كريم بنزيما.. من كوكو الخجول إلى قائد ريال مدريد
كريم بنزيما لاعب ريال مدريد نجح في أن يصبح واحداً من أفضل لاعبي العالم، ولكنه لم يصل إلى هذا المستوى في يوم وليلة إنما عاش صعوبات كثيرة من أجل تحقيق حلمه. تعرفوا إلى بعض من قصة بنزيما.
أول نادي كرة قدم لعب فيه كريم بنزيما، كان يبعد 50 ميلاً فقط عن منزله، في برون تيرايلون، إحدى الضواحي الشرقية لمدينة ليون، والتي يبلغ عدد سكانها 40 ألف نسمة. وهي معروفة بأنها "وكرٌ" للجريمة، وتأسست في ستينيات القرن الماضي، لاستقبال المهاجرين من دول شمال أفريقيا، وكانت تشهد سباقات للدراجات النارية وغيرها من الأمور.
كريم بنزيما أو كما كان يُلقب بين أفراد عائلته وأصدقائه المقربين "كوكو"، نشأ في بيئة صعبة، إلّا أنه على عكس الكثيرين من أبناء تلك المنطقة، كان ولداً هادئاً وخجولاً، وكان يُحب كرة القدم، إذ لم تفارق الكرة يديه وقدميه.
لاحظ فريدريك ريغوليت، الذي درّب بنزيما عندما كان يبلغ من العمر 8 سنوات، أن هناك فجوة كبيرة بين موهبة كريم وبين بقية اللاعبين الصغار الذين يُدربهم. ولم ينسَ ريغوليت كيف كان "كوكو" يواصل اللعب بعد انتهاء التدريبات، وكيف يركل الكرة نحو الحائط باستمرار.
شغف كريم باللعبة وهوسه فيها، يتذكرهما أنتوني مونييه، صديق طفولة بنزيما، الذي تدرّج معه وكان زميلاً له خلال طفولته وفي فترة مراهقته، والذي لعب 21 مباراة أيضاً مع ليون بين عامي 2007 و2009.
يقول مونييه في حوار مع صحيفة "The Athletic" البريطانية: "في الأكاديمية، تشاركنا الغرفة نفسها، وكنّا دائماً نتناول الطعام معاً. عندما بدأ كريم باللعب مع الفريق الأول، كنت لا أزال ألعب للفريق الثاني. لذلك، كلما عدنا إلى غرفتنا بعد المباريات، كان يوقظني دائماً في الليل".
ويضيف مونييه: "أحب أن أنام، لكن كريم لم يهتم. كان متحمساً دوماً للحديث عن كيفية سير كل مباراة. لقد تحدثنا وتحدثنا، وكان يسألني عن ما يحتاج إليه كي يتحسن أداؤه في المرة القادمة. وكنت أجيبه: أخي، ستنجح. أنت موهوب ولديك العقلية الصحيحة".
لقد لعب مونييه إلى جانب كريم في أغلب مباريات الأكاديمية. كان بنزيما لاعباً عادياً في الـ14 من عمره، بنزيما نفسه سيؤكد هذا الكلام بحسب ما قاله مونييه، لكن مهاجم ريال مدريد الحالي، كان حاسماً جداً أمام المرمى، وهذا ما ميّزه عن البقية.
إلّا أن واحدة من مشاكل بنزيما "الحقيقية"، كما يروي مونييه، أنه كان نحيفاً جداً، وهذا ما أعاق تطوره، بالإضافة إلى افتقاده للثقة بنفسه في تلك الفترة، كان خجولاً جداً ولم يُحب أن "يسرق الأضواء" ويفخر بنفسه.
كوكو "أبو عضلات"
في الـ15 من عمره، التحق بنزيما بمدرسة داخلية خاصة بأكاديمية "تولا فولاج"، وهناك وفي أحد الأيام الصيفية، تغيرت حياة بنزيما بحسب ما يرويه مونييه، ليتطور ويصبح لاعباً أفضل قبل ظهوره مع الفريق الأول لليون.
في الـ16 من عمره، انتهت فترة المدرسة الداخلية مع الأكاديمية، ولكن مع نهاية فصل الصيف، والاستعداد للموسم الجديد، فوجئ الجميع أن بنزيما كسب بعض العضلات وحسّن في بنيته الجسدية.
في ذلك الصيف، في الوقت الذي كان أصدقاؤه يسترخون، ركز بنزيما وعمل على تحسين لياقته وصقل جسده. هذه تفاصيل تجعلك تُميز بين اللاعبين الجيدين واللاعبين الجيدين جداً، بحسب ما يقول مونييه.
بعدها مباشرةً، لعب كريم بطولة أمم أوروبا ما دون 17 عاماً مع منتخب فرنسا وحقق اللقب. معظم المدافعين صُدِموا، لم يُصدقوا أن هذا الفتى هو نفسه كريم بنزيما قبل بضعة أشهر. كان يعمل على عضلات بطنه ويُمارس الملاكمة في صالة الألعاب الرياضية، مصمّماً على التطور. عندما كان في الـ13 أو الـ14 من عمره، قال معظم المدربين إن جسده كان عائقاً أمام مسيرته، لكن العطلة الصيفية تلك غيّرت الكثير من الأمور. في التدريبات، كان جيداً جداً، لذا لم يكن لديهم في أكاديمية ليون خيار آخر سوى ترقيته إلى الفريق الأول.
لا تعبث مع اللاعب الخجول
عندما بدأ كريم بنزيما باللعب في مباريات دوري أبطال أوروبا مع فريق ليون الأول، كان يرتدي "الرقم 44". ذات مرة، عاد إلى غرفة تغيير الملابس بعد المباراة، في سن الـ18 من عمره وقال: "إنهم يجعلونني ألعب بهذا الرقم، لا يمكنني اللعب بالرقم 44."
أجابه مونييه : "أخي، أنت تلعب في دوري أبطال أوروبا، ما الذي تتحدث عنه؟". رد بنزيما : "أريد أن ألعب بالرقم 9".
عندما صعد بنزيما إلى الفريق الأول، كان هناك عدة لاعبين بارزين مع ليون مثل مالودا وأبيدال وإيسيان. يكشف الصحافي الإسباني جيليم بالاجيه، أن بنزيما كان لا يزال لاعباً خجولاً، ويرتبك عندما يُريد التحدث أمام زملائه حتى بات مادة للسخرية، قبل أن يرد على سخرية زملائه في إحدى المرات: "لا تضحكوا. لقد جئت لآخذ مكانكم".
في ريال مدريد حدثت مع بنزيما أمور مشابهة. رئيس ريال مدريد السابق رامون كالديرون قال إن بنزيما كان على "رادار" النادي لفترة طويلة. المشكلة أن ريال مدريد في تلك الفترة كان يملك كوكبة من النجوم في خط الهجوم مثل رونالدو البرازيلي، رود فان نيستلروي، راؤول غونزاليس، وآريين روبين. لم يعتقد مسؤولو ريال مدريد أنه الوقت المناسب للتعاقد مع بنزيما، لكنهم كانوا واثقين أنه سيُصبح لاعباً معهم لاحقاً. وهذا ما حدث بالفعل.
في موسم بنزيما الأول مع ريال مدريد، سجل 9 أهداف في 33 مباراة وهو أدنى عدد أهداف له في موسم واحد مع الفريق الإسباني حتى الآن، وكان خلف هيغواين وكريستيانو رونالدو في ترتيب اللاعبين الأساسيين في خط الهجوم. أنت تعرف ماذا يعني تسجيل هذا العدد القليل من الأهداف في هذا العدد من المباريات بالنسبة إلى فريق مثل ريال مدريد؟ حينها، ظهرت مخاوف بشأن ما إذا كان قد ذهب بنزيما إلى "سانتياغو بيرنابيو" في وقت مبكر.
Mo Salah vs. Karim Benzema.
— B/R Football (@brfootball) May 27, 2022
This is going to be fun ⚔️ pic.twitter.com/ycGfZY3c75
يقول مونييه : "أراد ريال مدريد التعاقد معه وإعارته إلى ليون. كريم كان جاهزاً ولكنه ذهب إلى بلد جديد وعليه أن يتعلم لغة جديدة. كان بحاجة إلى الوقت. لا يُمكنك الاستمرار في غرفة تبديل الملابس مع سيرجيو راموس ورونالدو ومارسيلو إذا لم تكن موهوباً".
بعد موسم أول أقل من التوقعات من كريم، لم يستدعَ لتمثيل منتخب فرنسا في بطولة كأس العالم 2010 مع المدرب ريمون دومينيك. يقول ريموند: "فهم كريستيانو رونالدو حقاً ما يمكنه فعله بموهبته حينها. كريم؟ لا. رونالدو لديه ثقة أكبر بنفسه. إذا كان كريم يمتلك 10٪ فقط من شخصية رونالدو في ذلك الوقت، فكان سيُحقق الفوز بالكرة الذهبية".
بعد رحيل بيليغريني، وصل مورينيو إلى ريال مدريد، واعتمد على هيغواين، قبل أن يُصاب في كانون الأول/ديسمبر 2010. لذا، اضطر مورينيو للاعتماد على بنزيما الذي كان لا يزال يُحاول التأقلم في إسبانيا، ويُعاني من مشاكل ذهنية.
بعد إصابة هيغواين، أهان مورينيو بنزيما في العلن، قائلاً: "عندما تذهب للصيد فأنت تصطحب كلبك، وحينما لا يكون كلبك موجوداً فأنت تصطحب قطتك، لا لسبب إلّا لأنك لا تستطيع الذهاب للصيد وحدك. هذا يشبه ما يحدث هنا مع هيغواين وبنزيما".
كشف سيد لو، صحافي متخصص في شؤون الدوري الإسباني ومراسل "الغارديان"، أن مورينيو أراد التخلص من بنزيما في نافذة سوق الانتقالات الشتوية والتعاقد مع إيمانويل أديبايور. يصف لو الأمور بأنها كالحرب بين الإدارة ومورينيو وبنزيما كان الضحية.
يقول بنزيما في إحدى مقابلاته إن تصريحات مورينيو استفزته، وجعلته لا يحترم المدرب البرتغالي حتى أخبره في إحدى المرات: "لم يكن هناك قطط ولا كلاب ولا أي شيء من هذا القبيل. أنا شخص خجول، ولكن إن حاولت السخرية مني فسأخبرك برأيي فيك ولن أخاف".
في تلك الفترة، كان بنزيما يتعرض لانتقادات لاذعة من الصحافة الإسبانية حتى وصفته صحيفة "ماركا" الإسبانية بـ"اللاشيء"، وخرج زميله كاكا وانتقده قائلاً: "كلنا نشعر بأن كريم لا يقدم ما يكفي للفريق".
وهو التصريح الذي اتفق فيه مورينيو مع كاكا، وقال إن اللاعب البرازيلي صرّح ما يُفكر فيه الجميع عن بنزيما.
ثم، ظهرت قضية ابتزاز فالبوينا الشهيرة. وبعيداً عن تفاصيل القصة وعن ذنب بنزيما من عدمه، يعلق مدرب فرنسا دومينيك على قدرة بنزيما على التعامل مع كل الضغوط بسبب الصخب الإعلامي الذي أحدثته تلك القصة.
القضية لم تؤثر في أداء بنزيما. في ذلك الموسم، كان جزءاً من فريق ريال مدريد الذي فاز بدوري أبطال أوروبا، متغلباً على منافسه أتلتيكو بركلات الترجيح في النهائي، وسجل 24 هدفاً في 27 مباراة في الدوري الإسباني.
الوجه الحقيقي لبنزيما
بنزيما استفاد من احترافية رونالدو في العناية بجسده وبرنامج التدريبات. يقول مونييه إن بنزيما سار على خطى رونالدو في الاعتناء بجسده، وهو غير متفاجئ أبداً مما يُقدمه من جهود وعطاء في الملعب الآن.
يقول ييرزي دوديك، حارس ريال مدريد السابق عن بنزيما: "توازنه وسيطرته على الكرة موهبة فطرية. كنت دائماً أقارنه بكاكا، إذ لم يستطع أحد افتكاك الكرة منه".
بعد رحيل رونالدو عن ريال مدريد، كريم صرّح أن بإمكانه إظهار "بنزيما الحقيقي". كثيرون سخروا من تصريحه بسبب أدائه المتواضع في الموسمين اللذين سبقا رحيل رونالدو عن ريال مدريد، لكن تبيّن أن بنزيما لم يكن يمزح.
وسبق أن حقق بنزيما دوري أبطال أوروبا 4 مرات ولديه 15 هدفاً في هذه النسخة من البطولة هذا الموسم. وحدهما، رونالدو (140) وليونيل ميسي (125) سجلا أهدافاً أكثر منه (86) في مسابقة دوري أبطال أوروبا، وإذا سجل في النهائي يوم السبت، بعمر 34 عاماً و160 يوماً، فسيكون ثاني أكبر لاعب يفعل ذلك، بعد باولو مالديني، الذي سجل في مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا المشؤومة أمام ليفربول في 2005 قبل شهر من عيد ميلاده الـ 37.
"𝐄𝐯𝐞𝐫𝐲 𝐭𝐢𝐦𝐞 𝐈 𝐠𝐢𝐯𝐞 𝐡𝐢𝐦 𝐭𝐡𝐞 𝐛𝐚𝐥𝐥, 𝐢𝐭 𝐰𝐨𝐫𝐤𝐬 𝐨𝐮𝐭."
— UEFA Champions League (@ChampionsLeague) May 28, 2022
"𝐇𝐞’𝐬 𝐥𝐢𝐤𝐞 𝐰𝐢𝐧𝐞, 𝐛𝐞𝐭𝐭𝐞𝐫 𝐚𝐥𝐥 𝐭𝐡𝐞 𝐭𝐢𝐦𝐞, 𝐰𝐢𝐭𝐡 𝐞𝐯𝐞𝐫𝐲 𝐲𝐞𝐚𝐫."
🇫🇷 Top scorer Karim Benzema inspiring Real Madrid this season ⚽️@Benzema | #UCLfinal pic.twitter.com/SuIEKEnsWC
قاد بنزيما فريقه ريال مدريد إلى المباراة النهائية، وسجل هاتريك ضد باريس سان جيرمان وتشيلسي في الأدوار الإقصائية. لكن جرأته في تسديد ركلة الجزاء على طريقة "بانينكا" في ذهاب الدور نصف النهائي خارج أرضه أمام مانشستر سيتي هي التي تركت انطباعاً مذهلاً لدى الجمهور.
يقول مونييه عن ركلة جزاء بنزيما تلك: "يجب أن يكون لديك مستوى مختلف من الثقة للقيام بذلك. قبل تلك المباراة، أضاع ركلتي جزاء (ضد أوساسونا في مباراة مدريد السابقة). إذا كنت لاعباً ضعيف الثقة، فسوف تمنح شخصاً آخر فرصة تسديدها. لكن، هذا ليس "كريم". اللاعبون الكبار يتحملون المسؤوليات. تسديد ركلة جزاء هي معركة نفسية بينك وبين حارس المرمى. لهذا السبب يُناديه أصدقاؤه المقربون وعائلته "كوكو". هو هادئ في جميع الأوقات. لا شيء يضايقه".
لم يهرب بنزيما من الفرصة التي أتحيت له للرد على الجماهير، وعلى كل منتقديه و كل المشككين فيه من زملاء ومدربين سابقين له، بل كان عازماً أن يرتقي بمستواه مع تقدمه في السن، ليصبح معشوق الجماهير ومدلل فلورنتينو بيريز. تبيّن للجميع أن قصة كريم بنزيما مع ريال مدريد كانت عبارة عن "سوء تفاهم".