المغرب.. لماذا بكينا عندما فاز أسود الأطلس؟
لمَ لا يتوج المغرب بكأس العالم؟ سؤال كان من الاستحالة أن يطرح سابقاً إلا على سبيل المزاح. اليوم، أصبح قابلاً للطرح بجدية، وصارت فرضيات كثيرة تطرح حوله بعد المشهدية التي قدّمها المغرب في كأس العالم.
"المستحيل ليس مغربياً"
عبارة ترددت في ملاعب قطر خلال مباريات كأس العالم
لطالما كان سقف التوقعات الرياضية منخفضاً جداً تجاه المنتخبات العربية، على الرغم من أن جزءاً يسيراً من العرب مشجعون حقيقيون، ويتابعون المباريات بدقة. يلبسون ثياب الفرق الغربية التي يشجعونها، ويبدلون صورهم الشخصية في حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي قبل كل مباراة. وعادةً، ما تمتلئ المطاعم بالشباب المتحمسين تجاه فريق يهتمون بفوزه، لكن نادراً ما يكون هذا الفريق عربياً، خصوصاً في حدث كأس العالم.
قد يعود السبب إلى أن المشاركات العربية لم تكن على قدر طموحات الشعوب العربية، والأخيرة لم تشهد حقبة مشاركات عربية واسعة.
تاريخياً، كان منتخب مصر صاحب أول مشاركة عربية على الإطلاق في البطولة في كأس العالم في إيطاليا عام 1934. كانت مصر والعراق والإمارات والكويت الرباعي العربي الذي لم يستطع أن يتذوق طعم الفوز في أي مباراة في كأس العالم، رغم خوضهم مجتمعين 16 مباراة. المنتخب السعودي هو الفريق العربي الوحيد الذي لعب المباراة الافتتاحية في كأس العالم قبل هذه النسخة (لعبت قطر المباراة الافتتاحية). كان ذلك ضد روسيا عام 2018، وانتهت المباراة بفوز أصحاب الأرض 5/0.
مباراة المنتخب المغربي ضد إسبانيا في روسيا عام 2018 كانت أكثر مباراة ينال فيها فريق عربي بطاقات صفراء، بواقع 6 مرات، فيما كان المنتخب السعودي المنتخب العربي الأكثر تلقياً للأهداف في مباراة واحدة بتاريخ البطولة، بواقع 8 أهداف لمصلحة ألمانيا.
عدد الفرق العربية التي شاركت تاريخياً في كأس العالم هو 8: الجزائر، السعودية، المغرب، تونس، مصر، الإمارات، العراق، والكويت. وقد ارتفع هذا الرقم إلى 9 بعد مشاركة المضيف المنتخب القطري هذا العام.
أسوأ دفاع عربي في تاريخ كأس العالم هو دفاع المنتخب السعودي الذي تلقى 39 هدفاً في كل مبارياته في كأس العالم. احتاجت المنتخبات العربية 44 عاماً حتى تسجّل أول فوز لها في كأس العالم (أول مشاركة كانت في 1934 لمنتخب مصر). كان ذلك في نسخة الأرجنتين 1978، حين فاز المنتخب التونسي 3-1.
الحارس المصري عصام الحضري هو أكبر لاعب في تاريخ كأس العالم، بعد مشاركته في مواجهة السعودية في كأس العالم روسيا عام 2018، وكان يبلغ آنذاك 45 عاماً و5 أشهر و10 أيام. وكان المنتخب المصري هو صاحب أطول فترة غياب في التاريخ عن كأس العالم بالتساوي مع النرويج بـ56 عاماً.
فعلها المغرب
"قد تعتبرني مجنوناً الآن، لكن في حال عبورنا دور المجموعات، وهذا ما سيحدث إن شاء الله، فسوف نصل إلى ربع النهائي، وسنكون مفاجأة البطولة. هل تتذكر ما قامت به غانا في 2010؟ بإمكاننا تكرار ذلك في قطر".
اللاعب المغربي سفيان بوفال
الأرقام أعلاه هي عينة مصغرة لمحاولة فهم موقف المشجع العربي، ولماذا لا نستطيع أن نعيب عليه تشجيعه منتخبات قد لا يكون على علم بموقعها في الخريطة؛ فالتاريخ العربي في مشاركات كأس العالم ليس عريقاً. هذا الأمر بالتحديد يشرح الجزئية التي تتعلق بالسلوك العربي الذي شهدناه عند تأهل المغرب إلى نهائيات كأس العالم.
هذا السلوك رأى البعض أنه "مغالٍ" و"غير مفهوم"، علماً أنه منطقي إذا ما نظرنا إليه من الزاوية العربية. الأمر مشابه لما استخدم من مصطلحات في وسائل الإعلام العربية التي كتبت عناوين تظهر أن شيئاً عكس المألوف يحدث.
الصحافة المغربية استعملت غير مرة "الإنجاز الإعجازي للمنتخب الوطني المغربي" وغيره من التعابير والمفردات التي أصرت على إظهار ما حدث كأنه ما كان يجب أن يحدث، ولكنه حدث رغم ذلك.
حسناً، فعلها المغرب. قشعريرة أصابت الجميع، هل حدثت معجزة؟ مدّرب المنتخب المغربي وليد الركراكي قال إنها ليست معجزة، حتى لو بدا الأمر كأنه كذلك، لكنّ حارس المنتخب المغربي قال في إحدى تصاريحه: "نحن هنا لتغيير العقلية"، ويقصد هنا العقلية التي تقول إن العرب عموماً غير مؤهلين لخوض سباق المباريات العالمية، وغير أكفاء لجذب انتباه المنتخبات الغربية كلاعببين أو كمدربين.
لم يكن هذا التصريح الوحيد الذي تحدّث عن الإعجاز فيما حدث، بل توالت تصريحات ومقالات صحافية تتحدث عن "عقدة النقص العربية" تجاه الرياضة، التي قد تكون مفهومة إلى حد ما، وكيف بدأت اللهجة العربية تختلف من الحديث عن الإخفاقات وسقف الأحلام المحدود إلى الحديث عن إثبات وجود وتغيير معادلات وفكّ عقدة "الرجل العربي"، على غرار عقدة "الرجل الأسود".
فعلها المنتخب الغربي. صنع الحدث، وحقق إنجازاً لم ينتهِ صداه بعد، كأن المباراة مستمرة حتى يوم الحسم الأخير. "عقلية الفوز" التي دخل بها المنتخب، كما يقول اللاعب أشرف حكيمي، كانت لها انعكاسات حقيقية في نظرة الجمهور والمشاهد. اللاعبون مرروا الكرة وكانوا مصرّين على الوصول إلى الهدف بصرف النظر من المنتخب المنافس. هذه الثقة وصلت إلينا وفاجأتنا نحن الذين نتعطش إلى فوز عربي في حدث عالمي ككأس العالم.
تحدّث كثيرون عن سبب "الدمعة العربية الغزيرة" بعد تأهل المغرب، وقالوا إن الأمر قد يعود إلى التضامن المشتهى والمفقود الذي غالباً ما يتحدث عنه العرب من دون أن يلمسوه، لكن المغرب أوجده فعلاً، وخلق حلقة تضامنية حقيقة ليس معروفاً مصدرها الحقيقي، عروبياً أو قومياً أو نفسياً.
مهما كان، شيء ما مختلف حدث؛ ففي كل مرة كنا ندرك أن المشكلة لم تكن في الفوارق الفردية العربية فقط، ولا في الإمكانيات، فما حال بيننا وبين الإنجاز في العديد من المجالات كان أننا لم نُصدِّق أنفسنا، ولم نصدق قدرتنا على مقارعة أولئك "العمالقة"، أياً كانوا، وأياً كانت قدراتهم.
عدا عن الشعور بالانتماء إلى ما حدث مع المنتخب المغربي، وتقاسم الفرح والدمعة والتوتر معه، عزز الأخير حضوره بيننا بعدد من المشهديات التي افتقر العرب إلى وجودها في الآونة الأخيرة، أهمها حضور القضية الفلسطينية، وهذا ليس تفصيلاً.
العلم الفلسطيني كان موجوداً خلال مباريات المغرب، وحمله الجمهور في العديد من المباريات، وفي الأسواق، وفي الأماكن المخصصة للتشجيع. الجمهور المغربي الموجود في الملاعب احتفل بالعلم المغربي إلى جانب العلم الفلسطيني دائماً، ما شكّل تكاتفاً ضمنياً مع المغرب، ولأجل فلسطين أيضاً.
كذلك، حملت مشاركة المغرب في كأس العالم قيماً عائلية، ظهرت جلياً عندما احتفل لاعبو المنتخب المغربي مع أمهاتهم. المشاهد الدافئة التي قدّمها المنتخب انعكست تساؤلات في الإعلام الغربي، وتصفيقاً في الإعلام العربي. آلاف المشاهدات حازها فيديو صعود اللاعب المغربي سفيان بوفال إلى المدرجات من أجل تقبيل رأس والدته ومعانقتها.
مشهديات كثيرة وغزيرة متعمقة في أصل الإنسان العربي الذي يحمل حباً لفلسطين والوطن والأم قد تفسّر، إلى حدّ ما، لماذا بكينا عندما تأهل المغرب، ولماذا قد نبكي في حال لم يحقق الحلم، وغادر البطولة.
يتساءل كثيرون عما إذا ما كان مونديال قطر 2022 سيساهم في استعادة الثقة بالذات العربية، وحلّ العقد التي استحكمت بالوعي العربي والغربي. ويعوّل كثيرون على أن ينسحب الفرح الذي اجتاح ملعب الثمامة بأكثر من 44198 متفرجاً، أكثر من نصفهم كان يصفق للمغرب مدهوشاً، يوازيهم أكثر من 36.8 مليون مغربي من المنزل يبكي فرحاً، على نهائيات كأس العالم.
واليوم، تنتظر الشعوب العربية بكل رضا وترقّب، هل يفعلها المغرب فعلاً؟