كوبالا.. عابر الحدود الذي غاب عن كأس العالم
تشتهر كرة القدم بالعديد من القصص المميزة للاعبين فضلوا تمثيل بلاد لجأوا إليها أو حصلوا على جنسياتها، من أجل الوصول إلى كأس العالم، تعرفواً على قصة لازلو كوبالا الذي مثل أربعة منتخبات من دون الوصول إلى كأس العالم.
اشتهرت كرة القدم بالعديد من القصص المميزة للاعبين فضّلوا تمثيل بلادٍ لجأوا إليها بدلاً من بلادهم الأم، ولاعبين تخلوا عن جنسيتهم الأساسية في سبيل تمثيل منتخب دولة تربوا فيها، إلا أن قصة لازلو كوبالا، اللاعب المجري وأسطورة نادي برشلونة، ما زالت تعد الأشهر في عالم كرة القدم، لما تحمله من تقلبات غريبة انتهت بتمثيله 4 منتخبات في المحافل الدولية، من دون نجاحه في الحصول على مشاركة واحدة في منافسات كأس العالم.
نشأته
ولد لازلو كوبالا في 10 حزيران/يونيو 1927 في العاصمة المجرية بودابست من أب مجري يعود إلى أصول سلوفاكية وأم من جذور بولندية.
تميّز كوبالا منذ صغر سنّه بامتلاكه موهبة كروية واضحة، جعلته محط أنظار العديد من المتابعين والكشافين الذين شاهدوه وهو يتفوق على منافسين يكبرونه سناً بأربع أو خمس سنوات.
وعلى الرغم من اندلاع الحرب العالمية الثانية، وانخراط المجر في حلف دول المحور، وتعرضها لخسائر مادية وبشرية كبيرة، بقيت كرة القدم في مرحلة تطور كبير بعيداً من أصوات المدافع التي كانت تصدح في الجبهة الشرقية.
كوبالا أطلق العنان لقدميه
أجواء الحرب والتغيرات السياسية التي عاشتها المجر في تلك الفترة لم تمنع كوبالا من خوض أول مباراة رسمية له مع نادي غانز (Ganz TE) بعمر 17 عاماً في دوري الدرجة الثالثة المجري.
وبسبب موهبته الكبيرة، خطف كوبالا في عمر 18 عاماً أنظار النادي الأكثر نجاحاً في المجر: فيرينتسفاروشي، حيث شكل ثنائية مميزة مع المهاجم ساندوك كوكيش.
وفي تلك الفترة، أظهر كوبالا قدراته المميزة في الملاعب مستفيداً من بنيته الجسدية القوية التي كان يتمتع بها بسبب تلقيه دروساً في الملاكمة قبل احتراف كرة القدم.
الهجرة الأولى
مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، واجه كوبالا مشكلة شكَّلت تهديداً كبيراً لمسيرته الكروية، هي الخدمة العسكرية الإلزامية التي كانت مفروضة في بلاده، ما دفعه إلى الهجرة إلى تشيكوسلوفاكيا، حيث كان على موعد مع تجربة جديدة مع نادي سلوفان براتيسلافا.
وبسبب زواجه من شقيقة مدرب منتخب تشيكوسلوفاكيا، فرديناند داوتشيك، حصل كوبالا على دعوة ليخوض أولى تجاربه الدولية، عندما مثل منتخب تشيكوسلوفاكيا في 6 مباريات تمكَّن خلالها من تسجيل 4 أهداف.
العودة إلى المجر
عام 1948، عاد كوبالا إلى المجر التي كانت حينها تحت الحكم الشيوعي، ليوقع مع نادي فاساس الذي لم يتمكن من الاستمرار في صفوفه طويلاً، ويخوض 20 مباراة فقط نجح خلالها في تسجيل 10 أهداف في عمر 21 عاماً، كما كانت له مشاركات دولية قليلة مع المنتخب المجري في المحافل الدولية.
اقرأ أيضاً..كيف أنقذ المصور البرازيل وأهّلها إلى كأس العالم؟
وبسبب عدم انسجامه مع النظام السياسي السائد حينها، اتخذ كوبالا قراراً بالهجرة، بحثاً عن تجربة جديدة تناسب تطلعاته، فكانت وجهته القسم النمساوي الواقع تحت سيطرة الغرب حينها، لينجح بعد ذلك في الوصول إلى إيطاليا.
معجزة إيطاليا
في إيطاليا، وافق كوبالا على اللعب في صفوف نادي برو باتريا الذي كان ينشط في دوري الدرجة الأولى الإيطالي. وبسبب مستوياته المميزة مع برو باتريا، تلقى كوبالا دعوة للمشاركة في مباراة ودية مع نادي تورينو في أواخر العام 1949.
وبسبب مرض طفله، لم يتمكن كوبالا من الالتحاق بنادي تورينو الذي كان متوجهاً إلى العاصمة البرتغالية لشبونة لخوض مباراة ودية أمام نادي بنفيكا، لينجو بأعجوبة من الموت بعد سقوط طائرة الفريق الإيطالي أثناء عودتها من الأراضي البرتغالية.
عقوبات الفيفا.. رب ضارة نافعة
وعندما كان كوبالا يتابع مسيرته في إيطاليا، اتُخذ بحقه عدد من العقوبات، إذ اعتبرته السلطات المجرية متهرباً من عقده وفاراً من الخدمة العسكرية الإلزامية، ليصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" حينها قراراً بإيقافه عن ممارسة كرة القدم لمدة عام، الأمر الذي منعه من الانضمام إلى أي نادٍ إيطالي.
وفي سبيل الحصول على مدخول مادّي، أسس كوبالا مع شقيق زوجته، داوتشيك، فريقاً للنازحين أسمياه "هنغاريا"، ليشارك في المباريات الودية والاستعراضية التي لا تخضع لرقابة "الفيفا" وقوانينها.
وأثناء إحدى رحلات الفريق إلى إسبانيا، قدم كوبالا مستويات مميزة في مواجهة العديد من الأندية الإسبانية، لينجح في تسجيل 6 أهداف خلال 5 مباريات، الأمر الذي جعله محط أنظار العديد من الأندية الإسبانية، أبرزها الغريمان التقليديان برشلونة وريال مدريد.
وعلى الرغم من اقتراب كوبالا من الانضمام إلى "النادي الملكي"، فإن مطلبه بتعيين شقيق زوجته مدرباً للفريق حوَّل مسار الصفقة من مدريد إلى كاتالونيا، بعدما وافق نادي برشلونة على شروطه.
اقرأ أيضاً.. "معجزة في بيرن".. سقوط المجر الذي لا ينسى في كأس العالم
وساهم نظام "الديكتاتور" الإسباني فرانكو، على الرغم من عدائه لكاتالونيا، في تسهيل انتقال كوبالا إلى برشلونة من جهة، وفي حصوله على الجنسية الإسبانية من جهة أخرى، من أجل تحسين صورة النظام في المحيط الأوروبي، عبر إبراز إسبانيا ملجأً للهاربين من الدول الواقع في المظلة الشرقية، لتختم الحملة بفيلم يلخص رحلته من المجر إلى إسبانيا.
وبعد حصوله على الجنسية الإسبانية، خاض كوبالا مسيرةً قصيرة مع "الماتادور"، ليمثل المنتخب في 19 مباراة نجح خلالها في تسجيل 11 هدفاً. وعلى الرغم من استدعائه لخوض منافسات كأس العالم في تشيلي (1962)، فإنَّ كوبالا تغيب عن البطولة بسبب الإصابة.
إنجازات كوبالا في إسبانيا
وفي برشلونة، لم ينتظر كوبالا كثيراً لإظهار موهبته وخلق منافسة قوية مع فريق ريال مدريد الذي كان مسيطراً حينها، ونجح في موسمه الأول مع النادي في تسجيل 26 هدفاً في 19 مباراة مهدياً برشلونة لقب الدوري الإسباني.
وتمكَّن كوبالا خلال مسيرته مع برشلونة في جعل النادي منافساً دائماً لريال مدريد الَّذي امتلك حينها أفضل اللاعبين، ونجح في تحقيق 11 لقباً مع برشلونة في الفترة الممتدة من العام 1951 حتى 1961، ليتولى بعد ذلك تدريب النادي لمدة عامين.
وبعد انتهاء مسيرته في برشلونة، خاض كوبالا تجارب مع كل من نادي تورونتو سيتي الكندي، وإسبانيول الكاتالوني، وزيورخ السويسري، وتورونتو فالونز الكندي.
وبعد رحيله عن صفوف برشلونة، استمرت أسطورة كوبالا في النادي، وظلت تنتقل عبر الأجيال، ليتم اختياره من قبل الجماهير عام 1999 اللاعب الأفضل في تاريخ النادي، متفوقاً على دييغو مارادونا وخريستو ستويتشكوف.
ولدى كوبالا في سجله تجربة دولية رابعة غير معترف بها دولياً، عندما مثل منتخب إقليم كاتالونيا، حين شارك في 4 مباريات نجح خلالها في تسجيل 4 أهداف.
وعلى مستوى مسيرته التدريبية، كانت أبرز تجارب كوبالا توليه الإشراف على المنتخب الإسباني لمدة 11 عاماً (منذ عام 1969 حتى العام 1980).
توفي كوبالا عام 2002، ولا تزال ذكراه قائمة في نادي برشلونة الَّذي كرّم مسيرته بتمثال يجسده وهو يركل الكرة، وضع أمام ملعب "سبوتيفاي كامب نو".
تميَّزت مسيرة كوبالا بالعديد من المنعطفات المهمة والخطرة، ولكن ما لا يمكن إنكاره هو إبداع ذلك اللاجئ الذي حمل موهبته رسالة صنعت تاريخ نادي برشلونة في القرن الماضي.