نابولي..بؤرة فقر أغناها دييغو مارادونا
هي أكثر المدن الإيطالية فقراً وعوزاً إلى حين دخول دييغو مارادونا إليها. حوّل فريق المدينة من ناد خارج حسابات المنافسة إلى الأعرق في إيطاليا. مزار خاص للنجم الأرجنتينيّ في أكثر الأحياء الشعبية في الجنوب الإيطاليّ أصبح مقصداً لحجّاج كرة القدم حول العالم.
يرفعون صوره على الشرفات. ينشدون له أغاني التمجيد. يطلقون اسمه على حديثي الولادة. يضعون وجهه وشماً على أجسادهم. هذه هي حالة نابولي الإيطالية مع الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا.
هنا، في الحيّ الإسبانيّ، أكثر الأزقة الضيّقة في الجنوب الإيطاليّ، شيّدوا له مزاراً تكريماً لأيقونة المدينة.
تسمية الحيّ الإسبانيّ تعود إلى القرن الـ16،حين مثّل هذا المكان مسكناً للجنود الإسبان، وذلك خلال الاحتلال الملكيّ لنابولي.
هنا، اللغة مزيج من الإيطالية والإسبانية.
دخلنا إلى الحيّ الفقير والمعدم بحذر شديد. قرأنا كثيراً عن بؤرة البؤس هذه قبل مجيئنا. هنا، تنشط عمليات التجارة بالمخدرات، كما أنّها كانت غرفة عمليات منظّمة "لا كامورّا" أو المافيا الإيطالية. وهنا، كانت الاحتفالات تجوب المنطقة على مدى أيام حين يفوز فريق المدينة في مباريات كرة القدم بقيادة مارادونا.
لا شيء منعنا من الدخول إلى مكان شبيه بشخصية مارادونا المتواضعة والقريبة من عامّة الشعب. اقتربنا من مزار مارادونا وكأنّنا في مقام دينيّ، حيث للمكان رهبة واحترام.
على مقربة من مزار أسطورة نابولي، دخلنا إلى مقهى صغير لاحتساء القهوة. تخبرنا المالكة، وهي في العقد الـ6 من عمرها، أنّه لا يمكن لأحد أن يصف كيف كانت الحالة هنا عندما قاد مارادونا فريق نابولي إلى التتويج عام 1987 حيث الاحتفالات كانت تعمّ المدينة عامّة وهذا الحيّ خاصة لأكثر من أسبوع متواصل.
وصل الفتى الذهبيّ إلى نابولي آتيا من نادي برشلونة في صفقة تاريخية بلغت بما يوازي 7.5 مليون دولار أميركيّ، كما ذكرت تقارير إسبانية في ذلك الوقت.
يومذاك خرجت أخبار لتقول إنّ المافيا الإيطالية موّلت الصفقة، في حين أنّ الكاتب الإيطاليّ الشهير أنجيلو فورجيوني أكّد للميادين بأنّ المصرف المركزيّ في نابولي أسهم في عملية انتقال مارادونا.
تعدّدت الرّوايات والنتيجة واحدة، زرع دييغو مارادونا الفرحة في نفوس النابوليتانيين. جعلهم يشعرون بالتساوي مع أبناء الشمال الإيطاليّ بعدما كان الجنوب يعدّ حديقة خارجية لإقليم لومبارديا حتى الثمانينيات وهو من عانى من التنمّر عندما كان في برشلونة.
هذه الظاهرة العنصرية داخل الدولة موجودة في غير بلد أوروبيّ، كما هي نظرة الباريسيين مثلا لمرسيليا في فرنسا، لكن لسوء حظّهم لم تصل إليهم ظاهرة بحجم مارادونا لكسر هذه النظرة.
يبكي أحد الشبان متأثّراَ على رحيل الأسطورة بوضع يده على صورته. سألنا هذا الشاب العشرينيّ عن سبب دموعه وهو من جيل لم يعرف النجم الأرجنتينيّ في الملعب، فأجاب بلكنته اللاتينية بأنّ مارادونا بمثابة إله.
أدركنا بسرعة أنّه أرجنتينيّ وهو من تكبّد مشقّة السفر البعيد ليصل إلى هذا المكان المتواضع، ليكتشف عن قرب عشق أبناء نابولي لابن بلده.
يتوافد الأرجنتينيون بكثافة إلى الوسط التاريخيّ لنابولي، بهدف التعرّف إلى مدينة غيّر معالمها ابن وطنهم. بمجرّد أن يكشفوا عن جنسيتهم حتى ينهال عليهم كرم الضيافة من كلّ الجهات.
يشير التاريخ إلى أنّ الطليان هاجروا إلى الأرجنتين بكثافة في مختلف الحقبات ولا سيما خلال الحرب العالمية الثانية.
لهذا السبب يختلف لون البشرة لدى أبناء التانغو عن معظم دول أميركا الجنوبية نتيجة التزاوج بين الشعبين. أشهر الشخصيات الأرجنتينية المنحدرة من أصول إيطالية هو البابا فرانسيس ونجم كرة القدم ليونيل ميسي.
من هنا نفهم علاقة الودّ بين الشعبين إضافة إلى ما تركه دييغو مارادونا كأثر لا يمكن أن يمحى في الجنوب الإيطاليّ مهما طال الزمن.