح "إسرائيل" باستخدام هذه الخدمة إلا بموافقتها.
يشهد العصر الحديث تقدماً سريعاً في ميدان التكنولوجيا، حيث يلعب الإنترنت دوراً حيوياً في حياتنا اليومية. يُعدّ الوصول إلى اتصال إنترنت ذي سرعة فائقة أمراً أساسياً، خصوصاً في عصر تسارعت فيه عمليات التواصل والتبادل الرقمي. في هذا السياق، يظهر مشروع "ستارلينك" كابتكار ثوري، إذ يستند إلى تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية في تحقيق تحوّل هائل في تأمين الإنترنت.
"ستارلينك"، الذي أطلقته شركة SpaceX، يعد نموذجاً رائداً في تقديم خدمة إنترنت فضائي. يتسم هذا المشروع بالابتكار في استخدام مدارات فضائية منخفضة الارتفاع (LEO)، ما يعزز من فعالية الاتصال ويقلل التأخر في نقل البيانات. يقوم "ستارلينك" بتقديم إمكانيات اتصال فائقة السرعة للمناطق النائية والريفية، حيث تواجه خدمات الإنترنت التقليدية تحديات الوصول.
يعتمد نجاح "ستارلينك" على تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية التي تتسم بالتقدم والابتكار. يُظهر هذا المشروع كيف يمكن استخدام التكنولوجيا الفضائية لتغيير المعادلة في مجال تأمين الاتصالات. ومع ازدياد الطلب على خدمات الإنترنت في جميع أنحاء العالم، يبرز دور "ستارلينك" في توفير خدمة ذات جودة عالية ووصول أوسع.
كيف يؤمن "ستارلينك" خدمات الإنترنت؟
"ستارلينك" يقدم خدمات الإنترنت باستخدام مجموعة من الأقمار الاصطناعية التي تدور في مدارات منخفضة حول الأرض. تعمل آلية تأمين خدمات الإنترنت من خلال "ستارلينك" كالآتي:
أقمار اصطناعية في مدارات منخفضة (LEO): "ستارلينك" يعتمد على مجموعة من الأقمار الاصطناعية التي تتحرك في مدارات منخفضة حول الأرض، وهذا يختلف عن بعض الأنظمة الفضائية الأخرى التي تستخدم مدارات أعلى، ما يسمح بتقديم خدمات الإنترنت بشكل أسرع وفعال.
استخدام تقنيات الاتصال الفضائي: يتم تحسين اتصال "ستارلينك" عبر استخدام تقنيات الاتصال الفضائي المتقدمة، ما يسمح بتحقيق سرعات إنترنت عالية وتأخير منخفض.
توجيه الإشارات بشكل ذكي: يستخدم "ستارلينك" تقنيات توجيه ذكية لتحديد الطريقة الأمثل لإرسال الإشارات،واستقبالها، وهذا يعزز من استقرار الاتصال وسرعته.
تقنية الربط بين الأقمار الاصطناعية: تتعاون الأقمار الاصطناعية في شبكة متقدمة، حيث يتم توجيه الإشارات بين الأقمار بشكل دقيق لتوفير خدمة متسقة ومستقرة.
محطات الأرض الثابتة: تستخدم "ستارلينك" محطات أرضية ثابتة موزعة على وجه الأرض لتوفير تواصل مستمر مع الأقمار الاصطناعية. تلك المحطات تقوم بتوجيه الإشارات وتوفير واجهة الاتصال بين الأقمار وأجهزة المستخدمين.
شبكة الألياف البصرية: تعتمد بعض محطات "ستارلينك" على شبكة ألياف بصرية لتوفير الاتصال بالإنترنت، وهذا يعزز من سرعة وكفاءة الاتصال.
"ستارلينك" بين كييف وغزة
كادت أن تصبح أوكرانيا منعزلة عن العالم بسبب تدمير القوات الروسية للبنية التحتية للاتصالات، ولكن خدمة "ستارلينك" التي تقدمها شركة "سبيس إكس" للملياردير الأميركي، إيلون ماسك، أثبتت جدارتها في توفير خدمة الإنترنت في المناطق المتضررة. خلال هذا النزاع، تأثرت البنية التحتية للاتصالات بشكل كبير، حيث دمرت القوات الروسية مراكز الاتصالات واستخدمت أجهزة التشويش.
تعدّ خدمة "ستارلينك" الفضائية فائقة السرعة حلاً لهذه المشكلة، إذ تستند إلى تقنية سلاسل الكتل (block chain) لتوفير اتصالات آمنة ومستدامة. يشيد العسكريون الأوكرانيون بدور "ستارلينك" في الحفاظ على التواصل بين الوحدات والقادة في ظل الظروف الصعبة، ما يبرز أهمية هذه الخدمة في سياق الحرب الحالية. من هنا نرى بأنّ خدمات الإنترنت عبر "ستارلينك" كانت مؤمنة ليس فقط للأغراض المدنية بل أيضاً للأغراض العسكرية التي يقوم بها الجيش الأوكراني، مدعوماً بـ"الناتو" والولايات المتحدة.
في المقابل، قال إيلون ماسك إنه "سيقدم خدمة الإنترنت عبر شبكة ستارلينك لمنظمات الإغاثة المعترف بها دولياً في غزة"، ما دفع وزير الاتصالات الإسرائيلي إلى القول إنّ بلاده "ستستخدم كل الوسائل المتاحة للتصدي لهذا الأمر".
من هنا وبمعزل عن تصريح الوزير الإسرائيلي الذي لا يريد أي تواصل غزاوي إلا متى يشاء الكيان الغاصب وعن طريقه ليتمكن من مراقبة كل محتوى لأي تواصل، فإن حصر إيلون ماسك السابق بتزويد الإنترنت بالمنظمات الإغاثية، ينطوي على مشكلة كبيرة، إذ إنّ كل مستشفيات القطاع ومراكز الإغاثة الكبرى ليست تحت مسميات منظمات دولية، وبالتالي فهي محرومة من أي مساعدة ممكنة للاتصال والتواصل. غزة بمستشفياتها وموانئها ومقومات حياتها محرومة من الإنترنت من دون المرور بالشبكة الإسرائيلية، من هنا يأتي تصريح وزير الاتصالات الإسرائيلي بأنّ هناك اتفاقاً مبدئياً مع إيلون ماسك على عدم تشغيل الإنترنت الفضائي بغزة إلا بموافقة الكيان الغاصب.
تستخدم "إسرائيل" الإنترنت لمحاولة التجسس على القطاع، على بيانات الشبكة العنكبوتية والاتصالات اللاسلكية وحتى السلكية، كما ظهر في العديد من الوقائع.
حتى لو ظهرت عناوين إنسانية لدى ماسك وهمَّ بوصل غزة بالإنترنت مباشرة، علينا أن نلتفت إلى أنّ هؤلاء بأمسّ الحاجة لأي بيانات تتعلق بغزة بعد فشلهم عسكرياً.